"إغلاق المحلات الساعة التاسعة" و"فرض السعودة على المنشآت التي يعمل بها 6 عمال" ليسا إلا محاولات يائسة لتوفير وظائف للسعوديين، وسترفع من الأسعار ومن السعودة الوهمية وتشوهات أخرى لسوق العمل .
حلول التوظيف تزداد ولكنها ليست في الاتجاه الذي تطمح إليه الدولة، والذي يطمح ويتطلع إليه المواطن، وحلول لا ترتقي إلى طموح رؤية المملكة.
فعند متابعة التوظيف تجد أن الحلول تزداد سوءا عن قبل، والسبب أننا نحاول بالحلول البسيطة التي لا تحتاج إلى بناء، اعتقادا منا أن هذه الحلول جيدة وليست لها تتبعات.
متى ما أردنا حلولا مجدية للوظائف، علينا التفكير ببناء اقتصاد قوي ومستدام، نستطيع خلاله منافسة الدول المتقدمة والوظائف ستأتي من ذلك.
لم تعد وزارة العمل ترى جدوى من برنامج "نطاقات" للتوظيف، إذ إنه يفرض نسبة سعودة تقريبا 15%، ولكن الوزارة أعجبتها تجربة "تأنيث المحلات النسائية"، لأنها تستطيع سعودة أكثر من عشرة وعشرين وخمسين بالمئة، فهي تفرض وجود بائعات وحارسات في المحلات التي يرتادها النساء بكثرة دون النظر إلى شروط النسب، فأصبح هذا العمل "أنموذجا رائعا"، إذ إن وزارة العمل تستطيع أن "تحرر" نفسها من "نسب النطاقات"، فتوظف نسبا كبيرة تصل أحيانا إلى 100% مثل سعودة "صيانة الجوالات".
بعد تجربة سعودة صيانة الجوالات، تستهدف وزارة العمل الآن سعودة مبيعات السيارات وتأجير السيارات وأسواق الذهب وأسواق الخضار والمخابز، وتقود فريقا لمبادرة "إغلاق المحلات الساعة التاسعة".
السبب وراء قرار إغلاق المحلات التاسعة مساء، هو محاولة إغراء السيدات وعوائلهن الذين يمانعون بقاءهن إلى منتصف الليل بالعمل في المحلات، في محاولة لتحسين أرقام البطالة، خصوصا "البطالة النسائية" التي أصبحت الأكثر عالميا، حسب تقرير البنك الدولي عند مستوى نسبي 33%. طبعا البطالة النسائية بالمملكة أسوأ من ذلك بكثير، ولكن هذا ليس موضوعنا اليوم.
قرار "إغلاق المحلات الساعة التاسعة" لم يأت بناء على دراسات اجتماعية واقتصادية تخصصية، ولم نشاهد أي تقارير بذلك، بل إن وزارة العمل أتت به كمخرج في اعتقاد أنه سيسهم في حل مشكلة البطالة التي لم تحسن التعامل معها.
وقد ذكرنا كثيرا أن توليد الوظائف ليس من مهام وزارة العمل، بل ضمن مهام وزارات التجارة والصناعة والكهرباء والصحة وكل وزارة تتضمن مهامها تطوير القطاعات التي يعمل بها موظفون.
أيضا، أخيرا بدأت وزارة العمل تلمح إلى تغيير تصنيف المنشآت "الصغيرة جدا"، والتي تحوي أقل من 10 عمال، إذ إنهم مُعفَون من شروط السعودة، فالوزارة تلمح إلى جعل من لديه "من 6 إلى 9 عمال" يصبح مصنفا ضمن المنشآت "الصغيرة" وليست "الصغيرة جدا"، وبذلك يتوجب عليهم السعودة.
من منا يطمح أن يكون ابنه عاملا في محل أو بقالة يعمل بها 6 أشخاص؟ واضح أن هذا سيكون زيادة للسعودة الوهمية، فالكثير سيسجل قريبه أو زوجته "سعودة وهمية"، وبذلك يرتفع عدد "المشتغلين"، وتتحسن نسبة البطالة مع أن "العاطلين" عن العمل لم تتغير أوضاعهم، ولن يحصلوا على وظائف.
وزارة العمل أصبحت تنظر فقط إلى مهامها، فهي تحاول البناء من جهة، ولكنها تسهم في قوة الانفجار المستقبلي، والسبب أنها حمّلت نفسها أعباء بقية الوزارات المعنية بتوليد الوظائف.
الحلول التي تطرحها وزارة العمل تسبب مشكلات أخرى لا نراها الآن مباشرة أمامنا، فالأسعار ترتفع والناس تتورط في أعمال بسيطة وغير مجدية، ومتوسط الرواتب في نزول تدريجي، وزيادة في السعودة الوهمية، وكثير من التشوهات الأخرى، والتراكم سيولد انهيارا لسوق العمل.
يجب أن ننوه إلى أعمال وتداعيات أصبح الكل لا ينتبه إليها بسبب اليأس من حلول البطالة والوظائف المتدنية، وهي:
أولا – التغيرات الكثيرة والسريعة التي تعملها وزارة العمل أخيرا تدل على أن هذه الأعمال ليست ضمن خطط، وليست مبنية على دراسات عميقة، فبالتالي ستكون مخرجاتها سيئة.
ثانيا – الوظائف التي توفرها وزارة العمل لا تسير في اتجاه التطوير وتطلعات وطموح المواطن والوطن والرؤية.
ثالثا – وظائف ليست آمنة وليست مستدامة، فمستقبل هؤلاء صعب جدا، ولن يستطيعوا تكوين أسر، فأبناؤهم يكبرون وتكثر مطالبهم، وتتحول إلى مشكلات اجتماعية وأمنية.
رابعا – تراكم المشكلات سينتج انهيارا لسوق العمل الذي لا يستطيع الصمود كثيرا.
خامسا – أي وظيفة لا تسهم في بناء الاقتصاد، هي عبء على الاقتصاد، وسيتحمل أعباءها إما الدولة أو المواطن عن طريق أسعار السلع أو المشاريع.
أخيرا، يجب أن ننتبه إلى أن الوقت المتبقي قبل انهيار سوق العمل هو زيادة في "جعله أسوأ"، وهذا يضاعف من حجم الانهيار ويصّعب من التعافي منه. على وزارة العمل والتنمية الاجتماعية توضيح ذلك للمجالس العليا، ليكون الضغط على الوزارات الأخرى التي لا تقوم بمهامها، ولا تواجه مطالبة من الجهات العليا ولا الرأي العام.
للكاتب برجس البرجس