الموضوع: حانة الفلاسفة
عرض مشاركة واحدة
  #779 (permalink)  
قديم 10-02-2014, 01:49 PM
الصورة الرمزية الشَّجر الأخضر
الشَّجر الأخضر الشَّجر الأخضر غير متصل
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
المشاركات: 151
معدل تقييم المستوى: 5156
الشَّجر الأخضر تم تعطيل التقييم
معدل التناسب الدنيوي

[align=justify]
قانون معدل التناسب الدنيوي

(ألف)
مشكلتي العويصة دائما هي البحث عن القوانين!! عندما أجد المشكلة لا أكترث بوجودها، ولا كيف تبدو أصلا من خلالها الأشياء الأخرى التي تغيرت من حولي، بل أنني أتجاهل أيضا العَالَم الذي يصدع بالمشكلة ويؤولها بالخراب أو الهلاك المبين. عندما أجد مشكلة - بالنسبة لي - معنى ذلك، وجدت كنزاً قيّما يتطلّب هذا الكنز مهام العناية والحفظ والمتعة.
لا أعرف! كيف تصبح المشكلات كنوزاً هكذا؟!

(باء)
حقاً سؤال جديرٌ بالتأملّ أن تكون المشكلات مصدر إلهام للمعرفة. فالعادة، أن المشكلة تمر بدورة حياة كاملة تبدأ بالنشأة والتكوين، ثم الظهور والبروز على السطح، ثم السيطرة والهيمنة، وتنتهي إمّا ب"الخسارة" على صاحبها بواسطة الاستيلاء على المكتسبات، والغزو الغاشم، والاحتلال الغادر؛ فيهزم القائد وتحتلّ النّفس المحرّمة. أو "الربح" بواسطة المقاومة والدفاع عن العرض أو الوجود بجميع الوسائل الممكنة حيالها وبشرف كبير تلقى مصرعها. المشكلة أحياناً لا تلبث أن تثير المتاعب من حولنا عندما تفزعها مقاومتنا فتطلب نقاط الضعف، جميع الثغرات المفتوحة في حياتنا معرضة للخطر الخارجي!!!
المشكلة هي أن مجال سدّ الثغرات يحتاج إلى معرفة القانون!!!
كيف تعيش المشكلة بين ظهرانينا؟ ومنذ متى كان ميلادها؟
هنا، يجب أن نقف دقيقة صمت لتقدير العُلماء الذين استطاعوا بناء جسر المعرفة عن طريق تحييد مشاعرهم بصعوبة بالغة من أجل مساعدة الناس لأفضل السبل لمواجهة التهديدات.

(جيم)
تأملت مسار الرحلة البشرية ووجدتها ذات مسار واحد؛
من استطاع فهمه وإداركه فقد فاز فوزا عظيما بتوفيق الله.
وهذا المسار، أشبه ما يكون بتعاقب الليل والنهار.
فالنور يجلي العتمة في نهاية المسار،
والعتمة تغشى النور أيضا في نهاية مسار آخر،
وكلاهما بمشيئة الله.
والفكرة في التعاقب عدة أمور منها ما نعرفه:
الترتيب المسبق في اللوح المحفوظ، وإدراك التمييز بينها في الآداب والشرائع، وتأمل الآيات والعبر، وأهمها آية الانسلاخ والله تعالى أعلم.
آية الانسلاخ آية عظيمة جدّا فرغم وضوحها اليوميّ المتكرّر، لا يكاد أحد يفقه دلالاتها تمام الفقه الذي يعينه على استكمال الرحلة. فتجده أما مغرورا غافلا مختالا فخورا أو يئوسا عبوسا جزعا مستحسرا..
وهذان الصنفان لا تزيدهما آية الانسلاخ إلا خبالاً...
فالمغرور يقول: هل من مزيد؟
واليؤوس: يا ليتني متّ قبل هذا؟

(دال)
إن مسار الرحلة البشرية على اتجاهين اثنين لا ثالث لهما:
إما إقبالا للدنيا.
أو إدبارا لها.
تأسيسا على ذلك، وضعت قانون لهذه الرحلة يساعدنا على تحقيق مآربنا
كعصا موسى عليه الصلاة والسلام.
وهذا القانون ينص على أن معدل التناسب الدنيوي للمؤمن يساوي:
إقبال الدنيا / إدبارها = 1

وشرح القانون:
أن إقبال الدنيا = إدبار الدنيا عند المؤمن الحقّ؛ فالمؤمن الحقّ يدرك تماما أنه في حالة اختبار دائمة ومستمرة أينما يولي وجهه في المشارق والمغارب، وان حالة الاختبار تلك لا تتوقف عند الانتصارات لتمنح شهادة الفردوس!!! ولا تنقطع أيضاً عند الهزائم، ويرفع عنه القلم؛ ليستريح صاحبها راحة أبديّة. تأسيسا على ذلك، المؤمن في شغل دائما من أجل فقه العثور على الصراط المستقيم في مسار رحلته.
شرح المفردات:
إقبال الدنيا: هو كل إقبال - جزئي أو كلي - من عرض الحياة الدنيا وزينتها وزخرفها يتجه نحوك لتلتقي به عند نقطة شروعك بالإقبال. كالحصول على قطعة أرض مثلا.
وإدبار الدنيا: هو كل انقطاع - جزئي أو كلي - من عرض الحياة الدنيا وزينتها وزخرفها يُدبِر عنك حيث لا يمكنك الالتقاء معه عند نقطة الإدبار عنك. كعدم الحصول على مال متعيّن مثلا.
معدل التناسب الدنيوي: هو مفهوم ديني - دنيوي مركب. فالمعدل يجب أن يحقق تناسب ما في وسطين أو مقدارين متفقين بالبيئة(الحياة الدنيا) ومختلفين بالسلوك( الإقبال/ الإدبار) والخصائص(الاقبال: الزهو والفخر...الخ. الإدبار: الحزن واليأس...الخ). الغرض منه هو توجيه التركيز على الحقائق الأكثر تعيينا في حياة المؤمنين لمساعدتهم للوصول إلى تعامل أمثل من أجل العثور على الصراط المستقيم وهو رقم واحد حسب القانون.
الواحد أو يساوي واحد : يعني أن النتيجة متطابقة أو متعادلة. تماما كما جاء في الحديث النبوي الشريف:
اقتباس:
رقم الحديث: 5322
(حديث مرفوع) حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الْأَزْدِيُّ ، وَشَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ جَمِيعًا ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَاللَّفْظُ لِشَيْبَانَ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ صُهَيْبٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ " .
المصدر: شبكة إسلام ويب. موسوعة الحديث. الرابط:
http://library.islamweb.net/hadith/d...322&pid=108571
(هاء)
نتائج القانون:
حالة1. أن يكون أكبر من واحد.
أي أن الإقبال أكثر من الإدبار. فيصيب صاحبها الغرور، والاستسلام لمفاتنها، والانجرار ورائها. وما قصه قارون ببعيد. أو يعتقد أنّه صاحب الجنّتين فيقول ما أظن الساعة قائمة...
والإقبال الدنيوي كالبحر يشبعك كثرة ويرضيك منظرا ويزيدك سعادة؛ ولكن ثمة احتمال بالغرق!!! أو النجاة أيضاً ولكن متى يكون الاحتمال صائبا؟ يشير القانون أعلاه:
في حالة أن معدل التناسب الدنيوي يظهر حالة من عدم التناسب الصحيح بين الاقبال والإدبار لصالح الأول. معنى ذلك أننا نتبتعد شيئا فشيئا عن هدي الصراط المستقيم. وكنتيجة أولية، نحن أقرب إلى التهلكة أكثر من أي وقت مضى في حياتنا. وقد تتم التهلكة بطرق شتى بمشيئة الله. ومنها: أن تقع التهلكة عن طريق التدرج ومن حيث لا نشعر على سبيل المثال.

(واو)
نتائج القانون:
حالة 2. أن يكون أقل من واحد.

أي أن الإدبار ظاهرا وبارزا على السطح الدنيوي. ما يفزع صاحبها ويجعله معتزلا للعاَلَم، فتتوقف الساعة البيولوجية عن العمل؛ فيصبح كائنا سرمديا من هول المصائب أو البلاءات المتعددة أو البلاء الواحد ربّما. والإدبار الدنيوي كالعاصفة لا تبقي ولا تذر! تجعل ما بعدها ليس كما قبلها! بل لا يلبث صاحبها ينظر ويرثي نفسه وحاله وأهله وبيته ومحيطه الاجتماعي! بل لا يصحو من الصدمة إلا قليلا؛ ليعود إلى سكرته الأولى. هناك احتمال للنجاة أو تضيع الفرصة والاستجابة السالبة للأحداث. ولكن متى يكون الاحتمال صائبا؟ يشير القانون أعلاه:
في حالة أن معدل التناسب الدنيوي يظهر حالة من عدم التناسب الصحيح بين الاقبال والإدبار لصالح الثاني. معنى ذلك أننا نتبتعد شيئا فشيئا عن هدي الصراط المستقيم. وكنتيجة أولية، نحن أقرب إلى التهلكة أكثر من أي وقت مضى في حياتنا. وقد تتم التهلكة بطرق شتى بمشيئة الله. منها: اليأس من رحمة الله. وهل ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرين؟!

(ز)
نتائج القانون
حالة3: أن يكون الاقبال مساويا للإدبار. وهي حالة الاستقرار المثلى، و هي حالة المتقين والصالحين والمؤمنين حقّا. ذلك لأن هؤلاء القوم المكرمون لا تجدهم إلا على هدي الصراط المستقيم أيا كانت أحوالهم في السراء والضراء وحين البأس.

ففي السراء والإقبال تقيّد لديهم النّعم بالشكر والعمل الصالح المقترن بالنوايا المقصودة بالاجتهاد من أجل تعميم الخيرات والمنافع وعمارة الأرض حق العمارة.
فمن أعطي صحة وعافية في بدنه يشتغل بطلب العلم والعمل، والبعد عن استغلال الطاقات استغلال مناقضا لشكر الله سبحانه وتعالى. فلا تزيد النعمة بل تضمحل حتى تصير كأنها لم تكن في عهد صاحبها من آثار مآلت إليه حياته.
أما في حالة الإدبار، ومنعت بعض النعم أو قيّد بعضها؛ تجد السلف الصالح يقيّد نفسه بالأدب مع الله سبحانه وتعالى، والعمل بالتوجيهات النّبوية كالاستغفار وذكر الله، ذلك أن من مميزات الإدبار هو انعدام الشروط الموضوعية للفعل نتيحة اختبار وابتلاء لله سبحانه وتعالى لعباده بحكمته. فحتى لو قام بتمرين رياضي لينسى مصيبته، أو استبدل ترتيب الحجرة لعلهّ يخفف من وطأة مصيبته، فإنه لم يتأدب مع الله سبحانه وتعالى، لأنه لا يظهر الاعتراف بقضائه والافتقار إليه بل يبحث عن ابتداع الشروط الموضوعية للتغيير في لحظة انعدامها بالمطلق. بل أن تصوّر هذه الأمور لوحدها كفيلة بتغيير الحال إنما هو ضرب من المخيال الشيطاني الأنسي - الجنّي. وهذا هو مدخل "غير نبوي"(*) للتعامل مع الإخفاقات والابتلاءات. التي تتطلّب الصبر الجميل، وإدراك الاقبال الفائت المنقضي الذي لم يقيّد بالشّكر والعمل الصالح بل اللهو واللعب والغفلة عن ذكر الله. ولذلك يجب إعمال المنهاج النبوي الذي يمكن اختصاره:
بتقييد الاقبال بالشكر، وتقييد الإدبار بالاستغفار. بل أن من معاني الاستغفار هو شكر الله سبحانه وتعالى على تهيأته لنا لنكمل به حوائجنا؛ ولنجمل به طاعتنا، ولنطلب به غايتنا وأمانينا في الدنيا والآخرة.
والله تعالى أعلم.

الهوامش:

(*) توجد كتب كثيرة للتخلص من المشاعر السالبة، والأفكار غير الإيجابية، والنظرة إلى الحياة بطرق جذابة. وهذه الكتب خطيرة جدا على وعي المسلم لأنه تقوم على مغالطة كبيرة وهي استبدال ركن الإيمان بالقضاء والقدر، باعتباره شيئا من الأشياء التي يمكن التخلص منها أو تحسينها أو التعايش معها على أساس تفوق الإنسان في تسخير المحيط لإشباع حاجاته. والحقيقة هي ما جاءت به التعاليم الدينية المستقيمة في القرآن الكريم والحديث الشريف، بأن المقام هنا هو مقام اختبار وفتنة بالخير والشر حتى يمحص الطيب من الخبيث، قال الله تعالى:

وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا [الكهف: 45]

اقتباس:
رقم الحديث: 846
(حديث مرفوع) أَخْبَرَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْمَعْشَرِ الْمَدِينِيُّ ، بِبَغْدَادَ ، ثنا وَكِيعٌ ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " مَالِي وَلِلدُّنْيَا ، إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا ، كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ بِشَجَرَةٍ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرْكَهَا "
الرابط:http://library.islamweb.net/hadith/d...&hid=846&pid=0
والقصد هنا إن استعمال هذه الكتب يجب أن يكون بتصرّف بحيث تعين صاحبها على عدم الإخلال بالقواعد الإسلامية وآدابها وشعائرها، ولا بأس من الاستفادة بقدر معلوم من هذه الكتب بالقدر الذي لا يفسد على المرء دينه أو يضيّع إعمال وصايا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
والله تعالى أعلم.

[/align]