رسم الصباح بالهدوء مضى فتى يافعاً نحو طريقه , و قد أمتطى سنارته و شباكه على كتفه , لعله يجود بأطيب ثمار البحر , فالكثير من الكائنات المهاجرة توافدت إلى هذا الموطن , صعد إلى الفنار ليرى ما إن كان الموج قد سكن أم لا , الأمر على مايرام , هكذا يبدو إليه , النوارس البيضاء تتراقص في مساحة ٌ زرقاء من السماء , صعد الفتى قاربه المركون جانباً على الشط , أسدل الشراع , و أحل الحبال , و يمم وجهه في عرض البحر , ألقى شباكه مُخاطباً نفسه سيكون عشاءنا هذه الليلة شهياً , لم يخلد في باله أنه سيكون طبق شهي للقروش ! ويالبؤسه من فتى نسي أن يأخذ البوصلة ليحدد وجهته بين خضم البحر , أبتعد ملياً في أحلامه كما هو حاله , أحس أن هناك ثمة أمر ليس بجيد , يا إلهي أسماك القرش مُحاطةٌ بقاربه المتهالك , لم تسعفه سهامه الخشبيه في طرد تلك الوحوش البحرية بعيدةٌ عنه , أمتد الموج به عالياً و إنخفاضاً , تيارات هوائية تأرجح قاربه , لا مناص عن الموت , فالعاصفة قادمة ٌمن بعيد , أوشكت الشمس على المغيب , و أوشكت حياته أن تلحق بالشمس , أطلق صرخاته ليملئ الكون نحيباً , فالسماء قد أنتحبت بالمطر و البحر كذلك بهيجانه , وهو كقطعة ورق بين عواصف هوجاء , من منجي غير الله , رفع البصر نحو السماء إلهي دعني أذوق العشاء مع أمي, أدهلم الليل بظلام دامس و هو يترقب النجاة , حتى رماه القارب على شاطئ الأمل طريحاً فريداً من غير حصاد إلا من حياته التي لم تقدر بثمن ..