17-06-2007, 07:51 AM
|
|
|
تاريخ التسجيل: Sep 2006
الدولة: Eastern Province
المشاركات: 9,471
معدل تقييم المستوى: 694660
|
|
الابن الصالح من جاكرتا، والبنت الصالحة من مانيلا
إذا رأيت رجلاً كبيراً في السن، عاجزاً على السير على قدميه في طريقه للمسجد، أو السوق فأعلم (رحمك الله) أن من يقوده على العربة، ومن يتولى شؤون نقله، ومساعدته هو واحد من اثنين: أندونيسي، أو فلبيني (فإذا تجاوز ذلك فإنه باكستاني، أو بنغلاديشي)..
وإذا رأيت إمرأة كبيرة في السن تذهب للسوق، أو المستشفى فوق عربة يد تدفعها امرأة في مقتبل العمر، أو منتصفه فأعلم (رحمك الله) أن من يقود هذه العربة، ومن يتولى شؤون المرأة المسنة ما هي إلا إمرأة من أندونيسيا، أو الفلبين (فإذا تجاوز ذلك فإنها إما من بنغلاديش، أو من سيرلانكا) والصور التي نراها - أمام عيوننا - لا تكذب سواء كانت هذه الصور داخل بعض البيوت، أو خارجها، أو في الأسواق، أو خارجها، أو في أي مكان آخر ترى رجلاً مسناً، أو إمرأة مسنة يرافقه، ويسير به مواطن من خارج الأسرة، أو يرافقها، ويسير بها امرأة من خارج الأسرة أيضاً.
بيوت عرجاء من الداخل
للأسف صارت معظم بيوتنا عرجاء من الداخل...
منذ (إطلالة الطفرة) انتقلت معظم البيوت إلى الاستعانة بالشغالات، والسائقين، جزء من هذه الاستعانة تمت تحت (وطأة الحاجة، والضرورة)... وجزء من هذه الاستعانة تمت تحت (حب المظاهر)... وجزء من هذه الاستعانة تمت تحت (تقليد المظاهر)..!
وكانت النتيجة أن معظم البيوت صارت لا تستغني عن الشغالة من ناحية، والسائق من ناحية وإن كان عدد الشغالات في بيوتنا هو ضعف عدد السائقين بسبب ضعف الامكانيات، وضيق المساكن فتكون الاستعانة بالشغالة على أمل أن تتحسن الأحوال المادية، ويتوسع المسكن فيجري العمل على الاستعانة بالاثنين: الشغالة والسائق فيتفرغ السادة الأبناء لهواياتهم ، ونومهم، ويتولى السائق الطلبات الخارجية بينما تتولى الشغالة الأعمال الداخلية..!
وليس هذا جديداً على (العلم، والمعرفة) وما تعيشه معظم بيوتنا المتوسطة الحال التي صار (معظم أفرادها) يأنفون خدمة أسرهم، ويعلنون ذلك أمام الجميع، ولا ينتابهم الخجل من هذا السلوك، وهذا التصرف، ويعتبرونه شيئاً عادياً (أن تقوم الشغالة بخدمة أسرته، وخدمته، وأن يقوم السائق بخدمة أسرته، وخدمته، وأن يخرج هو، وبقية أفراد الأسرة من هذه المسؤوليات الأسرية، والاجتماعية، والإنسانية التي تربى عليها الجميع، وكان يشعر وهو يمارسها بوجوده، وآدميته، وانتمائه) حتى إذا (أطلّت) طفرة العمال ركن للراحة، وأصبح شعاره الدائم الكسل، والنوم، والخمول..؟
ولا تحسد (أي بيت) فيه شغالة، وسائق، أو أكثر من شغالة، وسائق فهذا بيت محروم من العلاقات الأسرية الحميمة (الأصيلة)... ومن رعاية البنات لأمهم، ورعاية الأولاد لأبيهم، وتحويل هذه التخصصات بالكامل، وتجييرها بالكامل إلى السيدة الشغالة، والسيد السائق (رضيت الأم، أو لم ترض ورضي الأب أو لم يرض)..
سكان الأربطة، ودور المسنين
البداية كانت لدور الأربطة بعد أن لمس أفراد من أبناء المجتمع القادرين حاجة النساء (المقطوعات من شجرة).. أو النساء المطرودات، أو الهاربات من المعاملة غير الإنسانية في بيوت ابنائهن، أو بيوت بناتهن إلى (ملجأ، أو سكن، أو مأوى، أو مكان) متواضع يستقبلهن، يقمن فيه بعد مشوار من الرعاية، والتربية، والكفاح مع أبنائنهن وبناتهن انتهى بهن إلى هذا المصير غير الكريم، وغير الشريف، وغير الإنساني من الجحود، ونكران الجميل..
ثم بعد سنوات طويلة تم إنشاء دور للمسنين للرجال يقضون ما بقي من حياتهم داخلها بعد أن (تخلى) الأبناء عنهم، ووجدوا أخيراً هذا المأوى، والملجأ من أهل الخير، والنفوس الطيبة الذين اهتموا بإنشاء هذه الدور لرعاية، واحتضان هذه الفئة من المسنين بعد أن (قسا) عليهم الأبناء، وقست عليهم الظروف..
وهناك من يعتقد انه كلما تم انشاء رباط، أو دار للمسنين كلما كان ذلك مؤشراً لمزيد من جحود الأبناء، ونكراهم للجميل وتخليهم عن أبسط مسؤولياتهم الأسرية، والاجتماعية، والأخلاقية، والإنسانية، وفي نفس الوقت مؤشرا على أريحية، وانسانية، وأخلاق، وشهامة أصحاب هذه المشروعات الخيرية، والاجتماعية التي ترعى فئة من أبناء المجتمع (تكالبت) عليهم ظروف الحياة بشتى صورها، وألوانها، ولكنها مع كل هذا الاهتمام الاجتماعي، والإنساني، والأخلاقي الرائع لا (تعوض) سكان الأربطة، ودور المسنين (تعاطف الأسرة) ودفء الحياة الاجتماعية مع (الأقربين، والمقربين، والأهل، والأحباب، والأصحاب) بل إن اللجوء اجباريا، أو اختياريا للاقامة في هذه الأربطة، ودور المسنين - اذا توفرت، ورحبت بهم - توقظ فيهم كل هذه المشاعر، والأحاسيس من الألم، والحرمان، والضياع، ونكران الجميل، والعقوق، وهذا ما يجب الالتفات إليه بشدة في كل وقت، ومناسبة، وتصحيح ما يمكن تصحيحه..
دور الإعلام، وبيوت النسيان
إن وسائل الإعلام (على وجه الخصوص الصحافة) تزور هذه الأربطة، ودور المسنين في بعض المناسبات، وتلتقي بعدد من ساكنات الأربطة، وسكان دور المسنين فيتحدثون عن (الماضي السعيد، والحاضر التعيس) بكثير من الأسى، والمرارة، وكيف (نسيهم) الأبناء، والأهل، والأحباب حتى وجدوا أنفسهم في هذه - الأماكن الخيرية - وقد فقدوا الأبناء، والأحباب، وصاروا وحيدين (يستجرون) الذكريات، وتختتم اللقاءات الصحفية - العابرة - بالقاء اللوم على الأبناء العاقين، وبعدها تطوى صفحة المناسبة، وينسى المجتمع هذه القصص من الجحود، والنكران، والعقوق..
ولو أن (التليفزيون) دخل هذه الأربطة، ودور المسنين، وقدم صورا (انسانية) عن المقيمات فيها، والمقيمين، وظروفهن، وظروفهم، وكيف أصبحوا رغماً عنهم (ضيوفا) فيها فربما (حرك) ذلك (الأحاسيس الجامدة) و(المشاعر البليدة) لعل ذلك (يخفف) من (معاناة) المقيمات، والمقيمين في هذه الأربطة، والدور، ولعل ذلك يساعد في استعادة (وعي) هؤلاء (الأبناء) قبل أن يندموا، أو يتألموا، أو يتأثروا بعد فوات الأوان، وضياع الفرصة..
وتشير احصائيات (أربطة جدة) الى عددها الحالي الذي تجاوز السبعين، وان العدد مرشح - بعد عام، أو عامين - إلى أن يصل إلى الثمانين، وللأسف فان (دور النسيان) هذه أصابها النسيان بعد انتقال العدوى من أحوال سكان الأربطة، إلى الأربطة (التي اهترأت، وذبلت) نتيجة عدم الرعاية والعناية والصيانة بها فظهر بعضها بمظهر غير لائق تصدمك رؤيته..
درس صيني لتماسك الأسرة
أخيراً هذا درس صيني- بكل معنى الكلمة - يعكس ضرورة، وأهمية تماسك الأسرة الواحدة.. فقد حملت وكالات الأنباء خبراً من احدى المقاطعات الصينية جاء فيه (ان مقاطعة تشانجيوان أقدمت على خطوة شجاعة، وجريئة، وغير مسبوقة، بمفهومها الأسري، والاجتماعي، والأخلاقي، والإنساني تمثلت في وضع شروط صارمة لحصول الموظفين على الترقية، أهمها وأبرزها، وفي مقدمتها بر الوالدين، وحسن معاملة الموظف لبقية أفراد أسرته). ولن يحصل الموظف - على الترقية - الا بعد التأكد من كل ذلك من خلال محققين ومفتشين يقفون بأنفسهم على سلوك الموظف المعني بالترقية مما سيكون له أثر في نفوس الموظفين الراغبين والحريصين على الفوز بالترقية بأن يبذلوا كل ما في وسعهم للعناية بالوالدين بالدرجة الأولى، وتحسين سلوكهم داخل الأسرة، وبذلك تنشأ (روح المحبة) و(روح التعاون) و(روح العطف، والحنان) و(روح المودة) التي تتطلبها حياة كل أسرة.. وكل بيت، وتكون (عملية الترقية) هذه تنبيها لاحياء هذه العلاقات الأسرية، وليست أساساً.
ونحن - في العالم العربي - في حاجة عاجلة للاستفادة من هذا (الدرس الصيني) حتى لو كان تطبيقه عندنا غير ممكن وذلك من باب تذكير من تخلى عن مسؤولياته الأخلاقية بالعودة لها فورا، ولتشجيع من نسي واجباته الأسرية على احيائها، والعمل بها، والاخلاص فيها، والمثابرة عليها..
لقد صنعت لنا الصين كل شيء تقريبا، وهاهي اليوم تقدم لنا - عبر احدى ولاياتها - نموذجا لرعاية الوالدين، وكسب رضاهما وهما في هذا السن، وهذا العجز أحيانا، وحاجتهما الماسة، والضرورية للرعاية والعناية، والاهتمام (وهما قد بذلا في شبابهما، وقمة حيويتهما، ونشاطهما، ما يملكان لرعاية الأبناء، والعناية بهم، والاهتمام بكل شأن يخص هؤلاء الأبناء) فكيف يتخلى هؤلاء الأبناء - وقد اشتد عودهم - عن رد جزء يسير من الجميل..
علينا أن نهتم بهذا الدرس الصيني، وأن نتأمل فيه، ونستفيد مما يحمله من (معان، ومبادئ، وأخلاق، وقيم).. وأن تنعكس هذه المعاني، والمبادئ، والأخلاق، والقيم على سلوك الأفراد الأصحاء، الأقوياء تجاه اسرهم وتجاه مسؤولياتهم، وتجاه أنفسهم حينما يصبحون كباراً في السن، ويحتاجون الى من يخدمهم، ويرعاهم، ويعطف عليهم..؟
المصدر
|