كيف تتغلب على ضغوطات العمل؟
(إن سر النجاح يكمن في أن تستمتع بالعمل، كما لو كنت في أجازة) مارك توين.
تعتبر الضغوطات من الأشياء التي يتعرض لها الفرد بصفة مستمرة، سواءً أكانت في العمل أو في المنزل أو غير ذلك، وكثيرًا ما تصيب الأفراد والعاملين داخل الشركات والمؤسسات، ويكون لها أثر بالغ على كفاءتهم في العمل، ويكون لها أيضاً آثار نفسية، وأعراض جسمانية واضحة.
وحتى تتغلب على مثل هذه الضغوطات، فلابد من الإجابة على السؤال التالي: ما المقصود بضغوطات العمل؟ إنه السؤال الذي يجيبنا عنه باكس ديكوتاس، فيقول: (هي شعور الفرد باختلال في حالته البدنية والنفسية؛ نتيجة للظروف الموجودة في بيئة العمل)، بينما يرى لوثاناس أنها (استجابة الجسم لمجموعة من المتغيرات البيئية، والتي يترتب عليها العديد من الانحرافات والآثار السلوكية، والفسيولوجية، والنفسية للعاملين في المنظمة)، بينما يجملها كل من كوبر ومارشال في أنها (مجموعة من العوامل البيئية السلبية مثل عبء العمل الزائد).
إذا عرف السبب بطل العجب.
وأيًّا كان تعريف الضغوطات، فلابد أن نعلم بأن أول الطريق نحو السيطرة على ضغوطات العمل، وتحويلها وقودًا للحماس والاجتهاد، هو من خلال التعرف على أسباب تلك الضغوطات، وإليك ـ عزيزي القارئ ـ جملة من أهم تلك الأسباب، وذلك كما يلي:
1. غموض الدور:
ويقصد به عدم وضوح متطلبات وأهداف الوظيفة التي يشغلها الفرد؛ مما يؤدي إلى حدوث نوع من العشوائية في اتخاذ القرارات المرتبطة بهذه الوظيفة، وتلك العشوائية والتي هي دلالة على سوء الإدارة من أهم أسباب الضغوطات، وهذا ما يؤكده د. جون هوارد بقوله: (إن الإدارة السيئة هي السبب الرئيس للتوتر)، ومثال لتلك العشوائية: أن يقوم موظف بشغل وظيفة جديدة لا يعرف عنها أي شيء، أو لم يتلقى التدريب الكافي لأدائها.
وقد يكون غموض الدور نتيجة لعدم معرفة الموظف لفرص النمو والترقي المتاحة له في المستقبل، خاصة مع تقدم سنه، وشعوره بأنه في آخر حياته الوظيفية، وهذا يولد لدي الفرد شعوراً بالإحباط والاستياء من عمله، وكذلك انخفاضاً في الشعور بالانتماء للمؤسسة.
كما قد ينتج غموض الدور عن عدم وجود قواعد وسياسات عمل واضحة بالمؤسسة للتعامل مع العاملين، فقد تكون هذه السياسات مقيدة لحرية الأفراد، ولا تعطي لهم فرصة المشاركة في اتخاذ القرار، أو إبداء الرأي.
2. الأعباء الوظيفية:
ومثال ذلك حينما يطلب المدير من أحد موظفيه تقديم عدة تقارير في وقت قليل، وقد تتولد تلك الأعباء أيضًا حينما لا تتناسب الوظيفة مع خبرة الموظف أو مهارته، مثل أن يعمل في إدارة التسويق، بينما تكون موطن مهارته وخبرته في إدارة الإنتاج مثلًا.
وتساهم الأعباء الوظيفية الزائدة بصفة عامة في إصابة الإنسان بأمراض تصلب الشرايين، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الكولسترول في الدم، وازدياد معدل ضربات القلب، وأيضاً ارتفاع ضغط الدم، وغيرها مما يؤثر على كفاءة الفرد في عمله.
وزيادة تلك الأعباء الوظيفية يولد من دون شك إرهاقًا شديدًا للأفراد، وهذا الإرهاق مولد للقلق، ومهدر لطاقة الأفراد، مما يضعف الإنتاج، ولذا يصفه ديل كارنيجي فيقول: (الإرهاق أحد المصانع الكبرى للقلق).
3. عدم المشاركة في اتخاذ القرارت:
فالمشاركة في عملية اتخاذ القرارت تخفف من تأثير الضغوطات على الفرد؛ فهي تشعره بأهميته، وتفجر ينبوعًا من الطاقات داخله، يجعله ينسى كل المشقة التي تصيبه؛ جراء ما يقوم به من وظائف، وما يضطلع به من مهام؛ ولذا فالمدير الفعَّال والناجح هو الذي يستطيع أن يشرك موظفيه في عملية اتخاذ القرارت داخل مؤسسته.
4. البيئة المحيطة:
وربما يهمل البعض تأثير البيئة المحيطة بالعاملين والموظفين، ولكن لتلك البيئة تأثير كبير على الكفاءة والأداء، ونعني بالبيئة عدة أمور من أهمها:
أ- درجة الحرارة: فقد تؤثر الحرارة على أداء الفرد، بصفة خاصة عندما يكون العمل خارج المباني، أو في جو شديد الحرارة أو البرودة.
ب- الضوضاء: فهي سبب رئيس في فقدان التركيز أو ضعفه؛ مما يجعل إتمام المهام أشد صعوبة، وأكثر إهدارًا للوقت والجهد.
ت- تلوث الهواء: ففي بعض المناطق تكون رحلة الذهاب إلى العمل والعودة منه مصدراً من مصادر الضغوط؛ بسبب ما يتعرض له الفرد من هواء ملوث بعوادم السيارات، فمثلًا في المكسيك أصبحت العاصمة مكسيكو سيتي تواجه هذه المشكلة الخطيرة، بل وتعتبر من المشكلات الكبيرة التي تعاني منها هذه المدينة، وتؤثر تأثيرًا مباشرًا على العاملين بها.
دراسة واقعية.
وقد تم عمل دراسة للعلاقة بين ضغوط العمل والأداء داخل المؤسسات، وتم تطبيقها علي مجمع الدخيلة بمصلحة الجمارك المصرية بالأسكندرية، التابعة لوزارة المالية، وتوصلت هذه الدراسة إلى عدة نتائج هامة، وهي أن من العوامل التي تسبب ضغوط العمل للموظفين، الضوضاء، وقلة الإضاءة، إضافة إلى كثرة الأعمال التي يقوم بها الأفراد، وأوضحت هذه الدراسة أن 80% من الموظفين يتعرضون لضغوط العمل؛ وبالتالي هم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض الناتجة عن هذه الضغوط، وعلى الرغم من ذلك نجد أن 65% من هؤلاء الأفراد لا يتوقعون حدوث أمراض لهم من أداء وظائفهم، كما أثبتت نتائج الدراسة وجود ارتباط بين ضغوط العمل وأداء الموظف داخل المنظمة، وانتهي البحث ببعض التوصيات؛ لتخفيف حدة الضغط علي العامل، ولتحسين أدائه وتوفير المناخ التنظيمي الصحي داخل المنظمة.
كيف السبيل؟
ولكن ما هي الطرق التي نستطيع من خلالها السيطرة على تلك الضغوطات؟ وما هي السبل التي نستطيع أن نجعل بها تلك الضغوطات محركة ودافعًة إلى العمل والإنتاج؟ وإجابة على تلك الأسئلة، إليك ـ عزيزي القارئ ـ جملة من تلك الطرق والسبل، ومن أهمها ما يلي:
1. زيادة الإهتمام ببيئة العمل المادية وتحسينها، وذلك بتهيئة المكان المناسب والملائم لطبيعة العمل، وكذا زيادة الإضاءة في أماكن تواجد الموظفين، وتنظيم العمل بطريقة تحد من الضوضاء في البيئة المحيطة بالعاملين.
2. الاهتمام بإيجاد بيئة عمل جيدة، تقوم علي أساس الاحترام والتقدير المتبادل بين أفراد المؤسسة، ووضوح العلاقة بين الرئيس ومرؤوسيه، والتركيز علي العلاقات الإنسانية، ومشاعر الدفء بين جميع العاملين.
3. إعطاء سلطة وحرية أكثر للعاملين لتحمل المسئولية دون خوف من الأخطاء.
4. التركيز علي العلاقات الإنسانية بين الأفراد داخل المؤسسة؛ للتخفيف من الصراعات التي يمكن أن تنشأ بينهم، وذلك من خلال الاهتمام بالأنشطة الاجتماعية، والدورات الترفيهية، والرحلات الهادفة، للابتعاد عن أجواء العمل المشحونة بالضغوطات، وأيضًا من أجل رفع الروح المعنوية للموطفين، وزيادة قدرة الفرد علي الأداء والعمل بجدية ونشاط.
5. زيادة الاهتمام بالدراسات الميدانية المتعلقة بظاهرة ضغوطات العمل، والتعرف على أهم مسبباتها، والعمل علي علاجها؛ للمحافظة علي صحة الموظف، ورفع أدائه داخل المنظمة.
6. تحديد الرؤية المستقبلية للوظيفة التي يشغلها الموظف، وتحديد فرص الترقية، ووضع الضوابط مع مراعاة العدالة؛ لتحفيز الأفراد لرفع أدائهم.
وختامًا، لابد وأن نعلم أن ضغوطات العمل تحمل بين ثناياها فرصًا للنجاح، ومضمارًا للتحدي، ولكن ذلك يتوقف على كيفية التعامل معها، وإدراك ماهيتها، فكما قالوا قديمًا: (الشدائد تصنع الرجال).
أهم المراجع.
1. السلوك التنظيمي، محمد إسماعيل بلال.
2. السلوك التنظيمي، راوية حسن.
3. السلوك الفعال في المنظمات، صلاح الدين محمد عبد الباقي.
4. السلوك التنظيمي، د.أحمد ماهر.
5. نعم تستطيع، سام ديب وليل ساسمان.
6. أسرار قادة التميز، د. إبراهيم الفقي.