تأوه متوجع وارتجاف في الفك السفلي يغالب غصة ثم تبدأ الخربشة حتى تنتهي الكلمات .
ومن حولنا تتطاير الأوراق - أثناء ذلك - في كل مكان للأسفل أنصاف أوراق متآكلة وهائجة ومجعدة بها سطور مشطوبة بعناية وبعضها مثقوب من فرط الضغط على القلم , وسقوط القلم محض وهم , محض كناية عن انتفاء الكلام فحبره تشربته الأوراق وكونت منه بحيرة زرقاء فاضت لتغرق بقية الأوراق , وها هي دمعة تتدلى من عيوننا أخيرا تتجه صوب قلوبنا وتكبر رويدا رويدا حتى تصل حجم تعجز أجفاننا عن حمله لتسقط على الورق مشبعة بالأسى وهذه الدمعة تفسر كيف يتشوه بعض الكلام , كيف تتمزق وتتجعد الصفحات الأولى من دفاترنا وكتبنا القديمة فنعجز عن قراءة صفحات وصفحات وحين نصل للجزء السليم نجد أنه لا معنى له .
ويختتم المكتوب بخروج الزفرة وتشوه الكلام , ومرور ساعي البريد لابسا عباءة التخفي .
لم يعد الكلام معبر بما يكفي , أو قادر على الإفصاح , لم يعد سلاحا يعيننا على النصر في حروبنا الكلامية , أصبح متضعضعا أمام الفراغ الكبير الذي حل بقلوبنا فجأة , الفراغ الذي تركوه , ما نكتبه مجرد ثرثرة وضعت فيها رموز تبحث عن يد تفكها .
[IMG]http://4.bp.********.com/-cjclOWcYvPk/UHXglIDcAKI/AAAAAAAABbc/UABAE5reVrU/s1600/t_1308367113.jpg[/IMG]
امسك بورقة وبلل إصبعك بدمك وارسم خريطة لقلبك وحدد المكان الذي قد تكون موجودا فيه الآن , ستختار المنتصف , لأن الهدف دائما منتصف الأشياء .
والقمة حلم كبقية الأحلام بعيدة المنال , وبعد المنال ذريعة اعتدنا أن ننفي بها عن أنفسنا تهمة عدم الإصرار .
وكما كنا نمسك بالخرائط في صغرنا ونضع أصابعنا الملوثة بالحلوى ونقول لأنفسنا : حين نكبر سنذهب إلى هذا المكان , وكما كنا نمسك بالأطلس الملون ونتعارك على امتلاك الأماكن فيه مندفعين بجمال الألوان والصور , نكبر وتتلاشى فتنة الخرائط حتى ننسى شكلها , ونتذكر فقط المكان الذي نملكه وكبر معنا والذي كلما كبر أصبح أكثر هجرانا وأقل بعدا , قلوبنا .
وأشبه برقعة بيضاء ناصعة , خالية من الأسرار والهموم , والفوضى التي يخلفها الغياب , كانت قلوبنا بالنسبة لأطفال قلوبهم مسترسلة في النور .
عندما أفكر في الأمر بعد كل هذا العناء أين نحن منا وفينا , إن لم نكن في قلوبنا .. أين يمكن أن نكون ؟ أم كانت دقاته تعزف لحن الفناء ؟
ما كان يمكن أن نكون أكثر من كومة صغيرة من العظام المكسو باللحم في هذه اللحظة داخل قلب موجوع خاو مع بضعة أعضاء أخرى تعمل بكسل ونهر من دم يسير كخيط الموت يصعد منها تجاه قلوبنا , هكذا تتقزم قلوبنا راسمة خارطة جديدة - غير التي نحسب أننا رسمناها - لقلب أسود تسود فيه فوضى مشاعر خالية من كل شيء , كل أحد إلا الموتى والشيطان .
\
ما بال القلوب بدأت تضيق ؟
فما اتسع قبلا لخمس يتسع للسادس , عني كنت قد قررت أن أغير قلبي بقلب آخر يحملني فيه يمنحني الوسع يقرأ آية الكرسي قبل عقلي ليطرد بها الشيطان , بحثا عن الصمت عن الاحتواء عن اللجوء وتبقى المجازفة دائما في الهرب في اللجوء إلى الشخص الثقة , في الانطواء ، كلجوء فتية الكهف وقد قيل خمسة وسادسهم كلبهم وأقول أنا ثلاثة ورابعنا الشيطان .
حيث ما زلت أشعر بالأسى نحوهم وما زالوا وان برحت أجسادهم أماكنها ، الدموع التي سكبتها ، كل ذلك الفراغ . كل شيء ، كل الوجود وما أراه ، حتى فنيت جميع الأشياء مخلفة الفراغ , فراغها الذي لم يغطه الغبار بعد بل دار حوله فحسب مشكلا إياه , رسم قلبي خارطته ولم يحدد سوى إحداثيات المقابر ورموز الشيطان .
ضيع وقتك قبل ان يضيعك