ناصية شارع، قارعة طريق، حافة على مدخل مبنى، فسحة صغيرة أمام محل تجاري، رصيف متوسط العرض... كلها أماكن عامة، في أحياء شعبية، تشكّل أمكنة مثالية، تتجمهر فيها أعداد من الشبان.
يتوزعون بين جالس ومتأهب، يقل عددهم أحياناً عندما ينسحب أحدهم من أجل أداء «مهمة» معينة، كالأكل في المنزل، ويكثر العدد أحياناً أخرى عندما ينضم إلى جلستهم، بعض الزوار العائدين من أماكن عملهم أو مراكز دراستهم.
النارجيلة، طاولة الزهر، ورق اللعب والدراجات النارية وغير ذلك هي أدوات ملازمة لهذه الجلسات. بعضهم من المراهقين، وتنضم إليهم قافلة أشخاص من أعمار مختلفة، قد تتجاوز الأربعين.
شبان معروفون في الحي الذي يحتلون زواياه. بعض قاطني الشارع يصنّفونهم «عاطلين من العمل»، أو « »
، وآخرون يحرصون على أن يختلقوا لهم أعذاراً، لا سيما من لديه ولد أو أخ منزوٍ بينهم.
في كثير من الأحيان، يعلو صراخ من ناحيتهم، ويبدأون الركض في الشارع، ويتطلب الأمر بضع دقائق حتى تتبلور الأمور: «الشباب يمازحون بعضهم بعضاً».
مزاح يتحول في أوقات مختلفة «إشكالاً» حقيقياً، تنخرط فيه «جماعة» الزاوية الأخرى، ولا يُحل إلاّ بتدخل من كبار الحي وتوسّط القيمين عليه، خوفاً من أن يصل الأمر إلى الشرطة.
هم «الحلقة الأضعف»، تطلب أمهاتهم أن يخرجوا من المنزل وألاّ يجلسوا كالنسوة، يشاهدون التلفزيون أو يقضون أوقاتهم منطرحين في السرير. وفي الوقت نفسه، لا تسمح لهم أحوالهم الماديّة بأن يقوموا بنشاطات معينة. وهكذا يتحوّلون إلى «مَعْلم من معالم الشارع»، أو يصبح وضعهم المادي الصعب نقطة يسهل استغلالها في أعمال «مشبوهة»، تصل في بعض الأحيان إلى تنفيذ عمليات عسكرية، أو الالتحاق بجماعات هدفها شحن الأجواء وافتعال المشكلات، وتنتهي باعتقالهم أو مقتلهم. ويتحولون وقوداً لتظاهرات كبيرة واعتصامات «مليونية»، كما يقال في لبنان... فضلاً عن أنهم يبقون عالة على ذويهم،من السرير، إلى المقاهي ونواصي الشوارع... فالسجون والمعتقلات... العاطلون من العمل ضحية ندرة في الفرص الوظيفية وضيق في سوق العمل. وتكشف دراسة أخيرة للبنك الدولي (ربيع 2008) أن المغرب، مثلاً، يملك النسبة الأدنى، بين البلدان العربية، في البطالة بين حملة الشهادات العليا (29،6 في المئة، من أصل نسبة بطالة عامة تبلغ 9،8 في المئة). وترتفع هذه النسبة إلى أقصاها في مصر (80 في المئة)، تليها البحرين (59 في المئة)، فالأردن وتونس (43 و42،5 في المئة)، ثم عُمان والجزائر (39 و37،8 في المئة).
فضول شديد يدفعنا إلى معرفة كيف يقضي هؤلاء المتبطّلون الشباب أوقاتهم... كل يوم؟
تحياتي