.
تابع :
النقطة الثالثة :
الشيء إذا استحال إلى شيء آخر فإن اسمه المعهود يبقى عند من يعرفه، فالجبال إذا أصبحت كثيبًا مهيلًا، وهباءً منبثًا وكالعهن المنفوش ، يبقى اسمها المعهود عند من يعرفها ، فلو قُدر أنك ستكلم أحد في ذلك اليوم فإنك ستقول : أنظر إلى الجبال كيف أصبحت ، ولو سألك أحد أين الجبال؟ فستقول له : هذه هي الجبال .
فإذا كان الناس يعرفون أن هذه هي الجبال في ذلك اليوم، ويعرفون أحوالها، جاز مخاطبتهم عنها بالاسم المعهود لها عندهم .
وعلى هذا فنحن لا نعلم في أي حال ستكون الجبال عند هذا المشهد، ولكن ذكرنا هذه النقطة من باب الجدل والمناظرة وإضافة علم، وتوضيح وبيان لهؤلاء المتكلفين .
وبعد، فهذا تكلفهم في هذه الآية، وكما رأيت، لا دليل من القرآن ولا من السنة يؤيدها! ولا لسان العرب كان معهم، بل إنها مخالفة للقرآن والسنة وللسان العرب! كما تبين لك .
ومع هذا التكلف الواضح جعلوا هذه الآية محكمة وأخذوا يتكلفون تأويل ظواهر الآيات الأخرى !
والحقيقة أن تناول آيات القرآن العظيم وأحاديث النبي الأمين بمثل هذه الطريقة يتضمن الطعن في فصاحتهما وبيانهما ، واتهام لهما بعدم البلاغ المبين ، ومشابهتهما بالألغاز !
ولا فرق بين هؤلاء المهووسون بالنظرية وبين المتكلمين وما يسمى فلاسفة الإسلام من حيث المحصلة النهائية لقولهم، فحاصل قولهم: اتهام الأنبياء بعدم البيان، أو تجهيلهم، أو بالكذب .
فسلفهم السابقون اعتقدوا صحة ما جاء في كتب اليونان، فاصطدموا بنصوص الوحي، فما كان منهم إلا إتهام الأنبياء ومن ثم تحريف كلامهم ليتوافق مع كلام اليونان .
وهؤلاء اعتقدوا صحة هذه النظرية فاصطدموا بنصوص الوحي فما كان منهم إلا تأويل ما جاء عن الأنبياء، دون أن يتأملوا في كلامهم وإلى أي مدى قد يصل.
فلا أولئك ولا هؤلاء اتهموا ما جاء عن البشر ، وإنما اتهموا ما جاء عن الوحي !
وتجد بعضهم يتهم مخالفيه في هذا النظرية وغيرها إن لم يقولوا بقوله، بالتسبب في إلحاد بعض المسلمين ، لأن العلم ( كما يتوهمون ) أثبت دوران الأرض وأنتم تصرون على التمسك بظواهر النصوص .
فنقول لهم : إذا وصل الأمر في هذه المسألة إلى هذا الحد، فأنتم تتهمون النبي عليه الصلاة والسلام بأنه لم يبلغ البلاغ المبين! وأنه قصَّر في بيان هذه المسألة.
ونحن نعتقد جازمين أن النبي عليه الصلاة والسلام ما ترك شيئاً فيه خير لأمته إلا دلها عليه، وما ترك شيئًا فيه شر عليها إلا حذرها منه، بأبلغ بيان وأفصح لسان، فإذا كان دلها على آداب الأكل والخلاء والنوم، فهل يُعقل أن يترك مسألة تنزع الإيمان من القلب دون بيان ؟!
فإذا كانت هذه المسألة تصل لهذا الحد ولم يبينها النبي عليه الصلاة والسلام ببيان واضح، فالتمسك بظواهر النصوص أولى .
ومن عجائب هؤلاء أنك عندما تسأل لماذا النبي عليه الصلاة والسلام لم يبين المسألة بوضوح ؟ فإنه لا يجد حرجاً من الطعن في إيمان الصحابة رضي الله عنهم، فيقول : لو أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بدوران الأرض ما صدقه أحد من الناس في أمر الدين !!
هكذا بكل بساطة يطعن في عقول الصحابة رضي الله عنهم وقوة إيمانهم ، وكأن ذبابة وقعت على أنفه فهشها ، والصحابة رضي الله عنهم آمنوا بما هو أعظم من هذه المسألة، وكأنه لم يبق إلا هذه المسألة العظيمة فأخفاها عنهم خشية أن يكفروا .
ولا أدري لو كان هذا الرجل في زمن النبي عليه الصلاة والسلام هل سيؤمن بما هو أعظم من هذه المسألة ؟ وهل إيمانه بهذه الأمور الآن نتيجة وراثة أم عن تصديق واقتناع ؟!
تم بحمد الله .
أسأل الله لي وللجميع العلم النافع والعمل الصالح .
<
.