عرض مشاركة واحدة
  #1 (permalink)  
قديم 03-08-2008, 10:34 AM
الصورة الرمزية كول مي
كول مي كول مي غير متصل
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 192
معدل تقييم المستوى: 34
كول مي يستحق التميز
مجاهدون رغم الإعاقة



عجيبة هي فلسطين بكل مفرداتها، وعجيب كذلك هو الجهاد على أرضها بكل صفحاته، فما أن تذهب عقولنا عجباً برؤية كبار السن، أصحاب الشيب قد نزلوا إلى ميدان الجهاد و المقاومة حتى نزداد عجباً اليوم بأصحاب الإرادة القوية التي لم تنل منها طائراتُ العدو.

نزداد اليوم عجباً من شبابٍ أصبحوا فرساناً للإرادة بكل معنى، أراد لهم العدو الصهيوني أن يلزموا البيوت ليبكوا على مستقبلهم وحاضرهم، ولكنهم أبوا إلا السير قدماً في مسيرة صناعة الحياة وعمارة الأرض، وحقاً انه الجهاد في سبيل الله.
الجهاد هو الذي ينادي بالمجاهدين أن لا استسلام للجراح والإصابات، الجهاد هو الذي يعلي أيدي المجاهدين التي بترت بسبب الصواريخ الحاقدة المجرمة، الجهاد هو الذي يسموا بالمجاهدين ليقفوا على أقدامهم التي قطعت بفعل قذائف الدبابات الصهيونية.

ولا زلت أذكر إلى اليوم مثلاً عجيباً ونحن نتحدث عن مجاهدين لم توفقهم الإعاقة، حيث قال لي أحد الأطباء أيام معركة الحساب المفتوح، يوم إن جاء اليهود الظالمين المعتدين، قاصدين إهانةَ كرامةِ أهلنا في شمال قطاع غزة، فوقف إليهم المجاهدون الأبطال بقلةِ العدد والعدة، وأيَّدَ اللهُ المؤمنين بنصره وفَرِّ الغزاةُ المجرمون، ولكنهم أوقعوا بنا الكثيرَ من الإصابات، يومها قال لي أحد الأطباء: والله قد رأيتُ عجباً، الشباب المجاهد المصاب وهم على سرير العلاج والمحلول في أيديهم والأطباء مشغولون بجراحهم ودماؤهم تنزف، يسارع الشباب بقولهم: أسرعوا أيها الأطباء! نريد أن نعود إلى أرض المعركة، لا تفوتوا علينا فرصةَ الجهاد إنها الجنةُ التي فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

عجيب أمر هؤلاء المجاهدين: دماؤهم تنزف وأطرافهم تبتر وأجسادهم تتطاير، ولكنَّ عزائمهم تجاوز السحاب وإرادتهم تكاد أن تصل إلى السماء، لا تقعدهم إصابة ولا توقفهم إعاقة، سمعوا القرآن ينادي [ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ].

سمعوا هذا الكلام فشمروا عن ساعد الجد والاجتهاد ومضوا إلى الله تعالى يرجون نيل رضاه.. هذا مع أن الله تعالى قد أنزل عذرهم من السماء فقال: [ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ] ومع ذلك فإن النهوض لنصرة دين الله تعالى قد استحوذ على قلوبهم وأفئدتهم، فتعالَوْا على الجراح والآلام.

وهذا عبد الله بن أم مكتوم القرشي مؤذنُ النبي صلى الله عليه وسلم كان أعمى ولكنه كان يوصي المجاهدين فيقول: ادفعوا إلي اللواء، فإني رجل أعمى لا أستطيع أن أفر وما أدري من يقصدني من المشركين بسيفه، حتى قال عنه عبد الله بن زائدة: كان ابن أم مكتوم يقاتل يوم القادسية وعليه درع له حصينة سابغة ويقال بأنه استشهد يوم القادسية رحمه الله.

فرحم الله ابن أم مكتوم يشهد الوغى وطعن الرماح ووقع الأسنة ويمسك الراية وهو أعمى، فلله دَرُّهُ من رجلٍ مجاهدٍ لم توقفه الإصابة ولا الإعاقة! فأينَ أينَ الأصحاء؟

فالقـادسيةُ مــا يزال حديثهـا عِبَرٌ تُضيءُ بأروع الأمثـــال

تَحكي مفــاخِرَنا وتَذْكُرُ مجدَنَـا فتجيبهــا حطينُ بالمنـــوال

صفحاتُ مجدٍ في الخلودِ سطورُها تـاقَ الزمانُ لها بغيرِ جــدال

ولأنها فلسطين درة التاج اليوم في معركة الكرامة كان لأهلها شرف إعادة أمجاد الصحابة وذكريات التابعين.
ووالله إنه لأمر عجيب أن يتقدم المصابون المعاقون وقد عذرهم الله تعالى أن يتقدموا لسد ثغرة الجهاد والقتال في سبيل الله تعالى، والكثيرون من الأصِحَّاء لاهون منشغلون، يأكلون ويشربون، يلهون ويلعبون، والقرآن الكريم ينادي على كل المتخلفين عن الجهاد الغير معذورين من المرضى والمصابين، فيقول: [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ].

عجيب والله أمر هؤلاء الشباب، حتى بعد إصابتهم لا زالوا مصممين على المضي قدماً في طريق الجهاد والاستشهاد، حقاً إنهم والله أهل الله وخاصته من خلقه، وبمثل هؤلاء المجاهدين الأبطال تتنزل الرحمة وبمثلهم يتنزل النصر بإذن الله تعالى.
ولم لا يكون هؤلاء الشباب كذلك وهم يرون إمامهم القعيد الذي أثخنته الأمراض وأنهكته المصائب وأتعبته البلايا، يرون إمامهم الياسين حرَّكَ الأمة وهو قعيد، ينتقل من مكان لمكان يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، يضم الشباب ويربي الأطفال ويجمع الأموال فيبني المساجد ويشيد الجامعات وينشأ المعاهد والمدارس، وأيضاً يشتري السلاح وينظم المجاهدين ويبعث السرايا والاستشهاديين، وهو قعيدٌ على كرسيٍّ لا يقوى على تحريك يديه!

فرحم الله شيخنا الياسين رحمة واسعة فقد أحيا الله بهمَّتِهِ أمةً من الموت ما كان لها أن تموت أبداًُ بإذن الله تعالى.
المجاهدون اليوم من المصابين ليسوا الأوائل في ميدان التضحية والفداء، بل هناك من المجاهدين المصابين الكثيرون، عرف بعضَهم التاريخُ فحدثنا عن بعضهم، منهم عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ إذ جاء إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى أُقْتَلَ أَمْشِي بِرِجْلِي هَذِهِ صَحِيحَةً فِي الْجَنَّةِ؟ وَكَانَتْ رِجْلُهُ عَرْجَاءَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، فلما كان يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض، أعدت للمتقين )، فقام وهو أعرج يقول: والله لأقحزنَّ يعني لأثبنَّ عليها في الجنة، فقاتل حتى قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَمَرَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ( كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكَ تَمْشِي بِرِجْلِكَ هَذِهِ صَحِيحَةً فِي الْجَنَّةِ ).

ويُرْوَى عن الزهري أنه قال: خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه، فقيل له: إنك عليل. فقال: استنفرَ اللهُ الخفيفَ والثقيلَ، فإن لم يمكني الحرب كثَّرتُ السوادَ وحفظتُ المتاعَ! فيا خيبة المتخاذلين.
إنه الجهاد أيها المسلمون الذي لا تسترد ا لحقوق إلا برفع رايته ولا تستعاد الكرامة إلا بإشهار سيفه ولا تبنى الأمم إلا بالسير في ظله، فالجنة تحت ظلال السيوف كما حَدَّثَنَا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ.