البداية ..
التقيت بصديق الدراسة في مطعم البيك ، كان لقاء حارا و مصادفة سعيدة ، تناولنا الطعام في الدور العلوي و تبادلنا أطراف الحديث ..
- أنا الآن طالب في جامعة أم القرى مع وقف التنفيذ ..
- لماذا؟
- أبشرك .. فشلت فشلا ذريعا بعد مرور عامين على دراستي ..
- لكنك كنت من الأوائل في الثانوية العامة
- لا تسألني عن السبب ، لكنني لم أستطع الاستمرار ، الأسباب كثيرة ، بعضها متعلق بي و بعضها بالمجتمع الجامعي و السكن ، المحصلة أنني مصاب بالعين ، مسحور ، و هذا ما يقوله طرف من زملاء السكن ، أو أنني بكل بساطة غير مقتنع ، أشعر بالزيف ، مللت من الدراسة ..
عمنا الصمت لبعض الوقت قلت له بكل بساطة :
- و أنا مثلك ، لقد تركت جامعة الملك عبدالعزيز !
ألقى بساق الدجاجة من يده و تراجع بظهره ..
- لا يمكن ، كنت السابع على مستوى جدة .. و الأول على المدرسة ، الجميع كان يعتبرك نموذجا لا يتكرر من العبقرية و حضور الشخصية ..
هززت كتفي باستهانة ..
- دخلت كلية الطب و بعد عامين و من نقاش بسيط أثناء المحاضرة دعاني أستاذي على مكتبه بابتسامة ودودة و قال لي عندما صرنا لوحدنا في مكتبه (تبقى على تقاعدي 10 سنوات و أنا الوحيد الذي يدرس هذه المادة و لذلك لن تتخرج من الجامعة مادمت أدرس هذه المادة) و لذلك حزمت حقائبي و استأجرت شقة في كوبري العمال
- كوبري العمال ،،، هههه ، قصدك جحر ..
شقة علوية في بيت شعبي متهالك ،، لكنها رخيصة ، تناسب ميزانيتي و منها سأنطلق !
- قصدك تهرب من مواجهة عائلتك مثلي ..
صمت لبعض الوقت ،، هززت رأسي بالموافقة و ان نطق وجهي بالرفض لكلامه ..
- هروب ، هذا صحيح ، و أيضا انطلاقة في عالم التجارة !
هذه المرة لم يلق بساق الدجاجة الذي صار عظما لكنه توقف عن المضغ و حدق في باستغراب ، ابتسمت رغما عني :
- لا تنس يا عادل أنني الوحيد من بينكم الذي كانت في جيبه 100 ريال في الثانوية العامة ، كلنا ننحدر من حارة واحدة و من أسر محدودة الدخل ، لكنني كنت تاجرا متجولا في سوق الأمير متعب ، أشتري أشياء من الدبابات التي تأتي محملة بالأثاث و البضائع و أبسط و أبيع و أحيانا أتجول مع البضاعة إن كانت جهازا خفيف الوزن حتى ألتقط زبونا ..
- هيئتك و الكتب التي برفقتك لا تعطي انطباعا بأنك بائع متجول أيضا ، لكن بالله عليك هل تظن أن البيع و الشراء في الحراج سيحقق لك ثروة ؟
ابتسمت و نفضت يدي
- إنني أعمل الآن على موقع حراج الالكتروني ، على شبكة الانترنت
- و سأكرر عليك نفس السؤال ..
أخذت نفسا عميقا ، أغمضت عيني لبعض الوقت ، انحنيت نحوه :
- خلال 3 سنوات سأحقق المليون الأولى من تجارتي في موقع حراج !
نظر نحوي بغير تصديق ، ضيق عينيه ، أخذ يفكر لبعض الوقت ، قال أخيرا :
- بين الجنون و العبقرية حاجز رقيق كما يقولون ، و أظنك كسرت هذا الحاجز ، و رغم ذلك سأكون مجنونا معك ،، هل تقبل بي مرافقا و شريكا في السكن و تلميذا ..
- أقبل ما دمت ستدفع نصف مبلغ الإيجار !
و هكذا انطلقت رحلتنا المجنونة !