مستقبلنا بين قنبلتين
يهدد معالي وزير العمل، الدكتور غازي القصيبي، بفرض الحد الأدنى للأجور متسائلاً: هل يمكن لمبلغ من 800 ريال أن يكون راتباً لشاب ومصروفاً لشهر. والمفارقة أننا نجد ذات النقيض الصارخ في كل الشركات، وعلى الأقل في تلك التي تتحفنا بظهورها على شريط شركات المساهمة حيث المدير التنفيذي يحصد في المعدل 150 ألف ريال في الشهر الواحد، وحيث أبناؤنا الشباب مجرد حراس أمن على بوابات الشركة بألف وخمسمئة ريال في المعدل. هنا، وبهذه المعادلة المبرهنة أصبح سعادة المدير العام يساوي مئة شاب في الشهر الواحد. هذه أرخص قيمة للإنسان، وبالمجموع المئوي، في مقابل أغلى قيمة لإنسان آخر، وبالفرد المجرد. قيمة الإنسان هي قمة الإصلاح ومشروعه الأساس وقيمة الإنسان ليست في ديته عند القتل الخطأ بمئة ألف ريال وهو في الطريق إلى القبر، بل هي قيمة كرامته في لقمة عيش شريفة عندما يكون على قيد الحياة. قيمة الإنسان أن نحترمه وهو ينظر للمفارقات المدهشة، وعلى الأقل أن نجد له طريقة لا يصل عبرها لقراءة الأرقام: لا يمكن لشاب، وهم بالآلاف، أن يهضم الفتات آخر الشهر فيما الأرقام تقول الحقائق التالية: نحن أكبر قطاع خاص في كامل الشرق الأوسط. نحن وحدنا ثلث الناتج القومي للخليج وربع ناتج العالم العربي الإجمالي. نحن ناتج قومي سنوي تريليوني ونحن أيضاً احتياطي نقدي بضعف ذلك الناتج. نحن مع مجموعة - العشرين - على رأس القوى الاقتصادية العالمية. نحن السوق الحرة العملاقة التي يقتات عليها اليوم عشرات الملايين من وافدي الداخل ومن شركات الخارج فلا أحد اليوم يملك تغطية العيون أن تقرأ هذه الحقائق. إذا لم يقم القطاع الخاص بدوره في الشراكة الاجتماعية فليذهب مشكوراً إلى دكا ودلهي وإسلام أباد ومانيلا ليرضع الأفواه هناك بدلاً من أن يرضعها بين ظهرانينا ونحن ندفع ضريبة هذا القطاع الأناني في نسقنا الثقافي وتركيبتنا الاجتماعية. ومرة أخرى، قمة الإصلاح هي الإنسان ونحن من المستحيل أن نعيش المستقبل بقنبلتين على الجنبين: قنبلة الوافد الأجنبي ونحن نتفرج عليه، بل أجراء لديه في شيء اسمه قطاعنا الخاص، وقنبلة عشرات الآلاف من شبابنا الذين يعملون شهراً كاملاً براتب يذهب لفاتورة الجوال.