كنت موظفاً في مكتب وكيل جامعة الملك سعود عام 1404هـ؛ وكان الشيخ صالح كامل يأتي إلىّ لمقابلة وكيل الجامعة يومها د. محمد الجار الله ذكرهما الله بخير؛ فيجلس عندي قبل الدخول إلى الدكتور محمد ليناقش معه احتياجات الجامعة من المعدات الطبية..
.. التي كان يؤمنها للجامعة؛ ولا زلت أذكر عبارة قالها ذات يوم؛ وهي (سوف يأتي زمان لن تجد فيه الوظيفة في القطاع العام أبداً؛ (يعني المحظوظ الذي يجدها) أ.هـ عندها ضحكت وقلت له: يا سعادة الشيخ نحن من خير إلى خير؛ وكل عام يزيد سعر النفط وتزيد الموازنة؛ فكيف تشح الوظائف والبلد في حاجة لليد المنتجة؟.. ضحك وسكت؛ لكنه أتبع صمته بقوله: ستذكر كلامي يا ولدي.
وفعلاً وقع ما توقعه الشيخ صالح كامل؛ وصارت الوظيفة في القطاع العام نادرة ومخصوصة لفئة دون أخرى؛ أي أنها لمن له سند قوي يتخلل من خلاله إلى نعيم الوظيفة العامة؛ أما غيره فيقلب كفيه في القطاعات الخاصة التي يسيطر عليها الأجانب بكل جرأة وبدون رحمة أو احترام للمواطن.
كثيرون من الشباب الجامعي عاطلون؛ منهم متخصصون في الكهرباء والميكانيكا والهندسة والطب والاجتماع وغيرها. كثير من الشابات عاطلات عن العمل وهن يحملن تخصصات جيدة؛ بل بعضهن لها عشر سنوات منذ تخرجها وهي تنتظر ضوءاً أخضر من وزارة الخدمة المدنية التي لديها من الملفات الخضراء ما تنوء بحمله الأنعام!!
لا أدري ما سبب هذا الكساد في القطاع العام؟ هل هو أن وزارة المالية لا تحدث وظائف عند طلب الجهات لها؟ أم أن الطلبات لها تأتي مفصلة لمن يريدون توظيفه فقط؟ أم أن هناك اتجاهاً لعدم إحداث الوظائف بالرغم من وفرة البنود وكثرة دخل المملكة من البترول وغيره من الدخولات المذهلة في أرقامها؟.. أسئلة غامضة كغموض اتجاهات وزارة المالية التي هي مصدر الوظائف عند رصد الميزانيات للجهات الحكومية.
وما المانع من احتواء الشباب العاطل بإحداث مئات الألوف من الوظائف التي تجعل شمل الأسر المتشتتة في أنحاء البلاد؛ ثم هل تعجز الموازنة عن إحداث وظائف للجامعيين العاطلين الذين يحملون ملفات خضراء للون كتفاؤل على مستقبل مشرق في زمن مظلم؟.
إن بقاء كثيرين من الجامعيين وخريجي الثانوية العامة دون عمل أمر خطير جداً؛ ويجعلهم لقمة سهلة للإغراء من غير أبناء الوطن للضرر بالوطن سواء شعروا أم لم يشعروا؛ لأن الشباب يبحث عما يؤمن له لقمة العيش بأية مصدر وأية صفة؛ لأنه يريد أن يعيش ولو تغرب عن بلده.
وكثرة السرقات التي انتشرت بأشكال متخصصة ومتقنة يأتي من عدم وجود عمل يؤمن له لقمة عيش شريفة؛ وكذا هجرة كثيرين من السعوديين لدول الخليج مؤشر يعكس مدى الضيق والضجر الذي يعاني منه الشباب المؤهل فعلاً؛ والذي بدأ يحس به في حياته الخاصة.
إن بناء الأوطان يعتمد على شبابها وشاباتها الذين يحلمون بأمل مشرق على أرضهم؛ فلك أن تتخيل أنه لم يجد قوتاً يسد جوعه فكيف يفعل؟ لابد من احتواء العاطلين الجياع قبل أن يكون جوعهم ضرراً على بلادهم قبل غيرها.
د. محمد أبو حمرا ...جريدة الجزيرة السعودية