العمالة والأمانات والكفلاء شركاء في وقوع الجرائم التي تمارس في أحياء الرياض
أحد أجهزة تمرير المكالمات التي يقوم بها العمالة.
تحقيق - بندر الناصر/ تصوير - حاتم عمر
تمثل المنازل المهجورة والأحياء القديمة في المدن مخاطر أمنية واجتماعية على السكان داخل المدينة وأفرادها وبالذات من هم في سن الشباب والمراهقين والأحداث الذين قد تقودهم نحو الانحراف في الوقوع بالجرائم سواء الأخلاقية أو المخدرات إضافة إلى أنها قد تتحول إلى ملاذ آمن للعمالة الوافدة التي تقيم بشكل غير نظامي.
مدينة الرياض تشهد منذ ما يقارب أكثر من الشهر حملة أمنية للكشف عن المخالفات التي تمارسها العمالة غير النظامية والتي تتخذ من هذه الأماكن ملجأ لهم.
وبدأت في ممارستها سواء بسرقاتها الفكرية مثل الاقراص الممغنطة أو نسخ أشرطة مخلة للآداب وممارسة الرذيلة وصناعة الخمور وغيرها.
«الرياض» ومن خلال هذا التحقيق تبرز الأسباب التي تمكن العاملة من ممارسة هذه الأعمال حيث يحمّل (المختصون) الكفلاء وأصحاب المكاتب العقارية السبب، حيث إنهم يقومون بتأجيرهم بهذه الطريقة ولماذا لم يتم الاستعلام عنهم ، أيضاً حمّل البعض الآخر المشكلة للعمد الذين ما زال دورهم غير مفعل.
إضافة إلى أنه يجب على الامانات إعادة النظر في وضع هذه المنازل والاستفادة منها.
ويشعر البعض إلى أن سبب ذلك هو العمالة التي أصبحت في هذا العصر ترفاً وليست مطلباً.
مخاطر أمنية
في البداية قال اللواء المتقاعد الدكتور إبراهيم العتيبي إن البيوت المهجورة لها مخاطر أمنية واجتماعية وصحية وإنشائية ولعل ما يمارس بها من ممارسات أخلاقية وسوء تصرف من عمالة وافدة وما قد تسببه من استدراج الأحداث والمشردين والهاربين من العدالة وبالتالي تصبح ملجأ للهاربين، وتكدس العمالة بشكل كبير بسبب الأمراض وتعاطي المخدرات.
أيضاً هذه المنازل تتسبب في تشويه جمال المدينة، ويتساءل العتيبي أين أصحاب هذه المنازل؟ هل هم المسؤولون عنها؟ وكيف أفرغوها؟ ولمن ، هل مملوكة وهل اصحابها اندثروا ام انها نزعت ملكيتها.
أعتقد أن جهات الأمانة معنية بهذه الأشياء بحيث يعرف صاحب العقار ويستدعى ولابد أن يزال إذا تطلبت الحالة. أما ترك هذه المنازل مهجورة ويستغلها المشردون والعمالة وأصحاب السوابق فهذا يشكل خطورة أمنية. إلا أن الجهات الأخرى منها أصحاب المحلات المجاورة والجيران والهيئة وعمد الأحياء إذا اكتمل دورهم كما هو وارد في نظام العمد الذي اعتمد من قبل وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز، وذلك بأن يكون هناك مكتب خاص به وموظفون ومعلومات عن السكان، ويطالب العتيبي أنه يجب أن لا نتخلى عن عاطفة التسامح فيما يخص ديننا وعقديتنا وهذه أمور لا يوجد بها تعاطف.
ولا يمكن أن نقول أن هؤلاء العمالة ضعفاء بل الضعيف لا يمارس ترويج المخدرات أو تمرير المكالمات وغيرها من الجرائم وهذا اليد تعاطفاً بل تخاذلا.
ويعرج العتيبي في حديثه إلى مكاتب العقار التي تؤجر لهؤلاء ومن يبيعها هي عملية كبيرة تحتاج إلى استقصاء من جميع الجهات وإمارات المدن وتوزيع كل جهة مهامها.
أفضل من تركها وتتحول إلى ما هي عليه الآن وقد تزداد سوءاً.
ويشير إلى أن الاجراءات والأنظمة لدينا جيدة لكن لابد من التفعيل وإذا وجد نظام وضبط وتحديد مسؤولية ومحاسبة الجهة إذا قصرت، أما ترك الأمور باجتهادات شخصية واشارات صحفية هي مثل المسكن وليست ايصالا للغرض.
موضحاً أن بؤر الجريمة تنطلق من المحلات الفقيرة التي تتكدس بها السكان والعاطلون والأحداث في هذه المحلات فكل شيء قد يحدث داخلها. ولعل من أهمها هي السكن الذي يتواجد بداخلها اربعين شخصاً ليس لهم دخل إلا عن طريق والدهم بدخل منخفض فهي مسببة للجريمة.
ويقول العتيبي لعل اتساع مدينة الرياض بحاجة إلى زيادة في فرق المتابعة والحد من العمالة الوافدة التي أصبحت الآن ترفاً وليست حاجة وأن يكون هناك محاسبة للشركات التي تركت العمالة.
البيو ت المهجورة ظاهرة في مدننا
وبين الدكتور سعد الشهراني وكيل الدراسات العليا بجامعة نايف للعلوم الأمنية أن البيوت الآيلة للسقوط والمهجورة هي ظاهرة في مدننا وفي الكثير من دول العالم وهي تدل على نزوح السكان من الأحياء القديمة إلى الجديدة بسبب الحجم بالدرجة الأولى، الناس يرغبون بمنازل حجمها أكبر والطرق أوسع ولهذه الأسباب هجرت هذه الأحياء والمنازل وأصبح هناك نوعان ، منها نوع يؤجر بأجور قليلة على العمالة بأعداد كبيرة وكثافة سكانية بالحي وجزء منها مهجور بالفعل أو آيل للسقوط وكلاهما أثر على معدلات الجريمة وطبيعتها وأنماطها وعلى أداء الشرط بمتابعتها لانها شبه مقفلة الدخول والخروج فيها صعب والتخفي سهل بالنسبة لمن يرتكبه.
ويبين أنه ظهرت انماط من الجريمة سواء بالجانب الأخلاقي أو جرائم الممتلكات أو جرائم سرقات الحقوق الفكرية مثل الأقراص الممغنطة وتمرير المكالمات الدولية وربما مثل ما أكتشف بالجانب العقائدي أيضاً جوانب المواد ال*****ة لا شك أنها تمثل خطراً غير عادي واعتقد أن السلطات أدركت ذلك والأجهزة الأمنية بدأت تتعامل معها والعمليات التي تمت بالبطحاء والأحياء الأخرى عملية قوية جادة ولكن نعلم أن كل مدننا الكبيرة وهي كثيرة يوجد بها مثل هذه الأحياء، وهي ظاهرة منتشرة ولدينا أكثر من 6 ملايين من العمالة الأجنبية ونسبة منهم عزاب ونسبة أجورهم منخفضة فيبحثون عن رفع الأجور بطرق غير مشروعة ولا شك أنها تمثل بؤرة لتنامي الجريمة.
ويشير الشهراني إلى أن البلديات ربما تتحمل بعدم تخطيط المدن والحاقها بركب المدن الجديدة وذلك بفتح طرق واسعة وإزالة المنازل الآيلة للسقوط والمخلفات، والأجهزة الأمنية عليها مسؤولية من الأساس لعدم متابعتها نمو مثل هذه الانماط للجريمة بمثل هذه الأحياء والمسؤولية الأكبر للمواطنين الذين يملكون هذه المنازل ولم يتعاملوا معها إما بهدمها أو بحفظها أو التأكد على من تؤجر والمكاتب العقارية تتحمل مسؤوليتها بهذا الجانب ومن المهم أن نشير إلى الكفلاء الذين يؤونهم ويبحثون عن أرخص الأماكن لاسكانهم واعداد كبيرة تواجدها في هذا المكان خطر لأنه لا يوجد في هذا الموقع مقومات السكن الصحي، المسؤولية شاملة ومتعددة الجوانب وكلا يتحمل المسؤولية وليست جنائية بل هي اجتماعية - إدارية.
ويضيف أن تلك التصرفات هي جريمة اضافة لجريمتها وهي التخفي عن نظام الاقامة، فالغالبية ممن يسكنون بهذه المنازل هم متخلفون عن الاقامة فيضيعون مع من يسكنون سكناً مشروعاً ويجب على البلديات أن تقوم بواجبها وتعيد النظر في هذه الأحياء والملاك.
حركة النمو
ويوضح الدكتور محمد الوهيد استاذ علم التحضر والجريمة بجامعة الملك سعود ان المدن تعتمد على حركة النمو والتطور اليومي للحفاظ على وجودها واستمرار بقائها كالانسان تماماً حيث تظل القاعدة الحضرية تعتبر ان نمو المدينة جزء من نمو سكانها وتغيرها جزء من تغير حاجاتهم ومتطلباتهم هذا النمو يشمل جميع مرافق المدينة او القرية من الخدمات والمرافق الصحية والتجارية وغيرها ومن ضمنها دون شك اماكن الاقامة والسكن وكذلك مرافق التجارة والصناعة ومناطق الخدمات المختلفة.
والمدن تتحرك في نموها حيث تضاف لها مساحات الامس في اسواقها او مساكنها لتنتقل نقلة حضارية تواءم يومها وتناسب متطلبات عصرها فتنتقل الاحياء في النصف الشمالي من الكرة الارضية نحو شمال المدينة وغربها في الغالب الاعم ما لم تحل الحوائل الطبيعية دون ذلك التحرك البشري والديموغرافي المتصل وفي جنوب الكرة الارضية تتحرك البشرية نحو الجنوب ومدننا في المملكة العربية السعودية ليست استثناء في هذا الاطار فطالما رأينا الزحف العمراني يسير نحو اطراف المدن وغالباً نحو شمالها وغربها وفي كل مدينة سعودية تلاحظ آثار هذا التحرك الحضري.
وما ينجم عن هذا السلوك غالباً هو بقاء المناطق القديمة خاوية على عروشها او تبقى سكناً لفئات طارئة على المدينة تجد في تلك المساكن سعراً اقتصادياً معقولاً يمكنها من الاقامة في المدينة الكبيرة باسعار القرية الصغيرة وان كان بشروط ترفيهية ادني من الاحياء الجديدة وبشوارع اقل اضاءة تلك الاماكن التي تحتلها الفئات الجديدة من محدودي الدخل ومن القادمين الى المدينة لأغراض مؤقتة تسرهم طبيعة الاحياء القديمة لروح الالفة التي تحوطها وتذكرهم بمساقط رؤوسهم.
ويضيف الوهيد لاشك ان الدول عموماً قد عانت من خطر المنازل المهجورة وخاصة التي تترك دون ازالة من ملاكها وكذلك المصانع والمستودعات التي يقتضي امتداد المدينة نقلها الى خارج النطاق العمراني السكاني للمدينة فتترك بأمل الاستفادة وبالتالي تتسبب باستقطاب فئات قد لا تكون فقيرة محتاجة للسكن بل قد تكون مخالفة لأنظمة او ممارسة لسلوكيات تهدد الامن فتصبح تلك بؤراً تركز وتكثف للخارجين على النظام العام وملجأ يصنع الانحراف ويصدره للمجتمع.
ويؤكد ان هناك من ضعاف النفوس من ملاك تلك المساكن المتداعية يريد ان يستفيد من مسكنه المتداعي فيؤجره غير مدرك ربما لخطورة عمله او متهاون بنتائجه والتي من اقلها ان يسقط المبني على من يشغله لانتهاء عمره الافتراضي وهناك مساكن قديمة عليها خلافات ورثة او يملكها من لا يستطيع اعمارها.
وهناك الهاربون من القانون والمروجون للمخدرات ومن يخبئ الممنوعات وممارسة الجرائم الاخلاقية ويشخص الوهيد اساليب المعالجة بأن تجارب الدول ونموها لا تتم الا بالسيطرة على المناطق التي غادرها التنظيم نحو المناطق الجديدة ولابد من اقفال ملفات المناطق القديمة ليس فقط بحرمانها من الخدمات البلدية فهذه تؤذي الفقير المضطر للسكن بها ولكنها لا تؤثر في المنحرف او المخالف للنظام او المجرم الهارب لذا لابد من تشكيل لجان دائمة لمراجعة اوضاع المناطق العشوائية والمناطق التي غادرتها المدينة وتحديد اوضاع المناطق وتطبق عليها اوجه الخدمات البلدية وتحظى بالرعاية الأمنية والدوريات وان خرجت عن نطاق السكن الصالح فيجب ازالتها وكشف اراضيها للعيان وعدم تركها ملجأ للهاربين.
ويشير الوهيد الى اننا لاحظنا ان كثيراً من الاشتباكات مع الفئة الضالة ينتهي بلجوئهم نحو اماكن مهجورة من المدينة او لبيوت غير مكتملة البناء وهذا يؤكد ان الاماكن المهجورة سواء كانت منازل او مرافق مدنية او مصانع او مستودعات تصبح ملجأ للمهربين او مخابئ للهاربين من غير المقيمين النظاميين.. لذا لا يستهان بهذا البعد ابداً ويجب ان يحتل اولوية على ما سواه اذ لا جدوى من نمو المدن وتطورها اذا كان ماضيها سيهدد حاضرها ومخلفات المساكن القديمة ليست آثاراً تحفظ بل مناطق متداعية لا لزوم لوجودها والا ما تركت اصلاً لو كان لوجودها اهمية معاصرة.
ويشير الى ان مدينة اوكلاهوما ومدينة فيلادلفيا في الولايات المتحدة الامريكية كانتا سباقتين على المستوى الدولي لمعالجة مشاكل المناطق المهجورة بقوة من الشرطة والقوى الأمنية ومن ثم تم التوصل لقانون اسمه قانون صلاحية الاستخدام المدني للمساكن القديمة.
والذي بموجبه يتم معاينة كل مسكن كل بضع سنوات وتحديد مدة صلاحيته ودرجة امانه للاستعمال للغرض المحدد له ومتى تجاوز عمره الافتراضي وجبت ازالته وبذلك تم القضاء على ظاهرة احتلال المساكن المهجورة او تقادمها لتصبح خراجات تنفجر تحت سطح المدينة دون توقف من سلطان الادارة المدنية.
عوامل متعددة للجريمة
وقال الدكتور منصور بن عبدالرحمن بن عسكر استاذ علم الاجتماع المساعد بجامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية تتعدد العوامل التي تقف وراء وقوع الجريمة فقد ترجع الى عوامل داخلية وهذه تتعلق بشخص مرتكب الجريمة مثل الوراثة والذكاء والصحة او عوامل خارجية وهذه تتعلق بالبيئة المحيطة بمرتكب الجريمة سواء الظروف الطبيعية او الثقافية او الاقتصادية او الاجتماعية.
ويوضح ان اكتشاف اوكار للجريمة التي وجدت نتيجة الحملة الأمنية في مدينة الرياض كشفت دور للبغاء والسحر والشعوذة وترويج صناعة المخدرات.
ونظراً لما للبيئة التي كانوا يتواجدون بها فإن لها اثراً كبيراً في ارتكاب الجرائم.
فقد بين علماء الجريمة ان نسبة الجريمة ترتفع في المناطق التي تتميز بكثافة سكانية وهبوط في مستوى الدخل كذلك اقامة الجناة في مساكن رديئة.
وقد اجري مسح لبعض الاحياء المتخلفة في بعض الولايات الامريكية وتبين ان 50٪ من المقبوض عليهم من المنحرفين يعيشون في هذه الاحياء وكذلك 45٪ من الجرائم الكبرى التي يتم الابلاغ عنها مسرحها هذه الاحياء.
ويضيف بن عسكر على وجود علاقة بين السكن غير الملائم والسلوكيات غير السوية للذين يعيشون فيه فكثير من المجرمين يقطنون في احياء فقيرة ومكتظة بالسكان.
ولاشك ان الاحياء القديمة في مدينة الرياض يعود نشأتها لعوامل الطرد والجذب للهجرة الكبيرة من الريف والمدن الصغيرة الى مدينة الرياض.
كما ان تمركز المصالح الحكومية في المدن الكبرى في المملكة ووجود العديد من فرص العمل فيها ساهم في زيادة الهجرة الداخلية للافراد والنزوح من الريف الى المدن.
ويضيف الى انم اهم ملامح وسمات هذه المناطق فهي تتميز بأن مساكنها طينية وبيوتها شعبية متراصة وترتفع الكثافة السكانية بهذه المناطق وهي من الداخل بيوت خربة.
ونجد ان اكثر من يسكن هذه الاحياء يجلسون في الشوارع المحيطة بالبيئة نتيجة للكثافة السكانية في المنزل وضيق المسكن.
لذا قد يصبح أبناؤهم وبناتهم فريسة سهلة لمن يحاول استقطابهم لطرق ابواب الجريمة بجميع صورها واشكالها.
كما ان دور العمالة الوافدة السائبة اصبح كبيراً في سكن هذه الاحياء القديمة في وسط الرياض ولاشك ان تواجدهم في البيوت بأعداد كبيرة سيساهم في تحويلهم لهذه البيوت الى اوكار جرائم نتيجة للبطالة التي يعيشها بعضهم.
وبين بن عسكر ان الحملة الأمنية قد تنقل المجرمين الى اوكار اخرى تكون ارقى.
ويشخص العلاج انه لابد من تفعيل دور العمد في الاحياء بحيث يعرف من يسكن في هذه الاحياء من خلال موافقة خطية لعمدة الحي.
وتطوير واستغلال هذه المنازل القديمة وازالتها اذا تطلب الامر. كذلك تطوير وسط مدينة الرياض بحيث يستقطب السكان الاصليين لهذه المدينة.