# وميض معرفة #
المغامرة
سوف نتكلم اليوم في هذه الفقرة عن المغامرة و كيف تغامر ؟ و متى تغامر؟ مع ذكر أمثله لذلك .
فالمغامرة هي أن تدخل في تجارب لأحداث أنت لم يسبق لك أن جربتها من قبل ، أحداث غامضة أو مجهولة ، أي بعيدة كل البعد عن الروتين اليومي فأنت لا تعلم الكثير عنها سوى اسمها فقط .
لكن قبل أن نتحدث عن المغامرة عليك أن تعرف ما الفرق بين المغامرة و التهور ؟ المغامرة الأقدام على فعل شيء مثير بشجاعة و بلا تردد ، بعد تفكير و إحكام العقل أما التهور فهو العكس تماماً.
المغامرة صفة جميلة ، يتصف بها الشخص الواثق من نفسه ، فالحياة مغامرة جريئة أو لا شيء , لأن المغامرة تدفع الشخص للمبادرة و الشخص الذي يبادر هو شخص ناجح و مميز و نشيط و مجتمعنا اليوم في أمس الحاجة إلى هذه الصفة ، فكثير من الناس الآن يكتمون إبداعاتهم حتى يطلب منهم إبرازها ، فبذلك تدفن كنوز ثمينة لا يعلم عنها أحد سواء كان ذلك في ( المدرسة أو الجامعة أو العمل أو أي مجال آخر )
تعتبر المغامرة > هي التجديد .. هي الانطلاق .. هي الانتقال إلى مستوى أفضل
يقول برتراند راسل : الحياة من دون مغامرة غالباً ما تكون غير مرضية .
أرى كثيراً من الشباب يملك رأس مال صغير لكنه لا يعرف أن يضعه في الاستثمار المناسب فهو يخاف أن يخسر رأس ماله لأنه يصعب تعويضه , فيلجأ لخيارات فاشلة و خاسرة في نفس الوقت , مثل : دخوله في مساهمات , البحث عن مشاريع مستهلكه . فهو يبتعد عن الدخول في المشاريع النادرة أو التي يدور حولها الغموض و التي جهل بها .
إن ابتعاد بعض الأشخاص عن الخوض في المغامرة يأتي لأسباب عدة , منها :
1- قلة المعرفة بالمشاريع و الجهل بخفايا هذا المشروع مما يسبب شك و ريب من فشل المشروع , فيلجأ للمشاريع المعروفة في مجتمعه و التي يتداولونها كثيراً , مثل : البقالة و محل الخضار و المطعم و......... .
2- قلة التجارب التجارية , فهي تعتبر ساند قوي لرواد الأعمال في إتخاذ القرارات , فصاحب الخبرة يملك مبدأ المغامرة حين يجد علامات النجاح بدون تردد .
3- الثقة , و تأتي من عدة جوانب , و منها : وفرة رأس المال , الخبرة , نوعية الشخص . فالشخص الذي لا يملك ثقة كافية في نفسه أو في عمله لا يمكن أن يكون مغامر في أي حدث في حياته فقد قال فولتير : الزواج هو المغامرة الوحيدة المتاحة للجبان , فالثقة بالنفس و الإمان بالنجاح سبيلاً إلى أن تكون شخص مغامر .
يقول رجل الأعمال بول غراهام و الذي تميز في تقديم المحاضرات المختصة في ريادة الأعمال على مستوى العالم : " خالطت الأغنياء فلم أجد فيهم شخصاً رابح طول حياته التجارية بل أن أغلبهم خسر خسائر فادحة , و لكن وجدت فيه صفة يتشاركون جميعهم فيها ألا وهي تطبيق مبدأ المغامرة " .
ذهبت ذات مرة لحارة في حياً سكني يغلب سكانها من الحضارم فوجدت حاوية النفايات – أكرمكم الله- في هذه الحارة مكتوب عليها بالبخاخ "غامر بفلوسك أو عش مع القطط في هذه الزبالة " و ذهبت لحارةً آخرى يغلب سكانها بكثرة من السعوديين حاوية نفايات – أكرمكم الله- مكتوب عليها بالبخاخ " فندق النصر " , في الحقيقة انصدمت بل ذهلت من مستوى التفكير التجاري خاصة – لأنه مجال حديثنا – من أشخاص يبدو أنهم مراهقين بعبارات ليست بالسهلة و لا يمكن أن تمر أمامنا مرور الكرام , في حارة الحضارم وجدنا عشق التجارة مكتوب على حيطان هذه الحارة بعكس الحارة السعودية الذين تعودوا أصحابها على الرفاهية و الأنس و المتعة , و هذه ما نراه اليوم من عطالة جائره على أبناء هذا البلد الكريم ليست هذه العطالة بسبب أنك لم تجد وظيفة بل لأنك لم تحرك عقلك و مخك , فأنت تبحث عن المضمون و لو بثمن بخس و تبعد عن المغامرة في المجالات التجارة خوفاً من الفشل و الخسارة , ثم تأتي بعد وقت من الزمن بعد أن تحصل على وظيفة لتقول أن الراتب لا يكفي لبناء بيت أن الراتب لا يكفي لشراء سيارة ........
أعلم أن المغامرة هي السبيل الوحيد للأنتقال من مستوى معيشي سيء إلى مستوى أفضل من رغد العيش و نعيمها (اللهم ارزقنا جميعاً رحمتك و الجنة ) .
أما التهور فهو باب أسود يسهل الدخول و الوصول إليه لا يحتاج إلى جهد و تعب و لا ينعم أصحابه بخير فهو مضيعة للمال يأخذ المال منك بخدعة و تغرير و يهومك بالملايين و يرسم لك الخيال على شكل روضةً برجوازية تجذب الناظرين فتتخيل أنك فيها فتسير بك كما يسير العاشق لمعشوقته فيدخل من هذا المال فيقع في فخ كذب و إدعاء النعيم بالطبقة البرجوازية , و منها : التجارة في سوق الأسهم , و الدخول في المساهمات التجارية .
فقد غامر المسلمين في حروبهم بقوة مستمدين هذه القوة من عدة أشياء :
الأول : المعرفة : فهم يعرفون أن جزاء الموت في هذه الحرب هي الشهادة فتشجعوا على المغامرة .
الثاني : الخبرة : فهم يعرفون الفروسية منذ صغريهم و كيف يخوضون الحروب .
الثالث : الثقة : يثقون في ربهم بأنه سوف يجازيهم في الدارين في الدنيا بالتوفيق في الحرب و الفتح و في الآخرة بالجنة .
و لنأخذ مثال لأبرز قائد جيش للمسلمين و هو خالد بن الوليد الذي اشتهر بنجاحه في قيادة الجيوش العسكرية في تاريخ البشرية فهو قاد أكثر من 100 معركة بنجاح .
كان خالد يستخدم المغامرة في حروبه و ليس التهور , فقد سطر على أوراق التاريخ أنه قائد عسكري أسطوري كتب اسمه من ذهب بسبب دهائه و حنكته و معرفته كيف ؟ و متى ؟ أقبل على القتال .
اختصاراً : عرف عن خالد أنه مغامر في قراراته الكثيرة خلال المعركة الواحدة فكان يأتي بقرارات لا تعجب مساعديه لكنها تنجح , المعرفة و الثقة و الخبرة متى ما اجتمعت فالمغامرة ناجحة .
آخر كلمة قالها قبل موته : " لقد شهدت مئة زحف أو زهاءها، وما في بدني موضع شبر، إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء " (ابن قتيبة ).
إذا لا تكون جباناً بعد اليوم , فقد قرأت قصص الناجحين في حياتهم من أصحاب الشركات الكبرى و وزراء الدول و مسؤولين و من هم علية القوم فوجدت المغامرة ديدنهم و غاية لهم فحصلوا على ما أرادوا .
دعوني أروي لكم قصة ابن عمي زيد و كيف أنه غامر مغامرة الأبطال :
عاش زيد في أسرة غنية من نوع آخر فكان والده يملك رصيد لا يقل عن 150 مليون ريال فكانت حياته مثل أي حياة أي أسرة متوسطة ؛ لأن والده لا ينفق المال بصخب بل باقتدار و يعلم أبنائه العمل .
تخرج زيد من الثانوية ولم يكن له النية بالدخول بالجامعة لأسباب كثيرة , بعدها توظف زيد في قطاع الأمن العام عسكري .
كان زيد يسكن في جنوب الرياض لرخص أسعار الإيجارات هناك , و مرت الأيام و تزوج زيد و أصبحت الديون تلاحقه , فقد عاش مثل أي شاب سعودي معتمد على الراتب كمدخول شهري .
كانت سياسة والد زيد واحده على جميع أخوته العشرين , يجعلهم يعتمدون على أنفسهم في العمل و البحث عن المال و يساعدهم في شراء سيارات شخصية لهم لا تتعدى سعرها 100 ألف ريال أو قرابتها و يدفع تكاليف الزواج كاملة من مهر و حفل زواج و نحوها .
ذات مره و بينما زيد جالس مع ثلاثة من زملائه اقترح أحدهم بفتح مصنع بلاستيك و أصبح يذكر محاسن هذا الاستثمار و الأرباح فيه حتى اقتنع الزملاء الأربعة بالفكرة و لكن لم يقرروا بعد و قالوا نتظر أسبوعين من اليوم لنقرر هل نستثمر في مصنع البلاستيك ؟ أم لا ؟
كان زيد لا يملك في وقتها رصيد يكفيه إلا له و عائلته فقط فكيف يفتح مصنع بلاستيك ؟
درس زيد المشروع ثم استخار ثم شاور ثم قرر , و بعد أسبوعين اجتمع زيد مع زملائه ليقرروا القرارات النهائية .
كانت الميزانية ضخمة لتشيد مثل هذا المشروع بالنسبة لزيد , و بعد اتضحت جميع الرؤى للأربعة , وافق زيد أن يدخل في هذا المشروع بقرض مالي .
ذهب زيد لوالده ليتسلف منه فأعطائه مبلغ غير كافي لسد المبلغ المطلوب للمشاركة ثم ذهب لأبن عمه يطلب منه المبلغ المتبقي فقام ابن عمه بإقراضه باقي المبلغ .
[بعدها عمل زيد و أصدقائه في المشروع و كانت البدايات صعبة جداً , و بدأ المصنع في الإنتاج لكن حتى الآن لم تأتي المكاسب فقد كانوا يدفعون التكاليف التشغيلية لهذا المصنع مما يجعل زملاء زيد الثلاثة يقرروا ببيع المصنع ؛ لأنهم جلسوا فترة ولم تأتي الأرباح كل هذه الفترة كانوا يدفعون , فرفض زيد هذه الفكرة و قال لهم عليكم بالانتظار ثم قالوا له نحن مصممين على بيعه إن أردت أن تشتريه منا فلا بأس و إلا فنحن لن نتراجع عن بيع هذا المصنع فقال لهم زيد إذاً سوف اشتريه منكم .
فكر زيد و وجد أنه لا يملك قيمة حصة زملائه فهو كان مشارك معهم بقرض من والده و ابن عمه و قد دخلت في باله فكرة بيعه و التخلص منه و تسديد القرض و البعد عن المشاكل و الديون و السجون .
ثم عاد زيد في اليوم الثاني ليرفض فكرة البيع و قرر أن يعيش حياة الأغنياء فاجتمع مع زملائه و قرر أن يشتري منهم المصنع ثم بحث عن بنك أو شركات تقدم القروض ليأخذ منهم قرض يشتري به حصص زملائه , و بعد بحث طويل وجد أن الصندوق الصناعي يقدم قروض كبيرة من دون فوائد , أخذ زيد قرضاَ من الصندوق الصناعي بقيمة 15 مليون .
يقول زيد : " كنت متحير و خائف من الاقتراض لأن الخسارة سوف تكون قاصمةً للظهر و سوف أعيش بقية حياتي في السجن , لكني فضلت المغامرة لأعيش حياة الأغنياء " .
بعدها نجح زيد نجاحاً باهر و أصبحت العوائد الشهرية لهذا المصنع كبيرة تعد بالآلف و أصبح يسافر لعدة دول و أبرزها الصين ليشتري منهم بعض المواد الاساسية , و سجل اسمه في قائمة الناجحين لأنه أراد أن ينجح فقرر المغامرة .
عاد زملاء زيد الذين انسحبوا منه و قالوا له نريد المشاركة معك فرفض و قال لهم : " أنت فضلتم الراحة على العمل و لم تنتظروا لنصل إلى نهاية الأنبوبة و نرى النور بل قررتم الرجوع و إعلان الهزيمة و نحن في منتصف الأنبوبة و بقيت أنا لوحدي أمشي حتى وصلت إلى نهاية الأنبوبة و رأيت النور "
حياة زيد الآن :
انتقل زيد من بيته الأجار في جنوب الرياض إلى بيت ملك في شمال الرياض و قام بشراء جيب لكزس 2012 بعد أن كان يملك سيارة كامري , و تحسنت حياة زيد بشكل جذري لأنه أردا أنها تتحسن فبدأ بالمغامرة و انتهى بنعيم هذه المغامرة .
فهل نرى مثل زيد في مجتمعنا يملكون روح المغامرة ؟
-------------------------
قبل أن تدخل أي مغامرة عليك بالتالي :
دراسة الموضوع > استخاره > مشاوره > قرار
و سوف نختم هذا الموضوع بأبيات من شاعر العرب المتنبي الذي وصف المغامرة و نتاجها :
إذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومِ * فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ
فطَعْمُ المَوْتِ في أمْرٍ حَقِيرٍ * كطَعْمِ المَوْتِ في أمْرٍ عَظيمِ
ستَبكي شَجوهَا فَرَسي ومُهر * صَفائحُ دَمْعُها ماءُ الجُسُومِ
قُرِينَ النّارَ ثمّ نَشَأنَ فيهَا * كمَا نَشأ العَذارَى في النّعيمِ
وفارَقْنَ الصّياقِلَ مُخْلَصاتٍ * وأيْديهَا كَثيراتُ الكُلُومِ
يرَى الجُبَناءُ أنّ العَجزَ عَقْلٌ * وتِلكَ خَديعَةُ الطّبعِ اللّئيمِ
وكلّ شَجاعَةٍ في المَرْءِ تُغني * ولا مِثلَ الشّجاعَةِ في الحَكيمِ
وكمْ من عائِبٍ قوْلاً صَحيحاً * وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السّقيمِ
ولكِنْ تأخُذُ الآذانُ مِنْهُ * على قَدَرِ القَرائحِ والعُلُومِ
----------------------
فلا نأمت أعين الجبناء !!
اتمنى الفقرة أضافة لكم الفائدة