الاثنين 6 /11 / 1435هـ العدد 5085 (صحيفة الوطن)
قهر حاملات الماجستير في جحيم البطالة
سكينة المشيخص
الخدمة المدنية تعمل بطريقة كلاسيكية لا تبتكر أي حلول وتقدمها للجهات العليا، وهؤلاء حاملات الماجستير لا يحلمن بأكثر من استحداث وظائف أسوة بغيرهن في معاهد المعلمات والديبلومات والبديلات
قضية البطالة ليست بحث أو انتظار وظائف لا تأتي، أو تكون غير متناسبة مع التأهيل العلمي والعملي للباحثين عنها، لأني أصبحت على يقين بأن سوء التخطيط في المعالجة يسهم إلى حد كبير في تأزيم المشكلة وتعقيدها وجعلها قضية تتراكم عبر السنوات، وفي العرف الإداري هناك قاعدة فحواها "الفشل في التخطيط.. تخطيط للفشل"، وحين نفشل في وضع خريطة وظيفية تستوعب الأعداد المقدرة لدخول سوق العمل بمختلف استحقاقاتهم العلمية بصورة سنوية تضع في اعتبارها الخريجين في جميع المستويات من داخل وخارج المملكة، فلا بد أن نرى نموا متصاعدا للعاطلين، وذلك ببساطة لأن الجهات المعنية بذلك تلف في حلقة مفرغة.
تلك الحلقة أعني بها تحديدا عدم الرصد العلمي لأعداد الخريجين، سواء من جامعات المملكة أو في الابتعاث، وتوفير وظائف لهم في القطاعين العام والخاص بدعم من صندوق تنمية الموارد البشرية الذي يحتاج الى إعادة هيكلة ونظر في أدائه، لأننا نتعامل مع معطيات تنطوي على مفارقات غريبة، يكون فيها لدينا، على سبيل المثال، عشرة آلاف خريج خلال هذا العام فقط، بغض النظر عن الآلاف التي تراكمت في السنوات السابقة، هؤلاء متاح أمامهم التنافس على ألف وظيفة!
في معارض التوظيف التي ينظمها القطاع الخاص في الغرف التجارية تبدو المفارقات أكثر وضوحا في الأعداد المطلوبة والمتقدمة، أي أننا نتعامل بمبدأ أن هذا جهد المقل، ولكنه لا يضيف أي شيء حقيقي لمعالجة مشكلة البطالة، ولعلّي في هذا السياق الذي أستعيد فيه مشكلات العاطلين أستعرض مشكلة عطالة حاملات الماجستير اللائي تم توفير وظائف لهن في آخر مفاضلة أصدرتها الخدمة المدنية وكانت بـ24 وظيفة فقط وجهت لأكثر من 5 آلاف عاطلة في مختلف أنحاء المملكة، وكان أغلبها بمسمى مساعد إداري!
أولئك العاطلات الحاملات لدرجة علمية رفيعة طرقن أبواب جميع المسؤولين المعنيين بالمشكلة، ولكن لم تنفذ أي وعود مقطوعة لهن، فيما تم توفير وظائف لخريجات الديبلومات والكليات المتوسطة وتم تجاهل توظيفهن طوال السنوات الماضية، في وقت أيضا تنمو فيه أعدادهن سنويا ثم تتبخر الأحلام بالعمل ويحصدن عاطلات بهذه الدرجة العلمية الرفيعة التي يفترض أنها إضافة لأي قطاع من قطاعات التنمية الوطنية.
تقدمت أولئك الحاملات للماجستير بمشكلتهن للجامعات، وزارة التعليم العالي، وزارة التربية والتعليم والخدمة المدنية، ولكن كل وزارة تخلي مسؤوليتها، وكان أن ظهر بريق أمل لهن في عام 1433 من الخدمة المدنية بدعوة عاطلات الماجستير والدكتوراه للمطابقة لإيجاد فرص عمل لهن، ولكنهن تفاجأن بأن تلك المطابقة تمتد لسنوات، وما زالت ملفاتهن معلقة في أروقة الخدمة المدنية وعلمن أنها فقط للإحصائية، وحين توجهن لوزارة الخدمة المدنية رفض وزيرها استقبال خطابهن وبعد إلحاح منهن اطلع على الأسماء، وقال: لا توجد لدي حلول لوضعكن ومشكلتكن ليست عندنا، ضعن الخطاب عند السكرتير، وحين طلبن استحداث وظائف إدارية أو تعليمية تفاجأن برفضه لعدم وجود أيّ حلول لديه.
ذلك تحطيم وتكسير وإحباط غير ضروري، فهؤلاء عانين الأمرّين، أي بطالة مضاعفة عقب حصولهن على البكالوريوس ثم الماجستير ويضاف إليهن أيضا حاملات الدكتوراه، وكلما ننظر إلى المستقبل ونشهد مزيدا من الحشود التي تقف في آخر الطابور لا بدّ أن يستعصي الحل على الخدمة المدنية، وتواصل وزارة العمل في ابتكار برامج توظيف غير مجدية وغير عملية ويتوقف صندوق تنمية الموارد البشرية في هيكليته العتيقة دون تطوير، ولكن الأسوأ عدم وجود أي ابتكار لدى الخدمة المدنية التي تعمل بطريقة كلاسيكية لا تبتكر فيها أي حلول وتقدمها للجهات العليا، وهؤلاء العاطلات لا يحلمن بأكثر من استحداث وظائف أسوة بغيرهن في معاهد المعلمات والديبلومات والبديلات، فما وجه الصعوبة في ذلك؟
لنبحث عن العقل التقليدي والروتيني ونضيف إليه القليل وليس الكثير من البيروقراطية لتبقى مشكلاتنا معلقة يتراكم عليها غبار الإحباط عبر السنوات.. إنه فقط سبب كل هذه المشاكل في عصر يتطور فيه العالم ولا يبقى في محطات التطور سوى لحظات لاستكشاف البدائل والخيارات الأفضل، ولكننا لا نزال نبقى وتتراكم مشكلاتنا وتزداد تعقيدا ونرحّلها ثم نتجاهلها ونتغافل عنها.