هل السعوديون حسودون؟ فوجئ الزميل صلاح سندي وهو يتجه نحو سيارته المستلقية أمام منزله بفتى يافع يرتدي فانلة لنجم كرة قدم أوروبي يدق مسمارا في جسد مركبته الرياضية الحديثة. فور أن لمحه الفتى أطلق ساقيه للريح وراح بعيدا بعيدا مخلفا وراءه مطرقة ومسمارا وسيارة وإنسانا ينزفان.
قبل أسبوعين شاهدت موقفا لا يقل حزنا وأنا أخرج من المسجد. شاب بعضلات مفتولة يطعن سيارة فارهة تُسيل اللعاب وتسحر الألباب بقلمٍ دون رأفة ورحمة.
مازلت أذكر أثناء دراستي في كلية العمارة والتخطيط الحزن الذي خيم على الزميل المبدع محمد الرويحي عندما وجد مجسمه على رصيف الكلية، ممددا ومهشما قبل تسليمه بيوم إلى إدارة القسم بعد أن أنفق شهرين في تشييده. وحينها كتب لي بيتين لأبي فراس الحمداني (بتصرف) معبرا من خلالهما عن حاله بعد أن سكنه الألم والإحباط:
ألم يَرَ هذا الناس غيري مبدعا؟
ولم يَظفَر الحُسّادُ قبلي بمجسمِ؟!
أرى الغِل من تحت النّفاقِ وَأجتَني
من العسَلِ الماذِيّ سُمّ الأسَاوِدِ
شخصيا، واجهت ألما مشابها عندما كنت أعمل محررا صحفيا في إحدى الصحف المحلية قبل 10 سنوات، حيث تعرضت صفحتي اليومية التي كنت أعدها وقتئذ للاغتصاب والانتهاك والسرقة. كنت أعيد كتابة المادة غير مرة، وأبحث عن صور بديلة طوال الوقت لأن المواضيع و الصور الأصلية تختفي كل مرة.
وأنا على يقين أن الجميع لديهم قصص أشد بشاعة وألما من التي سردتها أعلاه والتي تجسد معاناة مجتمعنا مع الحسد والغل الذي نكتنزه في أحشائنا تجاه بعضنا البعض.
حينما يفتتح أي منا مطعما وينجح، يفتتح بجواره خلال فترة قياسية أربعة أو خمسة مطاعم. لا يشغلنا أن نخسر، لكن يشغلنا ألا يربح جارنا أو صديقنا أو قريبنا.
وعندما ينجح أحدنا في عمل ما، لا نصفق له وندعمه، بل نشن حملة تشكيك ضده، يسمعها البعيد والقريب، القاصي والداني، الكهل والطفل.
علينا ألا نستغرب إذن ونحن نشاهد العديد من أطفالنا وهم يشوهون كل جميل يعترض طريقهم، يحملون مسامير وأقلاما يغرزون بها كل ما هو لامع وجذاب أمامهم. فهم تغذوا في منازلنا على الكراهية والبغض والحقد تجاه اللافت والمميز، وبدلا من أن يستثمروا قدراتهم المكبوتة انشغلوا بكره بعض.
في المقابل، يكتظ العالم من حولنا بقصص التكافل الاجتماعي والتكاتف والتعاون بين الزملاء في أشكال وصيغ مختلفة دفعت مجتمعاتها إلى النمو والريادة.
فعندما كنت أدرس مادة تقنيات الكتابة في أمريكا واجهت صعوبات بالغة مما دفعني إلى ارتياد (مركز الكتابة) في الجامعة. وبالصدفة اكتشفت أن أحد رفاق الفصل يعمل في المركز مما شجعني على الحرص على التوجه إليه تحديدا. وكان يساعدني بإخلاص وحماسة كبيرين من خلال توجيهاته وتعديلاته الجوهرية التي ساهمت في أن أحصل أكثر من مرة على درجات أفضل منه في المادة التي يساعدني فيها وتجمعنا. وفي كل مرة أتفوق عليه فيها يعتريني شعور وأنا مقبل عليه أنه سيكف عن مساعدتي، لكن يفاجئني بردة فعل إيجابية مازالت طازجة في جوفي. فقد كان يهنئني ويحتضنني ويدعمني أكثر.
وبدلا من أن أكافئه كافأني. فلا أنسى دعوته لي لزيارة منزله والتعرف على أسرته التي كانت تناقشي في مواضيعي التي كان يراجعها لي ابنهم.
هذه الإيجابية وحب بعضنا هو ما نفتقده، نفتقده بشدة، رغم أننا نملك عقولا وقدرات متميزة وموارد عظيمة لكن للأسف لا نملك حب بعضنا البعض.
لن أنسى قبل أيام قصيرة الاقتراح الذي وجهه لي الحلاق التركي بقضاء إجازتي خارج المملكة "لكي ارتاح من نظرات من حولي و الاستمتاع بعطلتي" مما يعكس أن الكل يحس أننا مجتمع نمتاز بمطالعة بعضنا، بالتربص ببعضنا خلاف غيرنا.
لا أنسى أيضا الموقف الذي حدث لي مع زميل لبناني خارج المملكة، عندما دعاني إلى منزله وتكلمنا طويلا عن كل شيء وفي نهاية حديثه أبدى استغرابه من حساسية السعوديين وغيرتهم من أشقائهم في دول الخليج، وتجاه بعضهم البعض، وسألني قبل أن انصرف "هل السعوديون حسودون؟".