الشعاع السابع
...
..
الآيــة الكـبـرى
مشاهدات سائح يسأل الكون عن خالقه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بِسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيمِ
(تُسَبِّحُ لَهُ السَّمواتُ السَبْعُ وَالاَرضُ وَمَنْ فيهِنَّ وإنْ مِنْ شَيءٍ إلاّ يُسَبِّحُ بِحَمدِهِ وَلكِنْ لا تَفقَهونَ تَسبيحَهُمْ إنَّهُ كانَ حَليماً غَفُوراً) (الاسراء: 44)
ان آيات كثيرة في القرآن الكريم - أمثال هذه الآية العظمى - تذكر في مقدمة تعريفها لخالق هذا الكون "السماوات" التي هي أسطع صحيفة للتوحيد بحيث ما يتأمل فيها متأمل إلاّ و تغمره الحيرة ويغشاه إلاعجاب، فيستمتع بمطالعتها بكل ذوق ولذة ؛ فالأولى إذن أن يُستهل بها.
نعم؛ ان كل من يأتي ضيفاً الى مملكة هذه الدنيا ويحل في دار ضيافتها، كلما فتح عينيه ونظر رأى:
مضيفاً في غاية الكرم.. ومعرضاً في غاية الابداع.. ومعسكر تدريب في غاية الهيبة.. ومتنزهاً جميلاً في غاية الروعة.. ومشهراً في غاية الاثارة للشوق والبهجة.. وكتاباً مفتوحاً ذا معان في غاية البلاغة والحكم ..
وبينما يولع الضيف السائح ان يعلم ويتعرف على صاحب هذه الضيافة الكريمة، وعلى مؤلف هذا الكتاب الكبير، وعلى سلطان هذه المملكة المهيبة، اذا بوجه السموات الجميل المتلألئ بالنجوم النيّرة يطل عليه منادياً:
"انظر اليّ، فانا اعرّفك بالذي تبحث عنه".
فينظر السائح ويرى:
أن ربوبية ظاهرة تتجلّى:
في رفعها مئات الالوف من الاجرام السماوية بلا عمد ولاسند، منها ما هو اكبر من أرضنا ألف مرة، وما هو أسرع إنطلاقاً من القذيفة بسبعين مرة.
وفي تسييرها وجريها تلك الاجرام معاً بسرعة فائقة بلا مزاحمة ولا مصادمة..
وفي ايقادها تلك القناديل المتدلية التي لاتعد، بلا زيت ولا إنطفاء..
وفي ادارتها تلك الكتل الهائلة التي لا حد لها، بلا ضوضاء ولاصخب ولا اختلال.. ويرى تجليها كذلك:
في تسخيرها تلك المخلوقات العظيمة في مهام معينة كاستسلام الشمس والقمر لأداء وظائفهما دون إحجام أو تلكؤ..
وفي تصريفها هذا العدد الهائل الذي لاتحده الارقام ضمن ذلك البعد الشاسع غير المتناهي ما بين دائرة القطبين
تصريفاً يجري في الوقت نفسه، وبالقوة نفسها، وبالطراز نفسه، وبسكة الفطرة نفسها، وبالصورة نفسها، ومجتمعة، دون ان تصاب بـأدنى نقص او خلل..
وهاله ما يرى من تجلي الربوبية:
في اخضاعها تلك السيارات الضخمة التي تملك قوى هائلة ومتجاوزة لحدودها، منقادةً مطيعةً لقانونها ان تتجاوز او تنحرف.
وفي جعلها وجه السماء صافياً نقياً يتنظف طاهراً مما تلوثه انقاض تلك الاجرام المزدحمة دون ان يُرى عليه قذى ولا أذى.
وفي سَوقها تلك الاجرام كأنها مناورة عسكرية منسقة وعرضها امام المخلوقات المشاهدين كأنها مشاهد فلم سينمائي، بتدوير الارض بالليل والنهار، وتجديدها انماطالمناظر الحقيقية الخلابة المثيرة للخيال لتلك المناورة الرائعة وابرازها في كل ليلة، وفي كل سنة.
فهذه الربوبية الجليلة الظاهرة وما تظهر ضمن فعاليتها من حقيقة جلية مركبة من: "التسخير، والتدبير، والادارة، والتنظيم، والتنظيف، والتوظيف" تشهد على وجوب وجود خالق تلك السموات وعلى وحدته، بعظمتها المهيبة هذه، وباحاطتها الكلية هذه، وتشهد - كما هو مشاهد - بان وجوده جلّ وعلا أجلى من وجود هاتيك السموات.
وقد ذكر هذا المعنى في المرتبة الاولى من المقام الاول كالآتي:
[ لا إله إلاّ الله الواجب الوجود الذي دلّ على وجوب وجوده في وحدته: السموات بجميع ما فيها، بشهادة عظمة إحاطة حقيقة: التسخير، والتدبير، والتدوير، والتنظيم، والتنظيف، والتوظيف،الواسعة المكملة بالمشاهدة ]