هل أصبح زواج الأنترنت أفضل من الزواج التقليدي؟!
بهرت الانترنت تلك الشبكة المعلوماتية الهائلة التي تربطنا مع العالم الإنسان فدأب على اكتشاف أسرارها ومعرفة خباياها، واستحوذت على اهتمام الكثيرين من الناس من مختلف الأجناس والأعمار, حيث ازداد عدد المستخدمين لهذه الشبكة من الشبان الذين يرتادون مقاهي الانترنت ناهيك عن دخول هذه الخدمة الى معظم البيوت لا سيما بعد تخفيض تكلفته .
إلا أن هذه الشبكة أصبحت تستخدم لأغراض بعيدة كل البعد عن الأهداف التي وجدت لأجلها كاصطياد الفتيات والإيقاع بهن تحت مسمى(الحب) وبات الحب والزواج عبر الانترنت ظاهرة جديدة ومتفشية في بعض الدول, وأصبح الكثير من الشبان يعيشون الوهم ويركبون موجة الأحلام ليهربوا من الواقع الى عالم افتراضي منسوج عبر كلمات خارج الزمان والمكان حيث يداعب الشاب الفتاة بكلمات رنانة واسلوب ساحر حتى تقتنع بأن هذا الشاب هو فتى الأحلام المنتظر وعبر هذه الشبكة يتم التعارف وإقامة صداقة تتطور لعلاقة حب وتعلق كل من الطرفين بالآخر وقد تنتهي بالاتفاق على الزواج,
وتدل معظم الإحصائيات على الانتشار الكبير لهذه الظاهرة وتعتبر تونس أحد أكثر الدول تقدما في هذا المجال حيث يرى علماء الاجتماع أن تحرر المرأة في تونس خصوصا في السنوات الأخيرة، وانفتاح الشباب التونسي على حضارات غربية، جعل إقامة هذا النوع من العلاقات ممكنا ومقبولا, فبعد أن كان يُنظر للحب على أنه أحد المحرمات وأن اختيار الزوجات والأزواج من اختصاص الوالدين، أصبح بامكان الشباب الاعتماد على أنفسهم وعلى الانترنت في اختيار شريك أو شريكة العمر، متخطين بذلك الخجل الذي قد يصاحب مثل هذه المواقف وأصبحت هذه الشبكة نوع من الأقنعة التي تشجع الصغار والكبار على خوض مثل تلك التجارب العاطفية, كما فتحت آفاقا جديدة أمامهم للانخراط في العلاقات الأجتماعية والبحث عن الحب كامتداد طبيعي للحياة البشرية بدلا من الانعزال.
يبدأ الحديث بكلمة فسلام يقودهم لبداية الطريق ، كلها ستكون حاضرة في الموعد المحدد، ولكن وسيلة نقلها ستكون هذه الشاشة وعدة أزرار وليس أكثر, فبدلا من خطابات المحبين التقليدية، تحولت المشاعر الى مخاطبات البريد الالكتروني ,فقد يكون هذا الحب جذابا لكثير من الشبان الذين يبحثون عن الحب الضائع في حياتهم، بسبب خجلهم من الحديث وجها لوجه فيما يعتبره بعضهم وسيلة ممتعة لشغل أوقات الفراغ، وقد يكون حلا لمشكلة الفصل بين الجنسين، وأفضل طريقة تعارف وبناء علاقات قد تفضي أحيانا الى الزواج ، وزوار هذه المواقع لا يكشفون عن هويتهم الحقيقية غالبا، وقليلون هم من يقولون الحقيقة للطرف الآخر فنجد الشاب يضع في شخصيته كل ما تمنى وجوده فيها ولكنه لم يستطع على أرض الواقع فتراه يقدم نفسه في أفضل صورة، ليتضح بالنهاية أن الشاب الوسيم ما هو إلا شاب لا يملك من الجمال ما يمكنه من إغراء أي فتاة, وقد يكون خلف ذلك الاسم الأنثوي الجميل رجل، وخلف ذلك الاسم الذكوري فتاة ناعمة ففي الانترنت نحن أشبه ما نكون في حفلة تنكرية خلف الحُجب المادية والمعنوية. ومن السهولة بمكان عبر الانترنت ادعاء شخصية مختلفة عن الشخصية الحقيقية, وكثيراً ما يتم تقمص شخصية أخرى بوعي أو دون وعي, ومن الصعوبة بمكان كشف الادعاء والزيف بدون لقاءات عدة وجها لوجه, فقد يظهر لنا الطرف الآخر وكأنه الفارس الشهم النبيل والفنان المبدع الأصيل و.. و.. وإذا تم التعارف عن قرب فإننا سرعان ما نكتشف شخصية مهلهلة رثة بعد أن تكوّن في خيالنا شخصية واثقة متفائلة قوية.
لكن في نفس الوقت قد تنجح علاقات يلتقي فيها الطرفان على الصدق من البداية, ولكن مشكلة هذا اللقاء أنه يتم بدون رقيب ولا حسيب, والحاجز الاجتماعي على علاّته وعقده ومشكلاته هو الضامن الرئيسي لأن تبقى الشخصية ضمن إطار محدد وإن كان إطاراً سيئاً تقليدياً, وتكون المسؤولية الاجتماعية معدومة على الانترنت إذا لم يكن لدى الشخص رادع يمنعه من التلاعب بعواطف الطرف الآخر, فنجد أشخاص يتميزون بقدرة فائقة على اختراع القصص وجهاً لوجه فكيف إذا اختبئوا خلف حجاب الانترنت الذي يتيح لهم إطلاق مواهبهم في الكذب والخداع إلى أعلى درجة وبالتالي ملامح الشخصية عبر الانترنت هي ملامح هوائية لا يبدو منها إلا ما ركبناه نحن عن الطرف المقابل, وكلما كان الخيال جموحاً كما في سن المراهقة والشباب كلما كانت الخطورة أكبر في تكوين العلاقات.
وهنا يمكن القول أن ما يدفع الشاب أو الفتاة للتفكير بالزواج عبر الانترنت أحيانا هو الرغبة في الاختيار بعيداً عن ضغوط الأهل وقراراتهم التي كثيراً ما لا تتلاءم مع طموحات الشاب أو الفتاة في اختيار شريك حياة متآلف ومتفاهم, فقد يكون للأهل نظرة مختلفة عن نظرة الشاب أو الفتاة المؤهلين للزواج, وأبسط سبب لهذا الاختلاف هو الافتراق بين الأجيال الناجم عن اختلاف المؤثرات التي يتعرض لها كل جيل؛ فالدردشة عبر الشبكة تتيح تبادل الأفكار وقد تتيح شيئاً من المعرفة الشخصية إذا كان الطرفان صادقين, إضافة إلى أن مواقع الزواج على الانترنت قد تساعد في التعارف بين طرفين لا تسمح لهم العادات والتقاليد بالألتقاء المباشر كما هو الحال في المجتمعات المحافظة، حيث نجد في السعودية أن الفتيات بدأن باقتحام وسائل جديدة وغير تقليدية للارتباط الزوجي، فهناك عدداً منهن قد عثرن على ضالتهن وسجلن تجارب ناجحة بهذا المجال فوجدن أن الإنترنت من أهم الوسائل العصرية التي من الممكن استخدامها للبحث عن شريك الحياة، وذلك لما تتيحه هذه التقنية من فرصة التعارف عن بعد من خلال مواقع المحادثة و الزواج.
وتكون المشكلة أكبر عندما يكون زواج الإنترنت لتحقيق مصلحة شخصية ففي السودان مثلا يبحثن الفتيات عن الزواج عبر الانترنت أو صفحات المجلات طمعاً في السفر الى خارج السودان وتغيير أسلوب حياتهن في بلادهن، وهي رحلة بحث عن الراحة ولكنها في نفس الوقت محفوفة بالمخاطر لأن بحث هؤلاء الفتيات عن الأزواج في الشبكة ، ليس لعدم وجود أزواج في السودان، وإنما لمصلحتهن في الزواج من أجنبي يمكن ان يحقق لهن أمنياتهن في الهجرة خارج السودان، وخلاص لهن من حالة الإحباط التي تعانيها بعض الفتيات من ذوات الأسر البسيطة، لكن غالبا ماينتهي هذا الزواج بالفشل كنتيجة طبيعية للغرض الذي تم لأجله .
وقد حاولت من خلال بحثي هذا معرفة بعض الآراء حول قبول أو رفض زواج الأنترنت من خلال أستطلاع لآراء طلاب كلية الآداب جامعة دمشق التي كانت ما بين مؤيد ومعارض.
حيث ترى (سارة) طالبة الإعلام السنة الثالثة أن الانترنيت وسيلة عصرية تسهل زواج الشباب وتقلل من العنوسة كما ساعدت في إتمام الزواج للناس الذين تحكمهم العادات والتقاليد القاسية وكذلك الذين يعيشون فى المهجر ولهم الرغبة فى الاستقامة والحياة الزوجية الصحيحة حيث يساعد الإنترنت معايشة الحياة قبل الزواج ومعرفة كل طرف ظروف الطرف الأخر وأفكاره وتقاليده قبل فوات الأوان ,شرط فرض رقابة اجتماعية وتربوية على مواقع الزواج الالكترونية ومنع المشاركين من العبث واللهو كذلك منع الأشتراك بها دون سن محددة لعدم اكتمال النضج مع توعية الناس على ضرورة أخذ أمر الزواج بالجدية وليس للتسلية.
ويرى (عمار) طالب التاريخ أن الانترنت قد يكون وسيله جيده لزواج سعيد شرط الالتزام بالآداب الإسلامية بمعنى مراعاة حرمة البيوت وعلم الاهل والا تكون وسيله لنشر صور لاتليق كأسلوب لعرض بيانات الزوجة وتقتصر فقط على بيانات حقيقية عن الصفات الشخصية والامال والطموحات التي يسعون إليها ومايتمناه كل طرف من الاخر وآراء كل طرف في قضايا مختلفة يتناقشون بها قد تكون أساسا قويا لعلاقتهما.
في حين ترى( منى) طالبة علم الأجتماع أن الزواج الذي يتم عن طريق قصة حب او تعارف مباشر قد يفشل فما بالك بالتعارف والزواج عن طريق الانترنت (لا اظن ان نجد هناك صدق او صراحة عند الطرفين ونادرا ما نجد ان زواجا تم عن طريق النت وكتب له النجاح او الاستمرار لان الزواج لا يتم الا بالايجاب والقبول وذلك بعد ان يرى الطرفان بعضهما بصورة مباشرة وليس بالكاميرا فالوسيلة المجدية والبعيدة عن كثير من المشاكل هي الوسيلة التقليدية عن طريق الأهل والمعارف او الزمالة لأن التزكية مطلوبة والمعرفة مطلوبة و تكون هناك فترة خطبة يتعارف فيها الطرفان على بعض قبل ان تقع الفاس في الراس ويندم كل على فعلته في الوقت الذي لا يفيد الندم .
من خلال هذه الآراء وجدت الانقسام الواضح ما بين مؤيد ومعارض لفكرة زواج الانترنت كما هو الحال بين مواقف رجال الدين والحكم الشرعي من هذه المسألة.
حيث يرى مفتي الديار المصرية الشيخ علي جمعة أن عمل الوكالات المتخصصة في مساعدة راغبي الزواج في العثور على شركاء حياتهم جائز بما في ذلك مواقع الإنترنت التي تقدم هذه الخدمة و يذكر أن السنوات الأخيرة شهدت زيادة سريعة في هذا النوع من الزواج، والتي يساعد بعضها عرب المهجر على الزواج شرط إدلاء الراغبين بالزواج بمعلومات صحيحة عن أنفسهم، وألا تقدم أي فتاة على هذه الخطوة إلا بعلم أسرتها أو ولي أمرها ,لكن الفتوى حرمت عمل الوكالات والمواقع التي تعمل من أجل الكسب المادي فقط، وتلك التي تشجع الفتيات على الالتقاء براغبي الزواج دون علم أسرهن.
في حين يرى الشيخ (الحبيب علي الجفري): أن الزواج بالانترنت لا يحقق لنا معرفة أخلاق من نتزوج، (فالمرأة تنكح لجمالها ومالها وحسبها ودينها) و(إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) فالعوامل والمقومات التي يقوم عليها الزواج في الإسلام لا يستطيع الانترنت أن يحققها، وغاية ما يستطيع تحقيقه إظهار صورة الشخص المقبل على الزواج عن طريق إدخال الصورة على الكمبيوتر، أما السيرة وهي الأهم من الصورة فلا يمكنها أن تظهر عن طريق الانترنت، فكيف يتسنى للزوج أو الزوجة معرفة حقيقة كل منهما دون أن يعرفوا بعضهم بعضا حقاً عن طريق تعارف الأهل والسؤال عن الطرفين لدى الآخرين فربما تكون سيرة أحدهما وأخلاقه لاتناسب الطرف الآخر وقد يحاول إخفاءها بما يحقق مصلحته وهذا غش وخداع وبذلك لا يمكن أن نحقق الأهداف والمقاصد السامية من الزواج عن طريق الانترنت .
نهاية لابد من القول أن زواج الانترنت قد يكون أفضل من الزواج التقليدي ويحقق النجاح والاستمرارية إذا كان قائما على الصدق وحسن النية ورغبة حقيقية بالارتباط وبناء أسرة بعيدا عن الخداع والكذب والتسلية ..
منقووووووووووووووووووووول للامانة