التلميذ النجيب
الخسارة الأولى التي فقد فيها عادل كل ما في جيبه و فقد معها شيئا من كبريائه جعلت منه تلميذا مطيعا ،، أذعن لي عندما أمرته أن لا يبيع و يشتري ، أمرته أن يدخل السوق في بداية الأمر و أن يقرأ كل الإعلانات المنشورة في موقع حراج في قسمي (الأثاث) و( الأجهزة ) ، ظل يقرأ لبعض الوقت حتى أصابه السأم فألقى بالجوال جانبا و مط ظهره و هتف بتبرم :
- لماذا أقرأ؟
- حتى تعرف السوق و تفهم لغة التجارة ، مع الوقت سيبدأ دماغك في العمل ، سيصنف الأشياء ، هذا إعلان لنصاب ، و هذا إعلان ثمين ، هذا أسلوب ناجح في الإعلان و هذه طريقة رائعة في التفاوض ، و أمور كثيرة ستنجلي لك مع القراءة المطولة .
تربع في جلسته، ارتشف الشاي و أخذ يحدق في الفنجان و كأنه يفكر و يتأمل، اصيب بالفزع عندما أدرك أن مخزون الشاي قد نفد فهب ليجهز برادا آخر.
ظل يقرأ لعدة أيام ،، كنت أضغط عليه في بداية الأمر ، لكنه في النهاية انهمك في القراءة بأكثر مما كنت أرجو ،، جاءني مذهولا بعد مرور أسبوع كامل :
- موقع حراج ذهب !! ، فلوس منثورة في الشارع !! ،، أموال طائلة ،، فرص محققة للثراء !!
ابتسمت و أنا أهز رأسي :
- هذا ما قلته لك منذ البداية ،، الموقع واسع و متشعب و فيه زوايا دقيقة ، و فرص متعددة للثراء ،، المسألة ليست في البيع و الشراء فقط بل بالمعرفة التي ستتراكم لديك ، معرفة بحركة المنتجات و سلوك الناس المالي و اتجاهات التجارة .
فرك يديه و عيناه تبرقان ،، كان يشعر أنه صار جاهزا لخوض المغامرة ، قلت له :
- عليك الآن أن تبسط بسطتك و أن تبيع و تشتري
نظر لي و هو يشك بقواي العقلية ، سألني ساخرا :
- أبسط بسطتي ،، كيف ؟ هل تقترح أن أدخل من شاشة الجوال مثلا ؟؟ أنت تتكلم عن سوق افتراضي ، لا شيء على أرض الواقع
- أعلم ذلك يا صديقي ،، ما قصدته أن تبدأ في نشر إعلانات في الموقع ..
- لكنني لا أملك شيئً لأبيعه .
- اعرض بضائع وهمية !
نظر لي مذهولا ،، لم يفهم ،، أخذت نفسا عميقا ، أمسكت بيده و سرت نحو المطبخ :
- هل تشاهد ثلاجتنا العزيزة هذه ؟ اعرضها للبيع ..
- و لكن ..
- نفذ دون جدال !
و هكذا أنزل عادل إعلان الثلاجة في الموقع ،، قرأت نص الإعلان و شاهدت الصور الكثيرة ،، ضحكت رغما عني ،، قطب جبينه ،، كور قبضتيه و كأنه سيضربني :
- لماذا تضحك ، لقد صغت الإعلان بطريقة احترافية ..
تراجعت بعيدا عن قبضتيه و أنا أكتم ضحكي :
- بطريقة الباعة المحترفين في الموقع ،، صحيح ،، و هذا ما سينفر الزبائن ، كثير ممن يدخلون الموقع يريدون الشراء من السعوديين الطيبين ، السمحين في البيع و الشراء ، الصادقين في توضيح عيوب السلعة ، و لا يريدون الشراء من التجار الفجار كما يسمونهم !
- صقور الموقع ؟؟
- بالضبط ،، و لذلك تكلم بأسلوب مبسط في الإعلان و التقط صورة واضحة لكن غير احترافية !
- ننتحل صفة السعوديين الطيبين لا التجار الأشرار ؟ نخدع الناس ،، لقد صرنا مثل الصقور إذن !
- لا ، نحن سعوديون طيبون حقا ، و نحن تجار نتاجر بشرف و لا نبيع قيمنا و أخلاقنا لجني المال بطرق ملتوية و احتيالية و قذرة !