فهد الفهيد... نموذج جميل لـ (سعودة) نبحث عنها
يقدم خدماته المنزلية على مدار الساعة باحترافية عالية ويؤمن بمبدأ (الفزعة)!
فهد الغريري : (يا شباب أنا عندي مشكلة في تركيب DSL وفي كل مرة أحضر عاملا ويأخذ مني 50 ريالا ثم اكتشف أن المشكلة مازالت موجودة!) هكذا كتب أحد المتحاورين في أحد المنتديات الحوارية المتخصصة على الشبكة العنكبوتية، ليأتيه الرد من شخص آخر وضع رقم هاتف جوال وكتب (هذا ولد سعودي يأتيك في منزلك ويحل لك أي مشكلة سواء في الشبكات أو حتى في جهاز الحاسب).
من هنا كان اللقاء بيني وبين فهد الفهيد. شاب في العشرينات من عمره، يحمل ملامح هذا الوطن بسمرته ولهجته، أيضا بمشاعره وأفكاره، هاتفته فجاء بسيارته ومعه أدوات متكاملة، إضافة إلى احترافيته العالية في العمل وإخلاصه في أدق الأمور، كانت أخلاقه العالية وأدبه ميزتين واضحتين فيه، تبرران كل المدح والإشادة التي قرأتها في الردود التي توالت في ذاك الموضوع من مشاركين تعاملوا معه وقابلوه لحل مشاكلهم، نحن هنا أمام نموذج جميل ل(سعودة) نحلم بها، وينشدها الدكتور غازي القصيبي منذ سنوات!
رحلة كفاح
وقفت عند محلات الحاسوب، وعند مكتبة (جرير)؛ لأنها هي أيضا تبيع مستلزمات الحاسب، كنتُ أعرض خدماتي على كل من أراه يشتري (مودم) يستخدم في تقنية DSL، وزعت بطاقاتي الشخصية تحت أبواب البيوت كما تفعل المطاعم، وأرسلت معلوماتي في المجموعات البريدية، وأنشأت موقعاً شخصياً، وعملت تصميماً وأرسلته بالبلوتوث عند الإشارات وفي المقاهي، وأرسلت رسائل قصيرة لأرقام هواتف كنت ألتقطها بالبلوتوث في الأماكن العامة حتى أضمن أنهم من أهل الرياض، لم أترك أي وسيلة لتسويق خدماتي إلا وفعلتها. هكذا بدأ الفهيد حديثه بحماس عن تجربته التي تدعو للفخر والاعتزاز كواحد من أبناء هذا الوطن، وأضاف: كانت وسيلتي الأهم هي الإخلاص في العمل واحترام مواعيدي وزبائني لأنهم هم المسوقون الحقيقيون لي.
وهذا ما تراه في المواقع الإلكترونية، وما أشاهده بنفسي حيث أن أحد زبائني وهو صاحب مطبعة تبرع لي ببطاقات شخصية كهدية من عنده، وعن الخدمات التي يقدمها يقول فهد: تبدأ خدماتي من صيانة الحاسب الآلي صيانة كاملة وحتى تمديد خدمة DSL وتشغيلها في منزل العميل، أتكفل بشراء المودم وجميع المستلزمات وإحضارها وتركيبها وليس للعميل إلا أن يجلس عند جهازه فيجد نفسه قادرا على التصفح بكل سهولة، كما أني قد جهزت سيارتي بمحول للطاقة بحيث أقوم بالصيانة عند باب المنزل أو في أي مكان داخل الرياض حتى أنني قد واعدت أحد زبائي ذات مرة في محطة بنزين وقمت بإصلاح جهازه هناك، وقد أتتني اتصالات من جدة والمنطقة الشرقية يطلبوني فيها للحضور وأبديت استعدادي لذلك عند توفر عشرة طلبات في المنطقة وأنا أتكفل بالتذاكر.
هذا الوعي التسويقي عند فهد استقاه كما يقول من عمله في قسم التسويق بأحد البنوك والدورات التي درسها هناك حيث تعلم كيف يسوق لنفسه حتى ينجح في التسويق لأي شيء آخر: لا أنكر أن عملي في البنك كان عاملا مهما في نجاحي ووصولي إلى شريحة كبيرة ومهمة من الناس، خاصة أن ما أقوم به الآن من صيانة للحاسب والشبكات هي مهارة اكتسبتها من الممارسة وليس لها أي علاقة بدراستي، وأنا الآن في محاولات للانتقال من قسم التسويق في البنك إلى قسم صيانة الحاسب لكي أعمل في المجال الذي أحبه وأبدع فيه.
النصب كان حافزاً!
ويؤكد فهد أن ما دفعه لهذا العمل ليس الحاجة فأسرته كما يقول ميسورة الحال وهو يصنفها بأنها أعلى من الطبقة المتوسطة بقليل، ويضيف: (سيارتي هدية من والدي وأهلي لا يترددون في مساعدتي بأي شيء، ولكني أبحث عن تحقيق ذاتي بنفسي) وعن شرارة الانطلاق في هذا المجال يقول: بطبيعتي أحب الحركة والعمل وإنجاز أموري بيدي حتى تضيق بي السبل، وعندما تم إيصال تقنية DSL إلى منزلي قمت بتمديد الشبكة وعمل كل شيء ما عدا إعدادات المودم حيث إني لا أعرف عنها شيئا على الرغم من معرفتي التامة بجهاز الحاسب وصيانته، ولذلك لجأت إلى فنّي من جنسية عربية حيث قام بعمل الإعدادت في خمس دقائق ثم طلب مني 300 ريال! عندها شدهت من ضخامة المبلغ وبدأت أتخيل كم من أموال أنفقها أبناء وطني من أجل عمل لا يستغرق إلا خمس دقائق ولا يستحق إلا 50 ريالا ؟! أعطيت الفنّي 100 ريال وقلت له: 50 ريالا مقابل عملك و50 اعتبرها صدقة مني حتى أزيل من نفسي أي إحساس بأني قد ظلمتك مع يقيني أنك أخذت أكثر من حقك، ومن هنا كانت البداية حيث تعمقت في هذا المجال وبدأت في عرض خدماتي لزبائن البنك وذهبت إلى منازلهم وتوسعت شيئا فشيئا. ويكمل فهد: لم أحرص في البداية على المادة بل كان هدفي هو بناء سمعة، تعاملت مع مشاكل زبائني كأنها مشكلتي الشخصية منطلقا من مبدأ (الفزعة) كأي مواطن سعودي يملك هذا المبدأ ولا يتردد عند حاجة الآخرين له، فمثلا من أصعب المواقف التي أواجهها عندما يكون المنزل جديدا أو قد تم ترميمه لأني أحس بمعاناة صاحب المنزل وخوفه على الدهان والديكور من أي أضرار جراء التمديدات، لا أطالب العميل بدفع أجري حتى يتأكد من رضاه عن عملي ويجربه لمدة قد تصل إلى أسبوع، بل أمهل بعضهم إلى موعد نزول الراتب عندما يطلب مني ذلك، كما أني أعود دائما عند حدوث أي مشكلة مطبقا فكرة الضمان التي تقدمها المؤسسات والمحلات، باختصار: أتعامل مع هذا المجال بحب وشغف لأني أنظر له كهواية وأحاول أن أبدع وأبتكر طرقا جديدة وغير تقليدية في تمديد الشبكات داخل المنازل بخاصة.
ويؤكد الفهيد أن هناك الكثير من المواطنين يتعرضون للاستغفال من العمالة الأجنبية، كما حدث له شخصيا وما يرويه زبائنه له من قصص مشابهة: فأحداهم طلب من فنّي أجنبي تمديد شبكة داخلية في المنزل وهي مسألة بسيطة جدا بإمكان أي شخص أن يعملها بنفسه إذا كانت لديه الأدوات وقليل من الخبرة، لقد طلب منه الأجنبي 6 آلاف ريال! وكان على استعداد للدفع لولا أنه توصل إلي حيث لم أزد على 600 ريال فقط!
هذا الوزير شجعني
وعن تعامل الزبائن معه ونظرتهم له كسعودي يقول فهد: إن تعامل المواطنين معه كان أحد أهم دوافعه للاستمرار وتطوير نفسه، فهم يشجعوني كثيرا ويحسسوني بالفخر، في بداياتي تعرفت إلى وزير في المسجد الذي أصلي فيه حيث قمت بعملي كمسوق لخدمات البنك وتطرقت إلى الخدمات الشخصية التي أقدمها فدعاني لحل مشكلة DSL عنده في المنزل وقال إنه عانى منها كثيرا، وعندما انتهيت فاجأني هذا الوزير بتشجيع وكلام جميل وأمدني بدفعة معنوية عظيمة وكأنه والدي، وأيضا كان هناك أحد كبار الضباط ذكر لي أنه قضى يوما كاملا في محلات الحاسب لإصلاح جهازه، وقد ذهبت إلى منزله وأصلحت جهازه في وقت قصير ولم أخرج منه إلا وهو في غاية الرضى.
وحول عائق الخصوصية السعودية وبخاصة في التعامل مع النساء في المنازل، يدرك فهد هذه النقطة جيدا حيث يقول: هناك نظرة عن الشباب السعوديين أنهم يستغلون مثل هذه المجالات لمعاكسة البنات وهتك البيوت، هذه نظرة خاطئة ومرفوضة بشدة فنحن أبناء هذا المجتمع وقد تشربنا منه تقديس حرمة البيوت واعتبار بنات الناس مثل أخواتنا، وإن كان هناك شواذ فلا يجوز تعميم ذلك على الكل، لقد حرصت على هذه النقطة وتعاملت معها بدقة أثناء زيارتي للمنازل فلم أضع عيني ولم أرفع رأسي في وجه أي امرأة أنجزت لها عملاً وأفتخر بهذا الشيء إرضاء لله عز وجل بالدرجة الأولى ثم محافظة على سمعتي وعملي الذي أتكسب منه.
الراجحي والجريسي
فهد الفهيد سعيد جدا بعمله وهو يحبه، ويشجع الشباب لمارسة مثل هذه الأعمال قائلا: متوسط ربحي 400 ريال تقريبا في اليوم الواحد ولله الحمد، كما أني أحس بالمتعة لأني أحب عملي.
ينظر للمستقبل بنظرة طموحة واسعة جدا وهو يتسلح لمجابهة ما هو مقدم عليه بالقراءة والاطلاع والاستفادة من تجارب الآخرين إذ يقول: أطمح إلى تكوين سمعة شخصية وبناء اسم يكون كعلامة تجارية في هذا المجال، لقد تابعت سيرة كل من (الراجحي) و(الجريسي) بوصفهما من أكبر رجال الأعمال في البلد، رأيت كيف كانت بداياتهما متواضعة حيث انطلقا من الشارع بأعمال بسيطة ولكن الركيزة كانت في محافظتهما على الاسم والسمعة، حتى أصبح كل منهما الآن يملك منشآت تميزت باسمه شخصياً، وهذا ما أقوم به الآن حيث قدمت إلي عروض للعمل أو حتى الدخول كشريك في محلات للحاسب الآلي ولكني رفضت لأني أريد بناء سمعة قد يشوهها هذا المحل بتعامله أو أنظمته أو أي سبب آخر، أطمح مستقبلاً لأن يكون لدي محل خاص بي يحمل اسمي فقط (فهد الفهيد) وربما محلات أو حتى مؤسسة يكون عامل الجذب فيها هو هذا الاسم.
دار هذا الحوار بيني وبين فهد أثناء قيامه بالعمل، وكان يتوقف أحيانا ويلتفت من فوق السلّم عندما يتذكر نقطة مهمة، وصلنا إلى نهاية الحديث عندما أنهى عمله، واستقل سيارته ليغادر مشيرا إلى التجهيزات التي زودها بها، وقبل أن يودعني قال لي مبتسماً: نسيت نقطة مهمة، كان تفكيري في إكمال نصف ديني من أهم دوافعي للجد والاجتهاد في عملي بحثا عن التوفيق من الله عز وجل، لذلك أرجو منك ومن قرائك الدعاء لي أن يوفقني الله ببنت الحلال.