عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم، وغيره
المعنى :
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنرجو الله أن يتقبل منك غيرتك للدين، ونهيك عن المنكر، واعلمي أن واجب المسلم إذا رأى منكرًا أن يغيره حسب الطاقة؛ امتثالًا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم، وغيره.
ولكنه لا بد من الرفق واللين، والبعد عن التكفير فيما كان لا يصل لدرجة الكفر، ففي الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب الرفق في الأمر كله.
وأخرج مسلم في صحيحه عن جرير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يحرم الرفق يحرم الخير.
وفي مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه.
وقد أمر الله موسى وهارون - عليهما السلام - باللين في القول مع أعتى الطغاة وهو فرعون، فقال تعالى: اذْهَبْا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طـه:43-44].
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التكفير كما في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر مرفوعًا: أيما رجل قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما. وزاد مسلم في رواية: إن كان كما قال؛ وإلا رجعت عليه. وفي لفظ آخر عند مسلم: إذا كفر الرجل أخاه، فقد باء بها أحدهما.
وهذا الحديث يفيد وقوعك في الإثم، ولكنه لا يصل لدرجة الكفر، فقد نص أهل العلم أن لفظة الكفر في الحديث محمولة على الكفر الأصغر، واستدلوا بحديث ثابت بن الضحاك عند البخاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولعن المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمنًا بالكفر فهو كقتله.
والقتل ليس كفرًا، وقد شبه به تكفير المؤمن، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاستقامة: فقد سماه أخًا حين القول، وقد قال: فقد باء بها، فلو خرج أحدهما عن الإسلام بالكلية لم يكن أخاه. انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني: هذه الأحاديث على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار، لا على وجه الحقيقة. انتهى.
هذا عن معنى الحديث والمراد بالكفر فيه، والتوبة من هذا الذنب كالتوبة من سائر الذنوب.
والله أعلم.
( الــــــــــــفتوى )