إن مفهوم كلمة " الفساد " يرتبط في الأذهان بمفهوم "الشر"، ويعتبر أوضح وأقصر تعريف للفساد هو التعريف الذي ورد في موسوعة العلوم الاجتماعية، حيث يعرف الفساد بأنه: " إساءة استخدام السلطة العامة لتحقيق كسب خاص"، ورغم أن هذا التعريف يشمل الفساد الذي يقوم به المسئولون الوطنيون العاملون بالحكومة، إلا أن هناك فسادًا يتمّ بالكامل في نطاق القطاع الخاص، وأيضًا هناك فساد متعدد الجنسيات يتم بين طرفين من دولتين أو أكثر). والملاحظ أن حوافز الفساد تزيد عندما يكون للمسئولين الحكوميين من رجال السياسة والاقتصاد والقضاء مساحة واسعة للتقدير الشخصي، ولا توجد درجة مناسبة من الرقابة أو المساءلة، وكذلك عندما لا يمكن الاطمئنان لتفسيرات القانون أو لضمان تنفيذ أحكام القضاء، والفساد لا يتمثَّل فقط في المبالغ التي يدفعها رجال الأعمال في الخفاء للمسئولين الحكوميين، ولكن له تكاليف أخرى، حيث إنه يجعل رجال الأعمال والشركات تضيع وقتًا طويلاً في التفاوض حول اللوائح والقوانين إن الأمر الخطير في الفساد أنه يغير المعايير التي تحكم إبرام العقود، ويؤدي إلى اتخاذ قرارات حكومية بإنشاء مشاريع أو شراء سلع غير ضرورية وتأجيل مشاريع أخرى ذات أهمية قومية، وهو ما نلاحظه بالنسبة لإعطاء تسهيلات مصرفية كالقروض، وتسهيلات الاستيراد، سواء في الرسوم الجمركية أو شهادات المنشأ، وشروط الإخراج وغيرها من التسهيلات لمشاريع بناء المدن الترفيهية والسياحية والملاهي وملاعب الجولف في دول نامية تعاني الفقر وأزمة إسكان، وفي نفس الوقت لا يتم تقديم هذه التسهيلات لصغار المقترضين أو المستوردين من الشباب. ويلاحظ ذلك أيضًا في قيام بعض الدول بشراء معدات عسكرية تفوق القدرة الاستيعابية لجيوشها، ورغم عدم وجود ضرورة لشراء تلك الأسلحة؛ وذلك لأن هذه النوعية من المشروعات والمشتريات تمكن من يتخذون القرارات الحكومية من الحصول على الرشاوي كبيرة، وهو ما يعني أن الفساد يؤدِّي إلى تشويه القرارات الاقتصادية، ويجعل هناك عدم موضوعية في الإنفاق العام؛ ولذلك يعتبر الفساد أحد أهم العقبات أمام النشاط الاقتصادي، ويؤثِّر سلبًا على دوائر الأعمال والاستثمار والنمو الاقتصادي.
على الرغم من أن رشوة المسئولين تعتبر جريمة داخل كل دول العالم، إلا أن الدول المتقدمة لا تعتبر رشوة مسئول أجنبي خارج الدولة جريمة، فنجد أن الدول الأوروبية تعتبر الرشوة التي تدفع لمسئولين خارج البلد بمثابة مصروفات، وتقوم بخصمها من الضرائب التي تدفعها الشركات والأفراد للحكومة، وهو ما يعني أن الحكومات الأوروبية تدعم الرشوة وتغذي الفساد في الدول النامية، وهناك مقولة شائعة في الدول المتقدمة مفادها: " إن علينا عند التعامل مع الدول النامية أن نتبع طريقها في إتمام الصفقات والرشوة كجزء من ثقافة هذه الدول" ولكن المؤكد أن الفساد ليس جزءاً من ثقافة الدول النامية، وخاصة الدول الإسلامية؛ لأن ثقافتها الدينية والتاريخية تحرِّم الفساد بكافة أشكاله وتحرم الرشوة، سواء تمت داخل الدولة أو خارجها، وقد قامت بعض الدول المتقدمة بتصحيح هذا الوضع عندما قامت دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بتوقيع اتفاقية تجرم تقديم رشوة للمسئولين في الدول النامية لإبرام الصفقات.