01-05-2009, 01:40 AM
|
|
|
تاريخ التسجيل: Sep 2006
الدولة: Eastern Province
المشاركات: 9,471
معدل تقييم المستوى: 694660
|
|
غسل شراع تركي الدخيل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحين تركي الدخيل يلقط وجهه في إضاءته
كتب تركي الدخيل مقال عن سفرته الى سويسرا وعن جمال مدنها ومطاعمها وثقافة شعبها فجاءه الرد من الكاتب عبدالرحمن الجوهري كالصاعقة
نحن يا تركي، مشغولون بما يكفينا، مشغولون بمآسينا، بأوجاعنا، نحن لا صيفية لدينا أصلا، ...كل عامنا صيف، إن لم يكن في درجة حرارة الجو، ففي درجة حرارة قلوبنا، ..لأننا منهكون، لأننا منهمكون، في البؤس، لأننا فقراء، لأننا في بلد طبقيٍ عنيف، لأننا يا تركي نقرأ صحافة أنت كاتب فيها، ونشاهد إعلاما، أنت أحد من يدّعي "إضاءاته" .!
لا شيء يمكنه ثنيُ شخص ما عن أن ينحط، إنْ أراد أن ينحط!
إرادة الانحطاط، إرادة ذاتية، انحرافية، طلبية، استجدائية أحيانا، دراسية أحيانا.. أبكي .. أتخيّلُ عينا أبي حسن، الستينيّ الوحيد، الذي يسكن "صامطة" ويجيد القراءة، . ضمن سياسات تعليم شامل وكامل بديع.. يقرأ أبو سعيد الوطن اليوم، مقالة الدخيل: "الأوربيون المتخلفون".. ياه، ويفكّر بعدها، كيف يشتري كيس رز مناسب، لأطفال جوعى، لا يفكرون بمغادرة القرية يا تركي الدخيل!
نعم، القرية، "صامطة"، وليس جازان، وليس الجنوب، وليس السعودية، إنهم لا يحلمون بجدة، لأنها غير! تركي، لن أنزل لمستوى أن أحكي عن جسدك الثقافي، ولا تآلفات إيلافك، ولا أميركانيتك، ولا التزاماتك "السابقة"، وانفراطاتك اللاحقة، لا، أنت أقل، وأنا، أنا أكبر، أنا أكثر، أيها المخذلّون من الأعراب.. تركي، في "قال غفر الله له"، أظنه يجيد أن يدعو الله بالمغفرة قولا، لكنّه يجيد أن يعصي الله بالحرف فعلا .. تركي، الذين منحوك هذه الزاوية، لصحيفة، تتّشح بكونها شعبية، صحيفة المهمّشين من الوطن، صحيفةٌ يقرؤها من لا يقرؤون حتى، .. يلمحون صور التزاحم على مكاتب الضمان الاجتماعي، وجمعيات التعاقد التعاوني، ومنحات طويل العمر يا تركي .. ويبحثون عن صورهم، في صفحات الحوادث والجرائم، وصفقات الأسهم المزيفة، واكتتابات الوهم يا تركي .. هؤلاء يا تركي، لا يهمّهم أين تقضي إجازاتك المباركة، ولا أسعار الفلل جنوب جنيف، ولا أشهر مطاعم زيورخ، ولا أجمل منتجعات الألب اللعين! هؤلاء الذين يبكون من أجل ارتفاعات أسعار الرز، وسعار حديد بيوتهم الصدئة، هؤلاء لا يفكرون ببيروت، ولا القاهرة، ولا كازا، فما بالك بمدريد، وجنيف، وباريس، .. باريس التي تشمخ يا تركي، بأنّك تجوسها عشرات المرات، وأطفالك، الذين هم نفس أطفال أبي حسن، لولا "العبريّة"، و"ظلمات"، والحظ يا تركي، وهم نفس أطفال أي أب سعودي يزور باريس بعائلته، ولكنّ الله لم يصبه بنقمة التبجح، والتمشهر، والتمظهر السافل أمام العالمين!
تركي، إنّ "وطنك" الذي تكتب فيه، تكتب به، وتزعم أنك تكتب له أيضا، مشغول عن أمسياتك الأوربية، وعن ليالي صيفياتك ما بين مروج الأنهار، وأنهار المروج، مشغول بـ: نقل معلماته، بموارة جثامين خطوطه السريعة، بقضايا طلاقه، بمخالعاته، بمسياره، بسرقاته، بغلائه، بأسهمه الوهمية، بالفقر، بالطرق المعتورة، بالكهرباء المتهرئة، بالرز يا تركي، الرز، أكرر لك، بالرز، الذي أضحى سعره ضعفا كاملا عما كان عليه قبل عام!
إن آخر ما ينبغي أن يفكر فيه كاتب ذو ضمير، ذو إحساس شعوريّ نبيل، أن يقول لمجموعة من الفقراء ليثقفهم قليلا: لدي مليون ريال، وهو بالمناسبة يكفي لشراء خبز كثير جدا، أن يريهم مليون ريال يملكها أبوه، بحجة أنه يريد أن يعلمهم معنى مليون، أن يريهم المال، وكيف يطغى الإنسان!
إنها مرحلة ما، تصيب المرء أخريات نزوح عقله الراشد، ولو كان صغيرا، مرحلة استعراضية إشكالية، تجعله ينصّب من المجتمع أعينا لا تحدق إلا به، وآذانا، لا تسمع إلا نديّ صوته، وقلوبا مرهفة بالتفكير فيه، .. مرحلة التعرّي البجح، مرحلة باريس هليتون، ومرحلة مارلين مونرو، ومرحلة أنيس منصور، تجيء بالجسد أحيانا، بالقلم، بالوجاهة، وبالفكر أحيانا!
مرحلة انتكاسة، هي ليست من صميم الخلق الإنساني الرفيع، ولا القويم، .. أن يقول إنسان ما، أنا اشتري شيكولاتتي المفضلة من فرنسا، لأحافظ على صحتي، وصحة أبنائي، في وطن يشحذ خبزه من استراليا، كي يستقر سعر الدقيق، وينام فقراؤه من غير ما أنين!
تركي، أنا لا أشكّك في مصداقيتك، في حسن نيتك، في أخلاقك، لا أملك ذلك، ولو ملكته ما فعلته، لأنك لا تهم، ولأني مهموم بأمور أخرى.. إنك حين تريد بكل حب، ووطنية، وطيبة، وإيمان، وخلق بلدي رفيع، من رجال شرطتنا الذي أنهكتهم الشمس والديون والعوائل التي لا تصيّف بعيدا، ..أن يحتذوا بضباط سويسرا، وجنود باريس، ومجندات روما، في الابتسامة، والخلق، والأريحية، في البعد عن البيروقراطية، ..إنه جميل يا تركي، لكنه كمن يعوّد مريضا بالسرطان، على الطيران بالمظلة، في جناح قسم الأورام، قبل عملية كيماويّ أخيرة، على أمل أن يشفى، ويخرج، ويطير!
نحن يا تركي، مشغولون بما يكفينا، مشغولون بمآسينا، بأوجاعنا، نحن لا صيفية لدينا أصلا، ..كل عامنا صيف، إن لم يكن في درجة حرارة الجو، ففي درجة حرارة قلوبنا، ..لأننا منهكون، لأننا منهمكون، في البؤس، لأننا فقراء، لأننا في بلد طبقيٍ عنيف، لأننا يا تركي نقرأ صحافة أنت كاتب فيها، ونشاهد إعلاما، أنت أحد من يدّعي "إضاءاته" ..!
نحن مشغولون، بما يكفي، فلا تحرق قلوبنا بمتعاتك الرفاهية الباذخة، ولا برجوازيتك الساحقة، ولا أطفالك المدلّلين، ولا أسرتك المترفة ... لأن أبوحسن، في صامطة، سيبكي بصمت، وسيوراي دمعة ما، يوم يقول لمريم، فتاته العشرينية الكبرى، وهي تطلب منه أن يزيرهم هذه المروج الجميلة يا تركي،سيقول لها، وعيناه تندّان دمعا: "هذي يا بنتي بعيدة، بعيدة جدا، هذي يا مريومي، يمكن في الجنة"!
نعم، هنا، حيث كل الطرق، كل الديون، كل الضجر، كل الاستهبال، يؤدي لصامطة، حيث صامطة، ستظل أبدا .. صامتة!
عبدالرحمن الجوهري / كاتب سعودي
من بريدي
|