عندما أجلس وحيداً , تنهمر علي أنهار أفكاري حتى تغرقني , وكأي شخص متذمر اصب جام غضبي على سوء حظي مقارنا ً نفسي بالأثرياء والناجحين , متسائلا ً لما أنا هنا ؟
وما هي أسباب تردي حالي ؟
وعندما أختلط بأصحاب الظروف التي تتفوق بقسوتها بمراحل على ظروفي , وأجدهم غير متذمرين , أتساءل أين الطريق للاقتناع بالحال ؟
لكني في نهاية الأمر يسرقني غروري من هؤلاء محاولاً التعمق أكثر بأحوال أشخاص تراهم نفسي أفضل مني , فأخالط الأثرياء وأجدهم ( متذمرين ) فبعضهم كالجندي الذي أرغم على خوض معركة للدفاع عن وظنه وقتل أناس بحجة انه إذا لم يقتلهم سيقتلونه , دون أن يجد اي وقت يجتمع فيه مع أسرته , هم أغنياء ماديا ً , لكنهم فقراء مشاعريا ً وكيف لا يكونوا كذلك وجسور التواصل بينهم قد دمرت !
فأهرب من هذه الأفكار حاملا ً نفسي فوق ظهري , لأخبرها بأن تهدأ فحالنا أفضل بكثير من حال هؤلاء , لكن نفسي تبدي تذمرها مجددا ً فأحاول تهدئة روعها , مكملا ً رحلة الاستكشاف .
هناك أثرياء لا يفصل بينهم وبين أسرهم أي حاجز , لكنهم غير مرتاحين لمرض أحدهم , ولو خيروا على أن يعيشوا فقراء ( متعافين ) وأن يعيشوا أثرياء لكن ( متوجعين ) لاختاروا الأولى , فكنوز الدنيا لا تشتري العافية .
يا نفسي أعلم أنني لم أتمكن من الإجابة على أسئلتك , وأنك لم تضعي نفسك بالمكان الذي تتواجدين فيه , لكن ما أعلمه هو أنك تحملين بداخلك صفات قبيحة وكل صفة لها علاج على طريقة لكل داء دواء , فالحسد مثلا ًيموت بالقناعة , والحال يتحسن بالشكر والراحة تأتي بالعمل .
الأخطاء التي ارتكبتاها في الماضي ستلاحقنا على هيئة كوابيس إذا لم نتخلص منها بأنفسنا , فحاول أن تغير ظروفك لا أن تجعلها هي من تجبرك على التغيير , فمن الحماقة أن تتباكى على اللبن المسكوب وأن تتلاعب بك مشاكلك .
الأفكار السلبية التي تهاجمنا من حين لأخر ليست الا لاهتزاز ثقتنا بأنفسنا وتركيزنا الذي انحصر على الجانب المظلم من شخصيتنا , فكما أخذتك عينيك لسلبياتك , خذها بنزهة لإيجابياتك .
يقول واسيني الأعرج : قد نؤخذ بتفصيل صغير لا يهم أحدا ونحتفل به كالأطفال وقد نمر امام كنوز الدنيا ولا تهزنا ابداً .
فالاحتفال بنصيحة أو بشكر أمر بسيط لكنه كفيل بإسعادك , والأمور الصغيرة لابد لها من ان تكبر ذات يوم .
أما الاسترالي نيكولاس فيوتتش ( مبتور الأطراف , ملهم البشر ) فيقول : ليس هناك فائدة في أن تكون كاملا من الخارج عندما تكون مكسورا من الداخل .
فالصورة المثالية المزيفة التي توهم بها البشر , لن يستوعبها عقلك الأسفنجي , وستؤلمك تناقضاتك إذا لم تكن صريحا ً مع ذاتك .
القناعة كنز لا يفنى , والغني ليس غني المال كما قال نبينا المصطفى : ليس الغني عَن كثرَة العَرضِ ، ولكِنَّ الغني غني النفس » متفقٌ عليه .
لست متعاليا ً لكن عندما أختلي بنفسي أمازحها بسؤال : يا نفسي لو لم تكوني أنتِ فمن ستختارين من البشر لتكونيه ؟
لترد : وهل هناك مخلوق يستحق ذلك أكثر منك يا سيف ؟
فمهما طغت إيجابيات احدهم سأنفر منه بسبب أي سلبية تواجدت به , وسلبياتي وإن كثرت تستحق التغاضي , وأن كنت سأنافس أحدهم على أن أكون أفضل منه , سأختار نفسي القديمة , وسأتبع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه .
بقلمي انا سيف المطيري