عرض مشاركة واحدة
  #1 (permalink)  
قديم 13-04-2021, 10:57 PM
عالم الوظائف عالم الوظائف غير متصل
إشراف أقسام التوظيف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2020
المشاركات: 14,468
معدل تقييم المستوى: 47696
عالم الوظائف محترف الإبداععالم الوظائف محترف الإبداععالم الوظائف محترف الإبداععالم الوظائف محترف الإبداععالم الوظائف محترف الإبداععالم الوظائف محترف الإبداععالم الوظائف محترف الإبداععالم الوظائف محترف الإبداععالم الوظائف محترف الإبداععالم الوظائف محترف الإبداععالم الوظائف محترف الإبداع
رسالة عاجلة إلى من أدرك رمضان 2021



الحمد لله الذي جعل شهر رمضان سيد الشهور، وضاعف فيه الحسنات والأجور، أحمده وأشكره فهو الغفور الشكور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أدخرها ليوم النشور، أرجو برَّها وذخرها والفوز بها بدار القرار والسرور، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أشرف آمرٍ ومأمور، اللهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه، ومَن اقتفى أثرهم وحَذَا حذوهم وسار على دربهم ونسج على منوالهم إلى يوم البعث والنشور.

أخي المسلم، يا من أدرك رمضان:
ما هي إلا أيام قلائل حتى تكتمل دورة الفلك، ويشرق على الدنيا كلها هلال شهر رمضان المبارك، الذي تهفوا إليه قلوب المؤمنين وتتشوق إليه نفوسهم، وتتطلع شوقًا إلى بلوغه لتنتظم في جامعته الكبرى، التي تفتح أبوابها كل عام لتستقبل أفواج الصائمين من كل أنحاء المعمورة.

أخي، سنستقبل رمضان بعد أيام ليعيد للقلوب صفاءها، وللنفوس إشراقها، وللضمائر نقاءها، بعدما تكدرت بفتن الحياة، وزحام الدنيا، وتلوثت بالنزوات العابرة، والشهوات العارمة، فجاء رمضان ليبعثها من رقاد ويوقظها من سُبات.

عجبًا!!!
كنا بالأمس القريب نودع شهر رمضان الماضي، وكأن صفحاته قد طويت قبل قليل، واليوم نستقبله أنا وأنت والأمة الإسلامية كلها بعد مرور عام!!

عام مضى ذهبت لذته، وبقيت تبعته، نُسيت أفراحه وأتراحه وبقيَت حسناته وسيئاته.

نعم أخي المسلم: إن الحياة ستنقضي بأفراحها وأحزانها، وتنتهي الأعمار على طولها وقصرها، فالدنيا مهما عظمت فهي حقيرة، ومهما طالت فهي قصيرة، والليل مهما طال لا بد من طلوع الفجر، والعمر مهما طال لا بد من دخول القبر!

وعندئذ يعود الناس - وأنت منهم - إلى ربهم بعدما أمضوا فترة الامتحان على ظهر هذه الأرض: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} [الأعراف: 29 - 30].

ثم تصبح الدنيا ذكريات، وهنا من ينتظر رمضان على أمل، وهو لا يدري فقد يباغته الأجل قبل أن يدرك هذا الأمل! {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34].

فيا أخي الحبيب: اتَّقِ الله - جَلَّ وعَلا - في جميع الأوقات، واغتنم لحظات العمر ومواسم الخير في التوبة إلى الله تعالى من جميع الخطيئات، وسارع إلى جليل القربات؛ فإنَّ مواسم الخير تمر مَرَّ السَّحاب، وإنَّ العمر إلى نفاذ والعمل الصالح إلى انقطاع، والإنسان ظُلُوم تقوده الشَّهوة العارضة إلى الخطيئة، ويشغله المتاع ومحبَّة الأهل والأولاد عن الطَّاعة، ويلهيه الأمل المَديد عن التَّوبة الأمل المديد عن التَّوبة حتى يفجأه الموت، وهو على غير استعداد وينقله المنون إلى لَحْدِه دون كفاية من مهاد، فيكون عُرضَةً للعذاب من خلل العمل، أو ينفذ إليه لهب النار لخرقه جنة التَّقوى بالمعاصي.

فيا أخي: كُن على حذر أن يأتيكَ الموتُ وأنتَ على غير استعداد؛ فتَزَوَّد بالطَّاعات، واغتنمْ مواسم الخيرات، وخُذ منَ التَّقوى زادًا ليوم المعاد؛ فإنَّ خيرَ الزَّاد التَّقوى.

أخي المسلم: يا مَن أدركَ رمضان، إنَّ الله تعالى امتَنَّ علينا بشهر عظيم، ووافد كريم، كله خير وأفضال، وفرصة للتَّنافُس فيه بصالح الأعمال، قد أظَلَّنا زمانه، وأدركنا أوانه، وإن بلوغ هذا الشَّهر أمنية عظيمة، ونعمة جليلة، ومنة منَ الله جسيمة لمن قدر الله له ذلكَ، إن بلغ رمضان أمنية غالية كان يَتَمَنَّاها النبي - صَلَّى الله عليه وسَلَّم - ويسأل ربه أن يبلغه إيَّاها، فقد ورَدَ عنه - صَلَّى الله عليه وسَلَّم - أنَّه كان يقول: ((اللَّهُم بارك لنا في رجب وشعبان وبلِّغنا رمضان)).

ذلك الشهر الذي هو من أفضل الشهور على الإطلاق، ذلك الشهر الذي خصَّه الله بفضائل كثيرة لا تعد ولا تحصَى، أهمها أنه شهر تتنزل فيه الرحمات، وتغفر فيه الذُّنوب والسَّيئات، وتفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النِّيران، وتُصَفَّد فيه الشَّياطين، فيه ليلة هي خير من ألف شهر، شهر تضاعف فيه الحسنات ويستجيب الله فيه الدَّعوات، وتُقَال فيه العثرات، فماذا أعددت لهذا الشهر الكريم؟! فاحمد الله حمدًا يليق بمنه وفضله أن بلغك هذا الشهر الطيب المبارك.

فاللهم سلمنا إلى رمضان وسلم رمضان لنا، وتسلمه منا متقبلاً، يا صاحب الفضل والإحسان.

أخي المسلم: يا مَن أدرك رمضان، أبشِّر نفسي وإياك وأبشر كل مسلم على وجه هذه البسيطة بأشرف الشهور وأزكاها عند الله، والذي أتى بعد طول غياب، ووفد إلينا بعد فراق.

أبشرك - أخي - كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبشر أصحابه بحلول شهر رمضان فيقول: ((أتاكم رمضان، شهر مبارك، فرض الله - عَزَّ وجَلَّ - عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مَرَدَة الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم)) [1].

نعم، إنها بشرى عظيمة، كيف لا يُبشر المؤمن بشهر يفتح الله فيه أبواب الجنة؟!
كيف لا يبشر المذنب بشهر يغلق الله فيه أبواب النار؟
كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل الله فيه مَرَدَة الشياطين؟
كيف لا يبشر العابد بليلة هي خير من ألف شهر؟!
شهر لا تحصى فضائله ولا تعد فوائده، فكيف لا يبشر به؟!

أخي: يا مَن أدرك رمضان، ها هو الشهر الكريم سيحل عما قريب بساحتك، ويملأ عليك الدنيا بهجة، وسرورًا، وبركة، وخيرًا، وضياء، ونورًا، فهذا هو حاله معك، وتلك هي بعض مراسيم استقباله لك.. فما هو حالكَ أنت أخي معه؟! وما استعداداتك ومراسيل استقبالك لهذا الشهر؟!

أخي: يا مَن أدركت رمضان، احمَد الله تعالى بأن أفسح لك في أجلك، وَمَدَّ في عمرك حتى أدركتَ رمضان، واحمَدْه بأن أدام عليك نعمة الصِّحَّة والعافية في بدنكَ حتى أدركت هذا الشهر.

أخي: أين من كان معك في رمضان الماضي؟! أما أفْنَتْه المنون القواضي..
أين من كان يصلي معك التراويح معك في الظُّلَم؟! سافر عن داره منذ زمان ولم يعد..
أين من صبر على الجوع والظمأ معك؟!
أين من كانت ترتفع أصواتهم بالدعاء في ليالي رمضان؟!

أين.. أين.. أين...؟!!!

إذًا فحقّ لكَ بأن يفرح قلبكَ وينشرح صدركَ وتزكو نفسكَ بقدوم هذا الضَّيف الكريم.

أخي، أدعوكَ بهذه المُنَاسَبة بأن تفتح صفحة جديدة بيضاء مع ربكَ وإلهكَ، وأن تسدل السِّتار على ماضٍ نسيته أنتَ وأحصاه الله، وبأن تتوبَ إلى التَّواب الرَّحيم من كلِّ ذنبٍ وتقصير وخطيئة، وأن لا تدعَ هذه الفرصة تفوتكَ كما فاتَتْكَ في السَّنوات الماضية، فهذا موسمٌ خصب من مواسم العمل الصَّالح، والتَّنافُس في الخيرات والإكثار منَ النَّوافل وغيرها منَ القُرُبات التي تقربكَ منَ المولى - جَلَّ جلاله، ثمَّ إلى متى الغفلة والتَّسويف، وطول الأمل واتِّباع النَّفس والهوى والشيطان؟!!

ما أجمل رمضان عندما يكون بدايةً للتوبة والإنابة، وميدانًا للتَّنافُس في الطَّاعات، ذلك الشَّهر الذي تحط فيه الخطايا وترفع فيه الدَّرجات، وتعتق فيه الرِّقاب منَ النِّيران، وتضاعف فيه الحَسَنات!
فكم منَ التائبين المُنيبينَ إلى الله في رمضان!
وكم منَ المُستغفرينَ من ذنوبهم في رمضان!!
وكم منَ المُشَمِّرينَ لطاعة في رمضان!!
وكم منَ المستيقظين من سُبات نومهم لنور الهداية في رمضان!!
وكم منَ المقلعينَ عن الذنوب في رمضان!!
وكم منَ النادمينَ على فعل المعاصي والمُودعين لها في رمضان!!

ولذا أدعوكَ - أخي - لتنضمَّ إلى قوافل التائبين القاصدة باب مَن هو غني عن خلقه جميعًا سبحانه، ومُتَوجهينَ إلى باب مَن لا تضره معصية ولا تنفعه طاعة، ومُيمِّمِين وجوههم إلى باب غافر الذَّنب وقابل التَّوب، قبل أن يقفلَ هذا الباب بطلوع الشمس إلى مغربها، أو بلوغ الرُّوح الحلقوم، وعندئذٍ لا ينفع الندم ولا يفيد التَّحَسُّر، فطوبَى لِمَن أجاب فأصاب، وويل لمن طرد عن الباب فما أجاب.
أخي المسلم: يا مَن أدْرَكتَ رمضان، إنَّ اغتنام مواسم الخير بالجد في العمل الصالح والتَّوبة إلى الله تعالى مما أسلف منَ القبائح ما يعوض الله به العاملين عما مضى من نقص في العمل، ويصرف به عقوبة ما اقترف المَرْءُ منَ الذلل، ويَتَجَدَّد به النَّشاط في الخير، ويزيل به مظهر السَّآمة والملل، فيتبارى المُتَنافسون في مضمار السِّباق مقبلينَ على الله تعالى من شَتَّى الآفاق ينشدون مغفرة الخطايا والزَّلاَّت، ويطمعونَ في جنَّة عرضها الأرض والسموات، عسى أن يكونوا ممن {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التوبة: 21 - 22].

إن من أعظم نعم الله عليك أنت – أخي أن مَدَّ في عمرك، وجعلك تدرك هذا الشهر العظيم، فكم غيب الموت من صاحب، ووارى الثرى من حبيب! فإنَّ طول العمر والبقاء على قيد الحياة فرصة للتَّزَوُّد منَ الطاعات، والتَّقَرُّب إلى الله - عَزَّ وجَلَّ - بالعمل الصالح، فرأس مال المسلم هو عمره؛ لذا فاحرصْ على أوقاتكَ وساعاتكَ حتى لا تضيعَ سدى، وتَذَكر مَن صامَ معكَ العام الماضي، وصَلَّى العيد!! ثمَّ أينَ هو الآن بعد أن غيبه الموت؟! وتخيل أنه خَرَجَ إلى الدنيا اليوم؛ فماذا يصنع؟!
هل سيسارع إلى النزهة والرحلات؟!
أم إلى الانغماس في المَلَذَّات والشهوات؟!!
أم إلى فعل المحرمات وارتكاب المعاصي والمنهيَّات؟!

كلاَّ - والله - بل سيبحث عن حسنة واحدة، فإنَّ دقيق الحساب شديد، والميزان دقيق ومحصى فيه مثقال الذر منَ الأعمال: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8].
فاجعل - أخي الكريم - في رمضان نصيبًا من حديث رسول الله - صَلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((اغتنمْ شبابكَ قبل هرمكَ، وصحتكَ قبل مرضكَ، وفراغكَ قبل شغلكَ، وحياتكَ قبل موتكَ))، واحرصْ أن تكونَ من خيار الناس كما أخبر بذلكَ الرَّسول - صَلَّى الله عليه وسَلَّم - فعن أبي بكرة - رضي الله عنه - أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله، أيُّ الناس خير؟! قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن طال عمره وحسن عمله))، قال: فأي الناس شر؟! قال: ((من طال عمره وساء عمله))[2].

فرحمَ الله عبدًا سارَعَ إلى طاعة مولاه، وأطرح شهوته وهواه فكان له منَ الأجر العظيم والنَّعيم المُقيم ما تقر به عيناه: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 30].

أخي المسلم، يا مَن أدركتَ رمضان، هل مِن وقفةٍ صادقةٍ للمُحَاسَبة؟!
هل من وقفةٍ جادَّة للتَّأَمُّل؟!

لعلَّكَ - أخي - تستبين مُنعَطفًا تستقيم به على طريق الجادَّة {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].

إنَّ شهر رمضان هو شهر مغفرة الذُّنوب، وستر العيوب، ومضاعفة الأجور، شهر تعتق فيه الرقاب منَ النيران، وتفتح فيه أبواب الجنان، شهر تتنزل فيه الرَّحمات، وتتضاعَف فيه الحَسَنات، شهر كله خير وأفضال، وفُرصة للتَّنافُس فيه بصالح الأقوال والأفعال والأعمال، شهر قد أظَلَّنا زمانه، وأدركنا أوانه، قال فيه النَّبي - صَلَّى الله عليه وسَلَّم - مُلفتًا الأنظار إلى فضله، ويحث المخاطبين واللاَّحقين إلى اغتنام وقته، فقال: ((أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه برحمته ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء ينظر الله إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرًا، فإنَّ الشَّقيَّ مَن حرم فيه رحمة الله - عَزَّ وَجَلَّ)) [3].

فشهر هذا فضله، وشرفه، وقدره، وتلك منزلته وعُلُو مكانته عند الله - فقل لي بالله عليك، كيف يستقبل هذا الوافد الكريم، وهذا الشَّهر العظيم؟!!

أخي، يا مَن أدركتَ رمضان، يستقبل شهر رمضان بتهيئة القلب وإصلاحه، فإنَّ أعظم مطلب في هذا الشَّهر هو إصلاح القلوب، فالقلب الذي ما زال مقيمًا على المعصية يفوته خيرٌ عظيمٌ، فرمضان شهر القرآن، والقلوب هي أوعية القرآن، ومستقر الإيمان، فكيف بوعاء لوث بالآثام، كيف يَتَأَثَّر بالقرآن؟!

وهذا هو التَّفسير - الحقيقي - لِحَالنا، وحال أناس ينتظمون في الصلاة، وسرعان ما يَتَسَرَّب إليهم الملل، وتَتَمَلَّكهم السَّآمة وآيات الله - التي لو أنزلت على جبل لرَأَيْتَه خاشعًا مُتَصدعًا من خشية الله - تطرق أسماعهم؛ وذلك لأنَّ القلوب القاسية لم تَتَطَهَّر لاستقبال كلام الرَّحمن، قال الحسن البصري - رحمه الله -: "لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم".

فيا أيها المسلم، يا مَن أدركتَ رمضان، قَدِّم بين يدي رمضان توبة صادقة تصلح القلب وترضي الرَّب، وتجلب الرَّحمات وتزيد الخيرات، وتمحو بها الخطايا، وتستبدل بها السَّيئات بالحسنات.

يستقبل شهر رمضان بتهيئة وتزكية النفوس وتصفيتها وتنقيتها منَ الضغائن والأحقاد التي خلخلت العرى، وأنهكت القوى، ومَزَّقَت المسلمينَ شر مُمَزق، فالذي يطل عليه رمضان وينزل بساحته، وهو عاقٌّ لوالديه، قاطع لأرحامه، هاجر لإخوانه، أفعالُه قطيعة، ودوره في المجتمع النَّميمة، أقواله سباب، وفسق، وزور، وبهتان، فهيهات.. هيهات أن يستفيد من رمضان، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه))[4]، وقال بعض السَّلَف: أهون الصيام ترك الطعام والشراب، قلت: ومراده - رحمه الله -: أن الصيام ليس ترك الطعام والشراب فحسب فهذا يقدر عليه أي أحد حتى الحيوان، ولكن الصيام الحقيقي أن تصوم الجوارح عن كل ما حرم الله، من غيبة ونميمة وسب وأذى، وسرقة وخيانة وغيرها.
وكان السلف - رحمهم الله - إذا صاموا جلسوا في المساجد وقالوا: نحفظ صومنا ولا نغتاب أحدًا.

يستقبل شهر رمضان بتطهير المال منَ الحرام، فالمال الحرام سبب كل بلاء في الدنيا ويوم الجزاء، فلا يستجاب معه دعاء، ولا تفتح له أبواب السَّماء، فما أفظعها من حسرة وندامة أن تلهج الألسن بالدعاء ولا استجابة، وربنا الرحمن يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]. فبادر رعاك الله: وانظر في نفسك وابحث في بيتك، وأدخل يدك في جيبك، وتتطهر من كل مال حرام ليس من مالك، حتى تقف بين يدي الله بقلب خاشع، ومال طاهر، ودعاء صادق، يصعد في الفضاء وتفتح له أبواب السماء.

أخرج مسلم - رحمه الله - في صحيحه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)) [5].

يستقبل رمضان على أنه مدرسة لتقوية الإيمان وتهذيب الخلق وتصفية القلب، وتزكية النفس وتقوية الإرادة.

ولكن - يا أخي الحبيب - وللأسف يأتي رمضان وفي الزَّمن تُعساء يستقبلونه على أنَّه شهر جوع نهاريٍّ، وشبع ليليٍّ، نوم في الفرش في النهار إلى ما بعد العصر، وسَمَر في الليل ممتدٌّ إلى طُلُوع الفجر، ليس رمضان عندهم إلاَّ موسم للموائد الزَّاهرة بألوان الطَّعام والشَّرَاب، ذو العمل منهم يَتَبَرَّم من عمله، وصاحب التَّعامُل يُسيء في تُعامُله، وذو الوظيفة ثقلت عليه وظيفته.

وُجُوهُهم عابسة، وصدروهم ضيقة، وألسنتهم سليطة، وغيظهم حانق، لا يرون في رمضان إلاَّ جوعًا لا تتحمله أمعاؤهم، وعطشًا لا تقوى عليه عروقهم، فيا خسارة مَن كان هذا دأبه، ويا حسرة من هذا شأنه، فوالله لقد حرم الخير الكثير، وفاته الفضل الكبير، حرم لَذَّة الصَّبر في نهار رمضان، وفَقَدَ لَذَّة المُنَاجاة في ساعات الليل الغالية، فلم تفتح له أبواب الجنان، ولم تغلق عنه أبواب النِّيران، فلا حولَ ولا قُوَّة إلاَّ بالله العلي العظيم!

ويقابل هؤلاءِ التُّعساء قوم - رضيَ الله عنهم - ورضوا عنه، يستقبلون شهرهم ليجددوا فيه صلتهم مع ربِّهم فيجدون في نهاره لَذَّة الصابرين، ويعيشون فيه عيش الأبطال المجاهدين، ويقطعون ليلهم بلذيذ المناجاة وصادق الابتهالات، إيثار جميل، وصبر كريم، وتهذيب في الخلق نبيل، لا يقابلون الإساءة بالإساءة، ولا يردونَ البذاءة بالبذاءة، ((وإن سابه أحدٌ أو قاتَلَه قال: إنِّي صائم، إنِّي صائم)) [6].

فهؤلاءِ - أخي - همُ الذين تفتح لهم أبواب الجنان في رمضان، وتغلق عنهم أبواب النيران، وتَتَلَقَّاهمُ الملائكةُ ليلة القدر بالبشر والسلام، هؤلاءِ همُ الذين ينسلخ عنهم رمضان مغفورًا لهم ذنوبهم، مكفرة عنهم سيئاتهم، مجلوة قلوبهم، طيبة نفوسهم، مُجددة بقوة الإيمان عزائمهم، قد مسح الصيام عن جبينهم وعثاء الحياة، وأزال عن أجسامهم غبار المادَّة، وأبعد عن بطونهم ضرر التخمة، وغذي إيمانهم بالقوة والنور.

أخي المسلم المبارك، يا مَن أدْرَكَ رمضان، ينقسم الناس في استقبال رمضان والاستعداد له إلى فريقين، فانظر إلى نفسك مِن أيّ الفريقينِ أنتَ!

هناكَ فريقٌ اقتدى بأولئك السَّلَف الصالح، فاتخذوا رمضان موسمًا لطاعة الله، ومضاعفة الأجور، والازدياد منَ الخير، صاموا نهاره فأحسنوا الصِّيام، وقاموا ليله فأحسنوا القيام، وبين هذا وذاك تلاوة للقرآن، وذِكر واستغفار، ونَدَم وبُكاء، خوف ورجاء، أولئكَ همُ الذين انتفَعوا برمضان حق الانتفاع.

وصنْف آخر لم يكن لهم أسوة ولا قدوة إلاَّ النَّفس والهوى، والرَّغبات التي لا تنتهي، والنَّزَوات التي لا تنقضي، والشَّهوات التي لا تقف عند حَدّ.

فهؤلاءِ لم ينتفعوا برمضان، ولم يستفيدوا بما فيه من صيام وقيام! لماذا؟!!

لأنَّ الله جعل الصيام للقلب والرُّوح فجعلوه للبطن والمَعِدة..

جَعَلَه الله للحلم والصَّبر، فجعلوه للغضب والبطش..

جَعَلَه الله للسَّكينة والوقار، فجعلوه شهر السِّباب والشِّجار..

جَعَلَه الله ليُغَيروا فيه من صفات أنفسهم، فما غَيَّروا إلاَّ مواعيد أكلهم وشُربهم وشهواتهم..

جَعَلَه الله تَهذيبًا للغني الطاعم، ومواساة للبائس المحروم الجائع، فجعلوه معرضًا لفنون الأطعمة والأشربة، يزداد الغني فيه تُخمة، والفقير فيه حَسْرة..

فقل لي - يا أخي - بالله عليك:
أي الفَريقينِ أَوْلَى بالفوز والفلاح وأحق بأن تفتحَ له أبواب الجنان، وتسد عند أبواب النيران؟!
أي الفريقينِ قد صُفِّدَت شياطينُه؟!
ومن منهم أحق بنَفَحَات الرَّحمن؟!
وَمَنِ الأحرى بمُوَافَقة ليلة القدر؟!
ومَن منهم أَوْلَى بأن تغفرَ ذنوبُه وتعتق رقبته منَ النار، ويدرك رحمة رَبِّه العزيز الغَفَّار؟!

جاء أبو أمامة إلى رسول الله - صَلَّى الله عليه وسَلَّم - فقال: مُرني بأمر ينفعني الله به فقال: ((عليك بالصِّيام فإنه لا مثل له)) [7].

وثَبَتَ عنِ المُصطفى - صَلَّى الله عليه وسَلَّم - في الحديث المتفق عليه قال: ((مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِه)) [8]، وعند البخاري قوله - صَلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((مَن صامَ يومًا في سبيل الله باعَدَ الله وجهه عنِ النار سبعينَ خريفًا)) [9].

الله أكبر، يا عبدالله، ما أوسع رحمتكَ يا رب، صيام يوم واحد يُبَاعد وجه صاحبه عنِ النار سبعينَ خريفًا، فما بالكَ بصيام شهر كامل أَلَا وهو شهر رمضان!!

أخي الحبيب - معذرة للإطالة - فأنا أحب لكَ الخير كما أحبُّه لنفسي، وَأْذَنْ لي في نهاية رسالتي إليك أنْ أهاتفَ سمعكَ بهذا السؤال فأقول:
مِن أيّ الفريقينِ أنتَ؟!
وما هيَ استعداداتكَ لهذا الشهر الكريم؟!
وكيف تستقبل هذا الضَّيف العزيز؟!

نعم - أخي - فإنِّي أراكَ تجيبُ وتقولُ بلسان الحال والمَقَال: أنا منَ الذين يستقبلون هذا الضيف العزيز، والوافد الكريم، بقلبٍ صافٍ ونفس طيبة زَكيَّة، ويسوقني الشَّوق إلى لقائه.

نعم - أخي - إنِّي لأظنكَ من هذا الصنْف الذين يسارعونَ في الخيرات، ويلهثون بالدعوات، يرجونَ رحمة الله ويخافونَ عقابه، فهمْ للخير مقدمون، وعن الشر محجمون، ومن عذاب ربهم مشفقون، ولِنعيم الله طامعونَ ومُتَطَلِّعونَ، أحسبُكَ كذلكَ ولا أزكي أحدًا على الله، والله حسيبكَ.

اللهُمَّ بَلِّغنا رمضان، ووَفِّقنا لصيامه وقيامه، واقْبَلْنَا فيه وتَقَبله منَّا، اللهُمَّ زِدْنا ولا تنقصنا، وأعطنا ولا تَحْرِمنا، وأكرمنا ولا تُهنَّا، وآثرنا ولا تُؤثِر علينا، وأرضنا وارضَ عنا، وعافنا واعفُ عنا، ولغيركَ لا تَكِلنا، واجعلنا مجتمعينَ غير مُتَفَرِّقينَ، مغفورًا لنا إن كنَّا مُذنبينَ، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأَجِرنا من خِزي الدُّنيا وعذاب الآخرة، وكَفِّر عنَّا سيئاتنا وأجزل حسناتنا، وتُبْ علينا إنَّكَ أنتَ التَّواب الرَّحيم، وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمينَ.

سبحان ربكَ رب العزَّة عمَّا يَصفونَ، وسَلام على المرسلين، والحمدُ لله ربِّ العالمينَ.

رد مع اقتباس