# يوميات " شخص ناجح " #
في يوم الجمعة بتاريخ 1/2/2013 م ذهبت للصناعية القديمة بوسط الرياض لحاجة أريدها لسيارتي و كان ذلك وقت العصر , و قررت أن أذهب إلى مكتب صديقي الذي يعمل في مجال قطع الغيار الموجود في الصناعية نفسها بعد أن أنتهي من سيارتي .
وجدت في هذه الصناعية ما لم يقبله عقلي و لم تراه عيني ولم تسمع به أذني , و جدت أفواجاً من العمالة المتعددة الجنسيات فبينما أنت داخل لشارع معين تجد نفسك و كأنك في أزقة صنعاء فتتذكر قصيدة الشاعر اليمني عبدالله البردوني حين مدح صنعاء فقال :
(حبيب) وافيتُ من صنعاء يحملني ... نسر وخلف ضلوعي يلهث العربُ
ماذا أحدث عن صنعاء يا أبتي ... مليحة عاشقاها السل والجربُ
ماتت بصندوق وضاح بلا ثمن ... ولم يمت في حشاها العشق والطربُ
كانت تراقب صبح البعث فانبعثت ... في الحلم ثم ارتمت تغفو وترتقبُ
" لكنها رغم بخل الغيث ما برحت ... حبلى وفي بطنها "قحطان" أو "كربُ
وفي أسى مقلتيها يغتلي يمنٌ ... ثانٍ كحلم الصبا… ينأى ويقتربُ
فترى أبناء جلدة هذا الشاعر في شوارع الصناعية يهذون بالكلام و خده منتفخ من القات بكلمات ربما تكون مثل هذه القصيدة ؛ لأنهم يشعرون فعلاً بأنهم في صنعاء و ليس الرياض فالشارع مليء من أبناء بلد اليمن الشقيق .
فعندما تنظر إلى اللوحات تجد مسميات تنسب إلى عوائل أهل اليمن
النهدي النهدي النهدي النهدي النهدي النهدي النهدي النهدي النهدي النهدي النهدي النهدي النهدي النهدي النهدي النهدي النهدي النهدي النهدي العامودي العامودي العامودي العامودي العامودي العامودي العامودي العامودي العامودي باوزير باحاذف باحاذف باحاذف باقدير........................
فلم أجد من المسميات السعودية إلا الغامدي و العثيم و العضيب للأسف !!!!
و ذهبت لشارع آخر فوجدت فوج من الباكستانية يلبسون البنجابي و يتحدثون الأردو أجسامهم طويلة و ألسنتهم قصيرة لا يوجد لهم وقت للحديث فهم في عملهم منشغلون و الأخر منهم يعد الفلوس ليخرج منها ريالاً للتميس و الباقي " تحويل ".
و بينما أمر في أزقة هذا الشارع الذي يكثر مرتاديه من ذلك البلد الشرق الأسيوي بلد الجبال و الحشيش و التعنت و الجهل , فالفقر حدق على كبيرهم قبل صغيرهم فأرادوا الفرار من هذا الفقر القاتل فقيل لهم أذهبوا لبلد اسمه السعودية سوف تجدون المال مرمي في الشوارع و سوف ترون الناس عنه غافلين و لكن اجعلوا شعاركم " اتحدوا و تعاونوا " بعد ما سمعوا النصيحة ممن نصحهم ذهبوا للسعودية مباشرة دون تردد فرأوا كل ما قيل لهم على الحقيقة ثم جاء وقت التطبيق فعملوا و صبروا حتى رأوا المال المرمي في الشارع فأخذوه ثم قرروا تغير شعارهم إلى " السعودي يأكل بصل و الباكستاني يأكل عسل " .
ثم قمت أمشي في أزقة هذا الشارع العتيق فرأيت باكستاني كبير في السن جالس على كرسيه المطرز بالألوان و الأشكال المتعددة بالقرب من ورشته المليئة من السيارات و هو يتمتم بشفتيه كأنه يقول قصيدةً عن حياته في السعودية :
أنا يجي من قندهار …..شغل هنا ليل و نهار
هذا كفيل وايد بخيل ……..يعطي فلوس وايد قليل
أنا يخلي في بلد ............ أربع بنات واحد ولد
ولد أنا يبي عروس ......... بابا أنا يبي فلوس
بنات يبي وايد هدوم .........ماما مريض ماكو يقوم
أنا يبي واحد قصر .........يبي عروس جيهان نصر
لازم يصير واحد كبير ......لازم أكو أموال كثير
أنا يصير مخي خراب .......ماكو فكر ماكو حساب
أنا أهرب من كفيل........أعمل ورشة مع صديق
طلع فلوس كثير ............بعدين هرب لبلد
أنا مخ قوي كتير............سعودي كله ما في فكر
أنا أعطي شوي فلوس......... بعدين هو ما في كلام
قرأت هذه القصيدة من بين شفتيه المتجعدتين (خبير في قراءة التمتمة بين الشفة ) و هززت رأسي و مشيت لأقول في نفسي : " أين أنتم يا أبناء بلدي أم تحديث حافز أشغلكم " .
ثم انعطفت لشارع آخر لأرى هندي كان يلبس هندام فخم للغاية و في يده سيجارة فتوقفت عنده لأسأله عن الشارع الذي فيه مكتب صديقي , فعندما فتحت النافذة اليمنى و قمت بسؤاله قال لي : " شلو" يعني بالعربي " أنقلع " انصدمت من تكبر هذا الهندوسي كبير الشنب قليل الأخلاق و قلت له " شكراً " فعلمت أن هذا التكبر لم يأتي عبثاً فهو نتيجة تراكمت من كثرة ماله و حلاله (ما شاء الله ) .
بعدها و جدت مكتب صديقي قريب من هذا الهندوسي المتكبر , فعندما دخلت إلى مكتبه الذي كان في الدور الثاني وجدت صديقي كما كان لم يتغير منذ سنين و وجدت معه أردني لابس ثوب سعودي توقعت أنه من عماله ثم رحب بي صديقي ترحيباً حاراً و نادى القهوجي ليأتي بما توفر من مشروبات .
أخذنا أنا و صديقي نتطارف الحديث و السؤال عن الحال ؛ لأني لم أراه منذ فترة طويلة , بينما الأردني جالس متعلق بالجوال و يحاول أن يتصل على شخصاً ما و كان في يده كيس وردي .
بعد ربع ساعة دخل علينا شخص سعودي الجنسية من ملامح وجه تشعر أنه من الطبقة المخملية و أنه رجل له شأن في الصناعية , نزل النظارات الشمسية من عيناه الصغيرتين ثم قمت أنا من مكاني تقديراً و تبجيلاً له , إلا و في هذه اللحظة قام الأردني من كرسيه غاضباً وقال لهذا الرجل : ( أنت شخص مماطل بالمواعيد و معن تلتزم بالمواعيد أنت تأخرت علي يومين تفهم شو يومين , أنت بدك تعطلني أن أعمالي و تجيبلي السكر و الضغط , أنا ما قصرت معك أعطيك المصاري أول بأول إذ فيك بتمشي مثل الناس و إلا دورنا على غيرك مالبلد مليانه )
فرد عليه الرجل السعودي : (أنا جداً متأسف منك و اتمنى أني ما ضايقتك و اتمنى أن تسامحني لأني كنت مشغول و لا قدرت أجي ) , بعدها قام هذا السعودي و قبل (حب) رأس الأردني طالباً منه السموحة و المعذرة على التأخير .
بعدها قام الأردني بتسليم الكيس الوردي و قد كان فيه مبلغ مئة ألف ريال إلى السعودي و تم توقيع الأوراق مع شهادة من صديقي بتسلم السعودي للمبلغ المذكور من الأردني مع استلام السعودي مبلغ إضافي قيمته 2000 ريال .
و بعد خروج الأردني من المكتب قال السعودي الذي غضب منه الأردني لنا: ( كذا الدنيا الفلوس ما تجيء عبث حتى و إن نزلت كرامتك لزم الواحد يصبر) ثم استأذن منا و خرج من المكتب , فتأكدت أن هذا الشخص ليس من الطبقة المخملية بل من الطبقة الكادحة !!
سئلت صديقي , ما قصة هذا الأردني و هذا السعودي ؟!
فقال : ( الأردني يتاجر في قطع الغيار فقد تعرفت عليه من خلال عملي في نفس المجال فهو يقوم شهرياً بتحويل مبلغ مالي بين 90 ألف و 150 ألف للصين لشراء قطع غيار فهو لا يستطيع التحويل مباشره لأنه أردني فيقوم بإعطاء ماله لهذا السعودي ليقوم بتحويلها عنه فهو متفق مع هذا السعودي أن يعطيه مقابل التحويل 2000 ريال , و أنا دوري فقط متطوع في أن أكون شاهد على أن الأردني سلم إلى فلان مبلغ و قدره كذا , فأنا أعمل هذا كله لأجل المصالح التجارية بيني و بين الأردني فهو يعتبر عندي شخص مهم و لابد من محاباته !!) .
ثم سألته عن هذا السعودي ماذا يعمل , فقال : ( هذا السعودي يعمل في دائرة حكومية و هو من الفئة الاتكالية التي تريد ألا تعمل و تأخذ الفلوس بسهولة و بدون تعب يذكر , فهو ما صدق خبر أنه وجد له شخص يعطيه 2000 ريال )
و أيضاً سألته سؤال آخر و قلت له : كيف نجحت بين هذه التحزبات الكبيرة من العمالة ؟
فقال لي : ( توقعت مثل ما تقول , فقد سمعت أن هناك تحزبات و لوبيات متعددة و أنه لا يشق صفهم و أن المنافسة معهم خاسرة و مصيرك الفشل و ضليت أسمع مثل هذا الحديث حتى ترددت في الدخول في مجال قطع الغيار و الأكتفاء فقط بالراتب , ثم قلت لما الخوف و الهزيمة من البداية , فدخلت هذا المجال و أنا واثق الخطى وفعلاً واجهت هذه التحزبات و اللوبيات و قد كانت تصارعني على البقاء فلم أتصارع معهم بل دخلت متخفياً بينهم مستخدم المال في شق صفهم و بهذه الطريقة كسبت المعركة , فعندما تغري إحداهم بالمال يكون لك عبداً مطيعا )
بعدها أخذنا أنا و صديقي الحديث في مواضيع عديدة ............ و انتهت رحلة الصناعية القديمة .
النقاط المستفادة من رحلة الصناعية القديمة , منها :
1- وجدت الصناعية كالزبالة – أكرمكم الله – عشوائية لا يعلمها إلا الله فأنت لا تعلم ما هي أفضل ورشة و ما هو محل القطع الغيار الذي سوف تحصل عنده القطع المطلوب , فلو أحد استغل هذه العشوائية و حولها إلى مشروع فسوف يستفيد كثيراً , فهذه تعتبر مشكلة و المشكلة لا تمر أمام الأذكياء مرور الكرام بل هي فرصة و لابد من استغلالها فوجب في هذه الحالة تطبيق القاعدة التي ننصح بها دائماً :
مشكلة + حل = مشروع ناجح.
2- وجدت التعاون بين الجنسيات المختلفة و خاصة اليمنية , هذا التعاون ولد نتائج مذهلة لأصحابها فالتعاون يعتبر ركيزة أساسية لنجاح أي مشروع و خاصة التعاون مع الكبار .
3- عرفت أن الأردنيين لهم يد في التجارة المباشرة في السعودية بعد أن كنت أتوقع أنهم يعملون فقط في مجال الوساطة و التدريس و المطاعم فقط .
4- تألمت من آمر هذا السعودي لا لأنه يأخذ 2000 ريال من الأردني , بل لأنه زرعت في باله أن هذه الفكرة هي الطريقة الوحيدة لكسب المال و من ثم الغناء , و هذه تعتبر من أخطر الأشياء على حياة الأنسان لأنه يتبنى أفكار خاطئة في مخيلته يعتقد أنها صحيحة حسب كلام أطباء النفس .
5- لكسر الأحتكار و اللوبيات و التحزبات , عليك بتحريك مخك و تعرف كيف تدخل بين هذه التحزبات بشتى الطرق , فقد يكون المال وسيلة من وسائل كسر اللوبيات و قد تكون هناك طرق آخرى لكسرها , فعليك أن تكره بخفاء و تحب بعلن .
اتمنى أن تكون الفقرة مفيدة