11-02-2010, 10:14 PM
|
|
عضو نشيط
|
|
تاريخ التسجيل: May 2008
المشاركات: 112
معدل تقييم المستوى: 66
|
|
سيف .. ذو العشرين عام - ( قصة كفاح من الواقع )
دخل الشركة .. وهو يجر خطواته الثقيلة
بنعلين .. يشكون زمانهم وجورهـ
وملابس رثة .. كأنها عاصرت كل الفصول الأربعة
دون راحة .. تبدو لك شاكية
بلل المطر وقساوة الشمس وغبار وريقات الخريف
وربيع الأسفلت الساخن على طرقنا السريعة حيث تتشمس
عمائر التفاخر عند أصحاب القطاع الخاص بالمنطقة الشرقية .
...
دخل يسعى كما أمرهـ ربه
مؤمناً أن رزقه بالسماء وأن الحركة والبحث هما وسيلته الوحيدة
للتكيف مع ظروف حياته القاسية ..
@ @ @ @ @
لست أتحدث في هذه القصة عن شخصية وهمية ..
او شخصية تاريخية بل هي قصة ..
عاصرت فصولها قبل ما يقارب السنتان
تحديداً .. 2007
@ @ @
فتح باب سيارته وهو يتأفف من حرارة الشمس والواقع
تحرك ليصلي الظهر قريب من أحد المطاعم
ليسكت صراخ بطنه ..
وهو في طريقه .. مر أمام عينه شريط صور لرحلته
وخروجه من مدينته الصغيرة بضواحي الرياض
الى مدينة الدمام وضواحيها .. لينطلق منها لتأسيس حياته
قبل أن يخرج من منطقة الشركات رأى بعض الشباب يخرج من أحد
الشركات التي أمامه ..
قال : لعل هناك وظائف نسد بها تكاليف حياتنا
توقف بسيارته أمام ابواب الشركة .. وترجل من سيارته
مردداً في سره يارب .. يا كريم
دخل من باب الشركة .. سأل هل هناك وظائف
أعطي من قبل حارس الأمن طلب توظيف ليقوم بتعبئته
طلب مقابلة مسؤل التوظيف .. اشار حارس الأمن الى مكانه
توجه له .. دخل الى القسم سأل عن مسؤل التوظيف اشاروا الى مكتبه
تقدم له وطرق الباب وخطى اول خطوة داخل المكتب ..
كنت أنا .. وزميل أخر بالمكتب
فقال : السلام عليكم ..
رددنا : عليكم السلام ورحمة الله ,,
فبادر بالسؤال .. هل هناك وظائف
سألناه عن مؤهله .. فقال الكفاءة
طلبنا منه الأستراحة بالخارج وتعبئة طلب التوظيف
والعودة لنا .. كان نقاشنا قبل ان يدخل علينا عن اثر ثقافتنا
واثار الطفرة على أنتاجية الفرد السعودي ومدى وعيه بالثقافة الوظيفية
بعد خروج سيف من المكتب لتعبئة الطلب .. قال زميلي
هل تعتقد ان مثله .. تبدو ثقافة القبيلة حاضرة في وعيه الثقافي
قادر على العمل بما يتناسب مع مؤهله من فرص لدينا !!
قلت له .. لا أعتقد فوظائفنا محتقرة عند فئات كبيرة من مجتمعنا
الذي أعتاد على الأجنبي .
وافقني ان هذه سمة من سمات المجتمع السعودي الأنتاجي
وبينما كنا نتجاذب الحديث في هذه النقطة ..
أذ عاد سيف .. بطلب التوظيف مرفق بصورة ومعبئ بخط واضح
ومرتب .. أخذت طلب التوظيف .. فعرفت من أين جاء وتأكدت من
ترسخ الثقافة القبلية في ثقافته المكتسبة .. الأيجابي والسلبي منها .
بينما كنت احاول رسم تصور او تقريب .. لثقافته وتصوره بالوظيفة
بناء على تجارب سابقة .. كانت النتيجة انه لن يستمر في عمله اكثر
من شهر واحد .
بينما كنت أتخيل كل ذلك .. بادره زميلي بالقسم هناك فرص لدينا
بالميناء .. بمجال الأسمنت ومكان العمل المستودعات
كان جوابه .. بالقبول يختلف عن الكثير من السعوديين الذين نراهم
فالعادة .. لدى الثقافة السعودية
السؤال عن الدخل قبل السؤال عن العمل وطبيعته
وسيف أبدى رغبته بالعمل اي عمل .. قبل ان يسأل الأسئلة المعتادة
كان مبشراً لنا هذا الأختلاف الذي شاهدناه ..
فأنهينا أجراءاته وأرسلناه الى القسم وتم توظيفه ..
وأصبح هذا الشخص محط أنظاري انا وزميلي حيث كنا نراقب
ادائه وسلوكياته عبر قسمه ..
حيث شملت حركة التوظيف تلك توظيف ما يقارب الـ 17 سعودي
كان أخرهم سيف .. حيث تم الأكتفاء .
كنا أنا وزميلي نحرص على السؤال عنه حين نتصل بخصوص العمل
على قسم شئون التوظيف في شركته .. كيف هي اخلاقياته
وكيف هو أنتظامه بالعمل !!
وبعد مرور أقل من شهر .. دخل علينا أحد السعوديين
الذين تم توظيفهم بنفس القسم .. يطلب بأنهاء أجراءاته
تم سؤاله ماذا جرى لك بعد ان سلمنا أوراقه
قال أن تعارك مع أحد العاملين وتدخل البعض معي
والبعض مع خصمي .. واليوم الثاني جئت بأبناء عمي
ودخلوا عليه المستودع وقاموا بضربه فتم طردنا جميعاً
قلت له كم عددكم قال .. 13 عامل جميعنا سنحاسب
وأولهم أنا .. قلت له من هم .. فردد اسمائهم
بادره زميلي هل سيف معكم .. قال لا سيف لم يتدخل
أنهينا أجراءاته .. مع نصحه .
وبعد عدة شهور .. كانت المجموعة تقيم دوري لكرة القدم
في أحد الأندية وحين رأيته يراقب المباراة من أعلى
مررت عليه قبل ان أنصرف .. فسلمت عليه وسألته
كيف حال العمل !!
قال الحمد لله .. بخير ( وقالها بنبرة عادية لا تحمل أي معنى )
قلت كم لك الأن معنا ..
قال : أقتربت من السنة ..
فتبسمت له ودعوت له بالتوفيق وذكرته أن لكل مجتهد نصيب
وبعد عدة شهور .. شاهدته يراجع أحد الأقسام بالشركة
وكان مرتدياً للثوب وشماغ .. فانتظرته حتى انتهى
واتلقيته وهو في طريقه للخارج ..
أبتسم أبتسامة أدب حين رأني واقبل مبادراً بالسلام
رددت التحية بأجمل منها وسألته عن صحته وحاله
وبادرته .. بكلمة : سلامــــات .. عسى ما شر
قال : ايش . . !!
قلت مريض اليوم فيك شي ما رحت العمل ..
ما أشوف اليونيفورم عليك !!
قال .. اليونيفورم بالسيارة ما حبيت أنزل فيه ومخطط امر هنا
فقلت مش حلوه تدخل باليونيفورم وهو متسخ للشركة الأم .
لم أستطع وقتها أخفاء أبتسامتي .. بردهـ
سألته ما سبب مراجعتك لنا .. قال غيرت البنك
وجئت أطلب تغيير رقم حسابي هنا بالإدارة بما انكم من تدفعون لي .
قلت وهل أنتهيت قال .. لم أجد الشخص المطلوب
فأخذته لمكتبي .. وأخذت صورة من بطاقة حسابه
وقلت له .. لا تحمل هم .. سأحرص على أدخالها بحضوري
شكرني بحرارة الشهم .. ورحل .
بات هذا العامل .. بالمستودع شخص لا أقوى تجاهله
فتحدثت عنه أمام بعض الزملاء بقسم الرواتب وقلت انطباعي عنه
وملاحظاتي عليه .. واشدت بأدبه ولاباقته التي لا تناسب عمره او تعليمه
أصبح الكل .. يميزه بالتعامل حين يأتي للشركة الأم للمراجعة .
بعد ما يقارب شهرين .. جاء لي مدير أسكان العمال
يتحدث عن شاب .. تعرض لحادث قريب من الشركة يدعي انه يحمل
بقسم الأسمنت , ومع السؤال تبين ان الحادث انقلاب السيارة وتضررها
تبين لنا بعد فترة أن سيف هو صاحب الحادث .. وكان ناقل الحادث شاهد
عيان في صفه لدى قسمه ان الخطأ ليس منه .. بل من السائق الأخر الذي
لم يتعرض لآي شي وكان جهله بثقافة القيادة لدينا سبب بالحادث .
حصل سيف بعد طلبه من القسم طلب سلفة .. على راتبه لكي
يصلح وسيلة مواصلاته .. وهي كابرس عائلي ( بوكس ) موديل
1986 ..
حصل على سلفة .. أصلح فيها أموره
ولم يحاول أستخدام علاقته بي او بشئون الموظفين
بالإدارة الرئيسية للحصول على موافقة .
حين وصل لنا خطابه .. تم تحويله على الرواتب
لدراسة العامل وتقييم أدائه ..
حصل على تقييم عالي حيث اشار الكل بأنظباطه
فتم حصوله على السلفة وبشكل أسرع من غيره
وذلك من غير ان يطلب ..
الجميع بالأقسام التي تخدمه أحترمت فيه
أحترامه لنفسه قبل الأخرين
وفي أحد الأيام دخل بعد الساعة الرابعة مساءاً
وبادر بالسؤال عني عند الأستقبال
فطلب منه الأنتظار .. حتى وصلت بعدها بعشر دقائق
فبادر نحوي وصافحني وسأل عن حالي وصحتي
وكانت أبتسامته هذه المرة تبدو مختلفة عن ابتساماته السابقة
قلت له .. قل ما في خاطرك يا سيف
قال : لقد أنهيت دراسة الثانوية
كان موقفي يتراوح بين الصدمة والسعادة
قلت له : هل كنت تدرس !!
قال نعم منذ التحقت بالعمل وأنا ادرس
فجلست معه .. وبادرت بسؤاله
هل أنت من رماح التي قبل الرياض ..
أجاب بنعم .. قلت له بصراحة ترفع الراس انت
زادت أبتسامته .. فلقد كان وقع كلماتي تأكيداً لجهده
قال لي .. أعتقد ان مؤهل الثانوي يستحق عمل أفضل من عامل
قالها بحياء الدين .. وأمل الغد .
قلت بالتأكيد .. تستحق أكثر من أي شخص أخر
فالشركة تابعت انتظامك واخلاقياتك بالعمل وليس لديها
أدنى ملاحظة عليك .
طلبت منه الأنتظار بالصالة ..
وتوجهت لمكتب مدير التدريب والتطوير
وهو أنسان .. رائع ذو ضمير حي .
اختصرت له قصة سيف ..
وبدأتها بما رأيك بشاب سعودي عشريني
وسردت له أهم مشاهداتي ..
قال بصراحة جهد يستحق التشجيع
طلب مشاهدته .. فأحضرته له وجلست معه
وأستفتح المدير بالفخر بمثل هذه النوعية من الرجال
الصابرة المكافحة .. وأعترف بمدى أحترامه لمثل هذا العمل
دون أن يكون للسن في ذلك اي تأثير .
وبدى ذلك ايجابياً لنا على ثقة سيف في نفسه ..
بادر مدير التدريب .. بكتابة خطاب صرف مكافأة
لسيف بقدر راتب شهر .. حيث تضع الشركة بعض المكافأت
التشجيعية للسعوديين الساعين لتطوير أنفسهم ..
فرح سيف بالمكافأة الغير منتظرة .. وتم أخباره انه
سينقل الى وظيفة أفضل ان شاء الله ..
خرج من المكتب وهو يشكرنا .. ويدعو لوالدينا بالجنان
تبسم مدير التدريب وقال .. بصراحة رجل رغم صغر سنه !!
..
سمع بعض التعليقات عنه أحد منسوبي العلاقات العامة لدينا
وهو شخص يجيد مهارات الأتصال ويكرر تجربة سيف ولكن
بظروف أقل قسوة .. قال من هذا .. فأعطاه مدير التدريب نبذة
عن سيف .
فردد خالد ( منسسوب العلاقات العامة ) ما شاء الله
قال سأبحث له فرصة قريبة من دياره .. يصل فيها أمه
بكل يسر .. ويجد هناك من يخفف عنه تكاليف معيشته
باركنا فكرته .. وبادر بالأتصال على أحد مدراء منطقة الرياض
وقال له .. لدي شاب سعودي .. يسر الناظرين
أسمه سيف
حدثه عن مؤهله وعن عمله كعامل لمدة سنتين بقسم الأسمنت
حتى حصل على الثانوية ويريد وظيفة افضل .
ابدى الطرف الأخر مع خالد الأرتياح لما سمعه عن هذا الشاب
وصرح ان لديه وظيفة مناسبة لحملة الثانوية في أحد المعارض
براتب ضعف راتب العامل وعمولة كل شهر .
طلب منا أرسال صورة من ملفه .. عبر الفاكس ليطلع عليها
فتم أرسال ما طلب في ذات اليوم ..
وجاء الرد بالموافقة وانتظار الوظيفة
بعد تزكية مكتب المنطقة الشرقية
تم الأتصال على سيف عن طريقي وتم ايصال البشارة له
بأيجاد فرصة أفضل وأقرب له لآهله ويوجد فيها خبرة وتستطيع أكمال
جامعتك منها وحصولك على دعم من الشركة ..
فرح ودعى لكل من شارك بهذا العمل واستبشر كثيراً بالخبر
وكان حضوره باليوم التالي قبل حضوري للشركة
أعددت له خطاب توجيه للقسم بالرياض وتم تعبئة النماذج المطلوبة
وتسليمه خطاب مباشرة هناك ..
ودعنا بحراره .. ودعى لنا .. وابدى مدى امتنانه
دون ان يدري انه اشعل شمعة في كل من عاصر قصته
شمعة أمل .. وقصة كفاح
خرج من الشركة .. متجهاً الى وظيفته الجديدة
بمدينة الرياض ..
بعد أسبوع أتصل على هاتفي النقال ..
وبعد السلام والسؤال عن الصحة والحال
قال .. أشكرك فلقد كنت الأخ الأكبر
سألته هل من سوء !!
قال .. لا أستلمت العمل في الرياض
وكان عملاً لا يقارن بعملي السابق
إلا أني تلقيت اتصال من شركة زين
وأجريت المقابلة الشخصية وتجاوزتها ولقد تم تقديم
عرض أفضل .. ووظيفة اكثر مناسبة لي .
بادرته : تستاهل الخير كله .. وأتمنى لك مستقبل على قدر عطائك
ووعيك وسلامة تخطيطكـ
دعوت له بالتوفيق وانتهت المكالمة ..
خاتمة :
بعد عشرة أشهر من أخر اتصال بيني وبينه
جاء لي شاب صغير من مجتمع قبلي وسأل عني
وحين وصل ألي قال .. أنا من طرف سيف
رحبت به .. فتقدم بطلب وظيفة لمؤهل ثانوية عامة
بعد انتهائه من الأجراءات وبعض الأسئلة
قال وهو يقف .. ابلغ كل من عرف سيف سلامه الحار
وذكراكم الخالدة فيه ذاكراته .
فقلت : عليك وعليه السلام .. كيف حاله وحال عمله
قال : هو بخير .. ويعمل الأن إداري في سعودي أوجيه .
..
تمت
|