السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
..
اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
..
صباحكم / مساكم
خير وبركه وسعاده
..
هذا الموضوع يتحدث عن الحوار والجدال والمناظرة والمناقشه
قال الله عز وجل :
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ "
..
لا شك أن التعارف بين البشر يعني وجود حوار بينهم
وليس كل كلام متبادل بين طرفين يقع تحت مسمى الحوار
فهناك كلام يفضي إلى الجدل
وكلام بغرض المناظرة
وكلام يعتبر مناقشة
..
ومن المؤكد أن هناك فرق بين هؤلاء الأربع :
الحوار والجدال والمناظرة والمناقشة
..
نبدأ بمفهوم الحوار لغةً
قال ابن منظور في لسان العرب: ”الحَوْرُ: الرجوع عن الشيء وإلى الشيء،
وهم يتحاورون: أي تراجعون الكلام.
إذاً فالحوار هو تراجع الكلام والتجاوب فيه
..
الحوار اصطلاحاً:
مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين، وعرفه بعضهم بأنه نوع في الحديث بين شخصين،
أو فريقين يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة متكافئة، فلا يستأثر أحدهما دون الآخر
ويغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب، وهو ضرب من الأدب الرفيع وأسلوب من أساليبه .
..
مفهوم الجدال :
من الجدل، وهو شدة الفتك، فالجديل الزمام، والمجدول من آدم
والجادل من الإبل الذي قوي ومشى مع أمه، والأجدل الصقر، ورجل جدل إذا كان قوي الخصام
إذاً فأصل كلمة الجدل في اللغة تدل على القوة والشدة ويقصد بالجدل شدة الخصومة.
والجدل الاصطلاحي: هو دفع خصمه عن إفساد قوله بحجة أو شبهة، أو يقصد به تصحيح كلامه وهو الخصومة في الحقيقة
فالحوار والجدال يلتقيان في أنهما حديث أو مناقشة بين طرفين لكنهما يفترقان بعد ذلك.
أما الجدال فهو على الأغلب الرد في الخصومة وما يتصل بذلك، ولكن في إطار التخاصم في الكلام، فالجدال والمجادلة والجدل، كل ذلك ينحو منحى الخصومة ولو بمعنى العناد والتمسك بالرأي والتعصب له
وفي القرآن ما يدل على هذا الفرق، فقد ورد لفظ الجدل في القرآن الكريم تسعة وعشرين مرة كلها في سياق الذم، إلا في ثلاثة مواضع وهي: قوله تعالى: ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )
، وقوله تعالى: ( وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )
، وقوله تعالى: ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا )
أما بقية المواضع في القرآن الكريم فإما أن تكون في سياق عدم الرضا عند الجدال وإما عدم جدواه، أو لأنه يفتقد شروطاً أساسية كطلب الحق أو الجدال بغير علم أو يطلقه الكفار على الرسل كما قال تعالى: قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا;
فالجدل لم يؤمر ولم يمدح في القرآن الكريم على الإطلاق، وإنما قيد بالحسنى كما في قوله تعالى:
( وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، وقوله تعالى: ( وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)
فلفظة الجدل مذمومة إلا إذا قيدت ومما يؤكد ذلك ما صح عن النبي :
(ما ضل قوم بعد هدى كان عليه إلا أتوا الجدل، ثم قرأ الآية: ( مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ )
..
الفرق بين الحواروالمناظرة :
هناك توافق بين الحوار والمناظرة إذ أن المناظرة نوع من أنواع الحوار، ولكن عند الرجوع إلى تعريف المناظرة يتضح أنها تعتمد على الدقة العلمية، والشروط المنطقية، أكثر من اعتماد الحوارعلى ذلك، فالمناظرة مشتقة في أصل اللغة من النظير أو من النظر
وفي الاصطلاح: ”علم يبحث عن أحوال المتخاصمين، يكون ترتيب البحث بينهما على وجه الصواب حتى يظهر الحق بينهما
..
الفرق بين الحواروالمناقشة:
النقش في اللغة معناه: النقش والنزوقد جاء في الحديث: ( إذا شيك فلا انتقش )أي فلا نزعت منه الشوكة.
ويأتي النقاش أيضاً بمعنى: المحاسبة والاستقصاء ومنه الحديث: (من نوقش الحساب هلك)
فالمناقشة هي نوع من التحاور بين شخصين أو طرفين ولكنها تقوم على أساس استقصاء الحساب، وتعرية الأخطاء، وإحصائها، ويكون هذا الاستقصاء في العادة لمصلحة أحد الطرفين فقط، الذي يستقصي محصياً ومستوعباً كل ما له على الطرف الآخر
..
أصول وآداب الحوار
والأصول هي عبارة عن القواعد الرئيسية الثابتة التي تضبط مساء الحوار، أما الآداب فهي طريقة المحاور التي تدل على رفعة في الأخلاق أو مذمة فيها
أولا : أصول الحوار :
الأصل الأول: أن يراد بالحوار وجه الله تعالى، أي إظهار الحق والوصول إليه، وهذه الرغبة يجب أن تكون موجودة عند الطرفين لا أن تكون الغاية مجرد الغلبة والظهور.
الأصل الثاني العلم، لابد للمحاور أن يكون عالماً بالمسألة التي يريد أن يحاور فيها
:
الأصل الثالث: أن يكون هناك تكافؤ بين المتحاورين، أي أن يكونا متقاربين في السوية العلمية والثقافية، وفي العقل والفهم، وإلا فإن الغلبة ستكون للجاهل، وسيطمس الحق في هذه المناظرة، ولا يظهر للمتحاورين ولا للحاضرين، وفي ذلك يقول الشافعي رحمه الله: ”ما ناظرت عالماً إلا غلبته، وما ناظرني جاهل الا غلبني "
الأصل الرابع: تحديد موضوع الحوار ونقطة الاختلاف ، قال الربيع بن سليمان رحمه الله: ”كان الشافعي إذا ناظره إنسان في مسألة فغدا إلى غيرها، يقول: نفرغ من هذه المسألة ثم نصير إلى ما تريد "
الأصل الخامس: قطعية النتائج ونسبيتها، من المهم أن نعرف في هذا الأصل إدراك أن الرأي الفكري نسبي الدلالة على الصواب أو الخطأ، والذين لا يجوز عليهم الخطأ هم الأنبياء عليهم السلام فيما يبلغون عن ربهم سبحانه وتعالى، وما عدا ذلك فيندرج تحت المشهورة: (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب).
وبناءً عليه فليس شرط التحاور الناجح أن ينتهي أحد الطرفين إلى قول الآخر، فإن تحقق هذا واتفقا على رأي فنعم المقصود، وهو منتهى الغاية، وإن لم يكن فالحوار ناجح .
ثانيا : آداب الحوار
الأدب الأول: المحاورة بالحسنى، إن من أهم ما يتوجه إليه المحاور في حواره التزام الحسنى في القول، والمجادلة
الأدب الثاني: التواضع بالقول والفعل، فيجب تجنب ما يدل على العجب والغرور والكبرياء
الأدب الثالث: حسن الاستماع، إن كثيراً من الناس يخفقون في ترك أثر طيب في نفوس من يقابلونهم لأول مرة، لأنهم لا يصغون إليهم باهتمام، إنهم يحصرون همهم فيما سيقولونه لمستمعهم، فإن تكلم المستمع لم يلقوا له بالاً، علماً بأن أكثر الناس يفضلون المستمع الجيد على المتكلم الجيد
وبراعة الاستماع تكون بالأذن، وطرف العين، وحضور القلب، وإشراقة الوجه، وعدم الانشغال بتحضير الرد، متحفزاً متوثباً، منتظراً إتمام حديث صاحبه
الأدب الرابع: العدل والإنصاف
الأدب الخامس: الحلم والصبر
وختاما : لا بد من تعلم هذه الأصول والآداب
حتى نرتقي بحواراتنا نحو الأفضل
ولكي لا تمتلئ صحائف أعمالنا بحصائد ألسنة رضيت لنفسها الخسران المبين
...
مما راق لي واتمنى ان يروق لذائقتكم