17-01-2010, 12:01 AM
|
عضو نشيط
|
|
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 150
معدل تقييم المستوى: 33
|
|
يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتقوب إليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين·
أما بعد·· فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى حق التقوى·
عباد الله، إن من فضل الله علينا وكرمه وجوده ما أخبرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم في ذلكم
الحديث القدسي الذي رواه نبينا عن ربنا جل جلاله، حديث عظيم ابتدأ بتنزيه الله عن الظلم وختم
بكمال عدل الله الذي يستبين للخلائق في أعظم موقف عظيم، يوم وقوفهم بين يدي ربهم· حديث إذا
تأمله المؤمن وجد أنه حديث يملأ قلب المؤمن يقينا بالله وثقة بالله واعتمادا على الله ويعلق رجاءه
وأمله بالله وحده، حديث يبين الله فيه كمال غناه، عن خلقه وكمال افتقار الخلق إليه، يبين فيه ربنا
جل وعلا أن طاعات العباد منفعتها لأنفسهم وأن ضرر المعاصي يعود عليهم فلا تزيد طاعاتهم في ملك
الله ولا تنقص معاصيهم في ملك الله· حديث فيه بشرى للتائبين وتحذير للمعرضين وسبحان الحكيم
العليم· روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم فيما يرويه عن ربه تعالى أنه قال: " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم
محرما فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي، كلكم جائع إلا من
أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم
تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي، إنكم لن تبلغوا
ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على
أتقى قلب رجل واحد منكم مازاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم
كان على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم
وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كلا مسألته ما نقص ذلك من ملكي إلا كما
ينقص المحيط إذا أدخل البحر، يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد
خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه "·
أيها المسلمون، ما أعظمها من جمل وما أعظم فوائدها، فالظلم الذي هو وضع الشيء في غير
موضعه نقص في حق البشر، والله جل وعلا منزه عن العيوب والنقائص مع قدرته على ذلك لكنه جل
وعلا حرمه على نفسه وأوجب على نفسه العدل: (إني حرمت الظلم على نفسي) والله يقول لنا: {إن
الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون} ويقول جل جلاله: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة
وإن تك حسنة يضاعفها} ويقول: {وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين} ويقول: {وما ربك بظلام
للعبيد} فحاشاه في ظلم العباد ويقول: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا
هضما} فهو جل وعلا أعدل العادلين والظلم غير لائق به {ورحمتي وسعت كل شيء} وفي الكتاب
الذي كتبه ربنا فوق العرش: (إن رحمتي سبقت غضبي) وحرم الظلم بين العباد وجعله بينهم محرما،
والظلم أعظمه الشرك بالله بعبادة غيره، فإنها لأعظم الظلم إذ وضعت العبادة لغير مستحقها، وظلم
العبد لنفسه بانتهاكه ما حرم الله عليه أو ترك ما أوجبه الله عليه، فإن هذا من ظلم العبد لنفسه بترك
واجب أو بفعل محرم، وظلم العباد فيما بينهم في دمائهم وأموالهم وأعراضهم وفي الحديث: (اتقوا
الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) وفيه: (إن الله ليمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)· ثم تلا قوله
تعالى: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة} ·
ومظالم العباد يوم القيامة يقتص من الظالم لمن ظلمه حتى إذا لم يبق من حسناته شيء أخذ من
سيئاتهم وطرحت على سيئات الظالم ثم طرح في النار·
يقول ": " أتدرون من المفلس فيكم؟قالوا المفلس فينا من لا دينار له ولا متاع، قال: إنما المفلس من
يأتي يوم القيامة وقد ضرب هذا وشتم هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته ويأخذ
هذا من حسناته فإن قضى ما عليه وإلا أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار " ونهانا ربنا
بقوله: {ولا تظالموا} لا يظلم بعضكم بعضا بدم أو مال أو عرض· وفي الحديث: " من اقتطع قيد شبر
في أرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين "، وأخبرنا تعالى أن هداية قلوبنا بيده جل وعلا (يهدي
من يشاء بفضله ويضل من يشاء بعدله)، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، قال تعالى: {من يهد الله
فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا} فهو يهدي من يشاء فضلا وكرامة: {ولولا فضل الله
عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} فاسأل الله الهداية فهو القادر عليها يهدي قلب من يشاء
فيحب الخير ويألفه ويحول بين قلب من يشاء فينصرف عن الخير ولا يقبله، وكل ما بنا من خير فمن
الله فضلا وكرما وجودا {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار
والأفئدة لعلكم تشكرون (78) } [النحل] ، {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها
ومستودعها كل في كتاب مبين (6) } [هود] {وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو
السميع العليم (60)} [العنكبوت] ، فطعامنا وكسوتنا كل من الله فضلا علينا فإن شاء تفضل ولو أراد
غير ذلك لم يمكنك الحصول على شيء، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا
الجد منك الجد·
الرسل وأتباعهم وظيفتهم الهداية والتوضيح والبيان، لأن قبول الحق من عدمه فالأمر بيد الله يقول
الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم في شأن عمه أبي طالب لما لم يقبل الهدى: {إنك لا تهدي
من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} [القصص: 56] وأخبرنا ربنا أننا نخطئ في ليلنا ونهارنا،
فالعباد مهما يكن حالهم فالأخطاء صادرة منا قولية أو فعلية، والمعصوم من عصم الله، نخطئ في
ليلنا ونهارنا فكم أعطى من منة تنساها وتتجاهلها والله محيط بها وعالم بها ولكنه تعالى جعل لنا
ملجأ في محو الذنوب والخطايا أن نستغفره ونتوب إليه، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا
أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم، قال تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا
تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم (53) } [الزمر] .
مهما عظم الذنب ومهما كثرت الخطايا وتجاوزت الحدود، إذا تبت إلى الله منها بإقلاعك عن الخطأ
وعزمك ألا تعود وندمك على الماضي فستجد الله توابا رحيما يبسط يده بالليل ليتوب مسيىء النهار،
ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيىء الليل فهو يحب في عبده أن يتوب إليه وهو يفرح بتوبة عبده
وإنابته {أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه} [البقرة: 221] · ويبين الله
تعالى أن العباد لن يستطيعوا أن يلحقوا به ضررا فهو غني عنهم فإنما ضرر الأمر إليهم فالله غني
حميد لا يستطيع العباد أن يوصلوا ضررا أو يجلبوا نفعا فهو الغني الحميد والكل عبيد له وخاضعون
لقدرته وأخبرنا تعالى أن العباد كلهم لو أطاعوه وكانوا على قلب رجل واحد من الطاعة والاستقامة
فإن ذلك لا يزيد في ملك الله شيئا، ولو اتفقوا على المعصية ما نقص ذلك من ملك الله شيئا، فلا
تنفعه طاعة المطيع ولا تضره معصية العاصي، إنما ضرر المعصية لأهلها ومنفعة الطائعين لأنفسهم·
{من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد (46) } [فصلت] . وأخبرنا تعالى
عن كمال جوده وسعة عطائه وإحسانه، وأن الخلق كلهم لو اجتمعوا في صعيد واحد وكل سأل مسألة
غير مسألة الآخر وأعطى كلا مراده فإن ملك الله لا ينقصه ذلك، يمين الله ملأى لا تنقصها نفقة، ألم
تروا إلى ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض {يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن
(29)} [الرحمن] ، بل هو جل وعلا يحب من عباده أن يسألوه، يحب منهم أن يطلبوه ويلتجئوا إليه
{وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60] وقال: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة
الداع إذا دعان} [البقرة: 186] ·
كلما دعوت ربك وكلما سألته الحاجة وكلما اضطررت إليه، أدناك وقربك وأعطاك وحقق لك آمالك،
وكلما تكبرت عن دعائه وأعرضت عن سؤاله أبغضك وعاقبك، وابن آدم كلما احتجت إليه تكبر عليك
وبخل وكلما استغنيت عنه قرب منك وأحبك فلا إله إلا الله، الفضل فضله والعطاء عطاؤه، يحب من
عباده أن يسألوه دائما، يحب من عباده أن يتوبوا إليه، يحب من عباده أن يستغفروه، يحب من عباده
أن يلتجئوا إليه، يحب من عباده أن يفوضوا إليه أمرهم ويشكوا إليه بثهم وحزنهم فإنه أكرم
الأكرمين وأجود الأجودين·
ثم يخبرنا تعالى أن أعمالنا كلها محصاة علينا وأنه جل وعلا محص علينا كل أعمالنا قليلها وكثيرها،
وسيجازي المحسنين بالإحسان·
نسأله تعالى أن يمن علينا بالتوبة النصوح وأن يرزقنا الالتجاء والاضطرار، وأن يصلح قلوبنا
وأعمالنا إنه على كل شيء قدير·
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا
إليه إنه هو الغفور الرحيم·
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين·
أما بعد
فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى حق التقوى يقول الله: {يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم
أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه }.
أيها المسلم ما خلقت عبثا، خلقت لعبادة الله وما تركت سدى بل أمرت ونهيت، وأخبر الله جل وعلا
عن كمال علمه بأعمالنا دقيقها وجليلها {قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما
في السموات وما في الأرض والله على " كل شيء قدير(29) } [آل عمران]، {يعلم خائنة الأعين
وما تخفي الصدور(19) } [غافر]، علم ما العباد عاملون قبل أن يخلقهم وكتب ذلك قبل خلق الخلائق
بخمسين ألف سنة {وعنده أم الكتاب} [الرعد: 39] .
أيها المسلم محاطون أيضا بأمور أولا أخبرنا الله أن هناك كراما كاتبين يعلمون أعمالنا ويسجلون
أفعالنا {وإن عليكم لحافظين (10) كراما كاتبين (11) يعلمون ما تفعلون(12) } [الانفطار] {ما
يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد(18) } [ق] {يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله
ونسوه} [المجادلة]، {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا(
13) اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا (14) } [الإسراء] {ووضع الكتاب فترى المجرمين
مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما
عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا (49) } [الكهف] {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم
نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين (47) } [الأنبياء] ·
سيحاسب الله العباد يوم القيامة ويقفون على حقائق أعمالهم، فإن أرادوا الإنكار والتكذيب فإن الله
يقول: {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون (65) } [يس]·
ويقول الله عنهم: {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم
أول مرة وإليه ترجعون (21) } [فصلت] .
عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية
|