فيما دفعت الظروف المعيشية المستجدة على المجتمع السعودي، جراء تراجع أسعار النفط، الكثير من الأسر إلى ابتكار أساليب جديدة توفر من خلالها بعض النفقات اليومية، رأى محلل اقتصادي أن هذه الظروف بدأت ترسخ ثقافة الترشيد بين أوساط الأفراد والأسر بالمملكة، مشيراً إلى أن هذه الثقافة كان من الصعب نشرها في أوساط المجتمع في وقت سابق.
وتتجه أسر سعودية ومقيمة إلى تأمين المواد الغذائية من خضراوات وفواكه وسلع البقالة من مراكز الجملة بدلاً من مراكز التجزئة، وضربت ثقافة التقشف والترشيد مفاصل السوق السعودي، وخلقت ركوداً في حركة البيع والشراء غير مسبوق.
تقرير هيئة الإحصاء
وقالت الهيئة العامة للإحصاء الأسبوع الماضي إن مؤشرها الشهري للرقم القياسي العام لتكلفة المعيشة في المملكة لشهر سبتمبر الماضي لم يسجل أي تغير نسبي يذكر مقارنة بالشهر السابق.
وأوضح تقرير الهيئة أنَّ مؤشر الرقم بلغ 137,9 في شهر سبتمبر، حيث لم يسجل الرقم القياسي العام لهذا الشهر مقارنة بشهر أغسطس 2016م أي تغير نسبي يذكر. وسجل ارتفاعاً من مستوى 133,9 في سبتمبر 2015م، ليسجل بذلك ارتفاعاً على أساس سنوي نسبته 3,0%. .
وأرجع التقرير الارتفاع الشهري للمؤشر إلى الارتفاعات التي شهدتها أربعة من الأقسام الرئيسة المكونة لهذا المؤشر وهي: قسم الملابس والأحذية بنسبة 0,7 في المائة، وقسم الأغذية والمشروبات بنسبة 0,3 في المائة، وقسم الاتصالات بنسبة ارتفاع 0,2 في المائة، وأخيراً قسم تأثيث وتجهيزات المنزل وصيانته والذي سجل ارتفاعاً نسبته 0,1 في المائة.
وفي الوقت الذي لم تحصل "سبق" على أرقام البيع والسيولة اليومية والمداخيل الشهرية بسبب تحفظات أصحاب المحلات والمجمعات التجارية، إلا أنهم أبدوا أسفهم من الركود والجمود الذي يلف السوق كافة، فضلاً عن المشاهدات اليومية التي توحي بعزوف تام وحالة تقشف جلية وواضحة.
وكان مجلس الوزراء قرر تعديل وإلغاء بعض العلاوات والبدلات والمكافآت والمزايا المالية للموظفين، كما قرر إيقاف التعيين أو التعاقد على جميع الوظائف والبنود والبرامج الشاغرة في جميع السلالم الوظيفية التي تصرف اعتماداتها من الخزينة العامة للدولة، وذلك حتى نهاية العام المالي الحالي، ويستعاض عن ذلك بالاستفادة من القوى العاملة الزائدة في الجهات الحكومية الأخرى، عن طريق برنامج تدوير.
ووجه المجلس بتخفيض رواتب ومزايا الوزراء وأعضاء مجلس الشورى شمل رواتب الوزراء 20 % وخفض مكافأة عضو مجلس الشورى 15 %، وخفض الإعانة السنوية التي تصرف لأعضاء مجلس الشورى لأغراض السكن والتأثيث وخفض المبلغ المقطوع الذي يصرف لأعضاء المجلس بنسبة 15%.
سوق الخضار
ويروي المواطن عادل عبدالله لـ"سبق" أنه يذهب صباح كل يوم جمعة لشراء كميات كبيرة من الخضراوات والفواكه من سوق الخضار بأسعار مخفضة إلى حد ما، مضيفاً "التعامل مع مراكز الجملة تجعلنا نضرب عصفورين بحجر واحد؛ الأول شراء السلع التي نحتاج إليها بأسعار مخفضة جداً تصل إلى 25 % مقارنة بأسعار التجزئة، والثاني شراء السلع طازجة ونظيفة، عقب وصولها من المزارع عبر الثلاجات".
ويقول تركي السبيعي: "لا شك أن هناك ضغوطاً معيشية تواجهها بعض الأسر في المملكة، نظير وقف بعض مزايا موظفي الدولة، إلى جانب تأثر موظفي القطاع الخاص بتلك الظروف بشكل أو بآخر، في الوقت نفسه، ترتفع الأسعار، وتواصل وتيرتها الصاعدة دون مراعاة ظروف الأسر"، ضارباً مثالاً على ذلك "فيما تتقلص المزايا المالية لبعض الموظفين في القطاعين الخاص والعام، نجد أن مصاريف المدارس الخاصة ترتفع هذا العام بنحو 40 %، وكذلك أسعار الملابس والأحذية، هذا بخلاف الرسوم التي رفعتها الدولة أخيراً".
المصروف اليومي
ويحرص "عبدالرحمن إبراهيم" على تأمين احتياجات أبنائه الطلاب التي يستخدمونها في مدارسهم في المنزل، بدلاً من شرائها من المقاصف. ويقول: "تخصص الأسر السعودية مبالغ كبيرة كمصاريف يومية لأبنائهم الطلاب، ومن الصعب تقليص قيمة المصروف اليومي تحت أي مبررات، حتى لا يصاب الأولاد بالإحباط جراء التقشف، ولكن رأيت أن أؤمن كميات السلع من الحلويات والعصائر والمياه المعدنية بأسعار مخفضة من محال الجملة، الأمر الذي يشجع الأبناء على تقليص المصروفات من تلقاء أنفسهم".
35 % تُرجح كفة الجملة
وقدر المحلل الاقتصادي فضل البوعينين نسبة التخفيض في حال شراء السلع الغذائية من مراكز الجملة بـ35 % مقارنة بأسعارها في محال التجزئة. ويقول: "الحاجة أم الاختراع، هذا المثل يتجسد تماماً لدى الأسر السعودية اليوم، التي رأت أن تبتكر طرقاً عدة، لتقليص مصروفاتها اليومية مع غلاء المعيشة". وأضاف: "ألاحظ أن ثقافة الترشيد بدأت تنتشر في أوساط المجتمع السعودي، دون أن يصاحبها إعلانات توعوية كما كان في السابق، إذ إن الظروف المعيشية الصعبة التي تواجهها بعض الأسر الآن، دفعتها إلى ترشيد الاستهلاك وتفعيل برامج التقشف بنسب متفاوتة من أسرة إلى أخرى".
وتابع البوعينين: "هناك تراجع ملحوظ في مبيعات الجملة والتجزئة على حد سواء منذ أكثر من أربعة أشهر، وهذا التراجع جاء نتيجة ظاهرة الترشيد التي أتحدث عنها، ولكن تبقى أسعار الجملة أقل من التجزئة، وهذه بمثابة فرصة أرادت الأسر السعودية والمقيمة أن تستغلها جيداً في ظل الظروف المعيشية الحالية، التي تشهد ضعفاً في السيولة المتوفرة وتراجعاً في القوة الشرائية للمواطن والمقيم".