27-03-2010, 12:12 PM
|
عضو جديد
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2010
المشاركات: 39
معدل تقييم المستوى: 32
|
|
خطوبه اون لاين
حامد الإدريسي [imgl]http://islamtoday.net/media_bank/image/2008/11/17/1_20081117_634.jpg[/imgl]
"(أنا فلان من هنا..), (أنا فلانة من هناك..), (مرحبا بك..), (كم عمرك؟ وماذا تعملين؟)..." هكذا تبدأ هذه العلاقات الجديدة، وكل حسب نيته وقصده، وعلى الفقه أن ينظر في هذا الأمر الذي عمت به البلوى، ويقول الفقه: إن النظر إلى المخطوبة جائز، والحديث معها في إطار المباح جائز كذلك.
وهنا يثور سؤال هام: "هل الخطوبة عبر الإنترنت تأخذ حكم الخطوبة المباشرة؟", ويمكننا أن نفتح نقاشًا فقهيًّا مصغرًا، لعله يكون أرضية بحث لموضوع عميق يحتاج وقفةً من جهات فقهية كبيرة، نظرًا لأن هذه المواقع أصبحت تعجُّ بالمسلمين والمسلمات، الذين يحدوهم الأمل للخروج من نفق العزوبيَّة المظلم، أو للذين يريدون دخول نفق الفساد والتحايل على الغافلات المؤمنات.
عشرات المواقع وملايين الأعضاء
يفتخرُ أحد مواقع الزواج الإسلامية، بأن عدد المنخرطين فيه تجاوز المليونين، وهو واحد من عشرات المواقع التي لم تترك مفردة من مفردات هذا المعنى إلا واستخدمته، ككلمات (النكاح- ومودة- وقران- وزواج- ومسلمة... إلخ)، كما حدَّث بذلك (الشيخ جوجل) وهو ثقة في هذا الباب!
وفي بحثي الذي سبق الكتابة، مرَرْت على إحدى هذه المواقع المشهورة، ووجدتُ أن الموقع قد رتَّب الدول حسب عدد الداخلين، فكانت مصر في المقدمة، ويليها المغرب، فالسعودية، ثم فوجئت أن هناك موقعًا مخصصًا للسعوديات، وعند فتحه يطلب منك رقم الهوية، مما أكد لي أن الموقع سعودي بالفعل، إذ هو يحاكي نمط المجتمع في التشدد في مثل هذه الأمور.
معنى هذا أننا أمام ظاهرة تستفحل يومًا بعد يوم، وأرقام خيالية تتصاعد باستمرار، وتأخذ بعدها في الخارطة متجاوزة أجهزة الرقابة وعيون الآباء والأولياء، فتأخذ الفتاة زمام المبادرة، وتتيح للخُطَّاب -إن كانوا خطابًا- أن يحادثوها ويكلموها، وهو أمر لم يحرمْه الشرع ابتداءً، ولم يرد فيه شيء بذاته، وإنما ورد تحديد نوع الكلام وأن يكون من الكلام المعروف المعتاد الذي لا تغنج فيه ولا تمايل، وبهذا أفتى كثير من العلماء.
غير أن تمكين الفتاة من التواصل المباشر مع كل من هبَّ ودبَّ، فيه خطر كبير على شرفها وعلى مشاعرها وعلى التزامها، فهذا يحدِّثها في الحب والهيام، ويذكر لها ما حرمته من النوم ومنعت عينه من السهاد، وذاك يقسم لها الأيمان المغلظة أنه لم يذق لقمة ولم يحلُ له بعدها عيش، وذاك يتغزَّل في أسلوبها، وهذا يجرها شيئًا فشيئًا لإشباع مرضِه النفسي وهوسه الجنسي، وهي في سذاجتها وصدق فطرتها، تتبع الأمل مع كل كاذب جديد، إلى أن تفاجأ بتلاعبه وتحايله وسفاهة همته، فتغلق عليه حسابها، وتحاول من جديد.
وقد تستمرُّ في هذه المحاولة باحثةً عن الرجل الصادق، وهي تثلم في كل مرة، وتخدش في كل محاولة، ويأخذ كل واحد من مشاعرها الفطرية بنصيب، فلا يأتي الزوج إلا وهي شاكة في كل من حولها، وقد توفق من أول محاولة، لكن الغالب على مرتادي هذه المواقع في بعض الدول الإسلامية أنهم من أخلاط الناس وسفهائهم.
لذا فإن المسألة في مواقع الإنترنت وغرف الزواج، ليست هي المسألة التي أجاب فيها العلماء وأفتَوْا بجواز المحادثة فيها بين الخاطب والمخطوبة، فالمحادثة هنا بين شخصين لم يتبين لنا صدق نيتِهِما، لأننا ندرك أن كثيرًا من الداخلين والداخلات لا غرض لهم في الزواج أصلًا، إنما يبحثون عن الغزل والغرام أو استغلال الطرف الآخر ماديًّا أو شعوريًّا، وليست الصورة محادثة بين خاطب ومخطوبة، لأن الخاطب رجل رضيه الأهل وعرفوه، وبحثوا عنه واطمئنوا إليه، وهو بالنسبة إليهم شخص معروف الهوية والمكان، بحيث يهمه أن يحافظ على سمعتِه بينهم حتى وإن لم يحصل زواج.
شخصية الخاطب "افتراضية"
أما الخاطب الديجيتال، الذي ليس له جسم ملموس، وإنما هو صورة وحروف مكتوبة، يستطيع أن يصف نفسه كيفما يشاء، ويضع مركزه حيث يشاء، لن يهتم إن أساء إلى هذه الفتاة أو تلاعب بمشاعرها، أو استغلَّ سذاجتها، فلن يطال سمعته شيء، ولن يخشى على نفسه ضررًا ماديًّا أو معنويًّا، بخلاف ما لو كان جسمًا مشاهدًا، وشيئًا ملموسًا، فلربما طاله من نقمة أوليائها وانتصارهم ما يغيِّر من جمال صورته المادية أو المعنوية، ولكان عنده ما يخشى منه، فلزم باب الأصول في تعامله مع الفتاة، ولراقب كل كلمة تخرج من فمِه، وكل عبارة ترسمها شفتاه.
هذا فرق كبير، وفرق آخر أكبر منه، وإن كان لطيف المأخذ، خفي المطلب، إلا أن له أثرًا كبيرًا في التفريق بين الحالتين، وهو وجود هذا الحاجز المعنوي الكبير بين الرجل والفتاة، وهو حاجز الولي.
إن الرجل خلق قويًّا في مشاعره، ماهرًا في تحايله، قادرًا على التحكم بمشاعر المرأة، والسيطرة على عواطفها، أُعطي القيادة ولوحة التحكم، وإن من أخطر ما يمكن أن يحصل للفتاة الشريفة، أن يسلبها وضيعٌ مشاعرَها، وينال سفيهٌ ثقتَها، ويقنعها بأنه الرجل النبيل، وأنه الفارس الوسيم، وأنه هو مَن يفهم في الأصول ويقدِّر المرأة، مع أنه قد لا يساوي أنملة أصبعها دينًا وعلمًا ومكانة, "وهذه عملية سهلة على كثير من أذكياء الوُضَعاء".
فتجد الفتاة الشريفة قد أغرمت في من لا يصلح لها، وأقامت الدنيا على أهلها كي يقبلوا به زوجًا لها، واتهمتهم في نصحِهم لها، ورأت أن في ذلك تعديًا على حريتها وقناعتها، وأن من حقها أن تحدد مصيرها، وتختار شريك حياتها، وقد لا تستفيق من هذا الصراخ إلا وفي حضنها طفل أو طفلان، وعندها تلوم أهلها وتقول أنا مجرد امرأة ضعيفة العقل!
وهذه الملكة التي عند الرجل، لا تفيده أمام ندّه الرجل شيئًا، فما إن يجلس معه ولي المرأة ويحادثه حتى يزنه زنته الصحيحة، ويضعه مكانته اللائقة، فإن كان من أهل الخير والصلاح، وفيه كفاءة لتلك الفتاة، فتح له الباب، وأعطاه تصريح المرور إلى قلبها، أما إن لم يجده أهلا لتلك الفتاة، فإن فنجان القهوة الذي شربه، هو آخر العهد له بها وبدارها، ولو أنه أراد غير تلك الطريق لوجد وجوهًا متجهمة تنتظره أمام باب داره.
هناك فرق بين المرأة "البرزة" و"المخدرة"
بقي أن نقول: إن هذه المسألة تختلف من مجتمع إلى مجتمع ومن فتاة إلى فتاة، وقد فرَّق الفقهاء في مسائل الفقه بين المرأة "البرزة"، التي تبرز للناس، وتمارس الحياة معهم، فتجدها تاجرة أو موظفة، وتجدها تمارس الحياة برفقة الرجال وتحتكّ بهم كل يوم، وبين المخدرات اللواتي لا يُرين إلا كلمح البصر أو أقرب من ذلك، ولا يغادرن البيوت إلا في حراسة خاصة، وموكب حافل، برفقة أسرة كبيرة أو أبٍ صارم، أو أخٍ حريص.
إن تخوفنا غير صحيح وليس في موضعه إن نظرنا إلى المرأة في الغرب أو في بعض المجتمعات الإسلامية، ففي تلك المجتمعات تعيش المرأة والرجل في محيط واحد، وتجالسه في طاولة الابتدائية، وتعيش معه في أروقة الجامعة، وتزاحمه في طوابير الباصات ومراص سيارات الأجرة، قد عرفت أساليبه وخبرت خفاياه، فتلك في وضع لا تحسد عليه، ولو قلنا إن غرف المحادثة أسلم لها وأقل خطرًا لكنا نحوم حول الصواب، ففي تلك الغرفة لا يطالها من الرجل إلا الكلام، أما في حياتها اليومية فإن الرجل يطالها بكل شيء، فالغرفة أسلم لها وأقلّ خطرًا، ونظن بها أنها قادرة على اكتشاف صدقه من كذبه، لما لها من خبرة في الحياة.
إن الفتوى في تلك البلاد، يجب أن تختلف عن الفتوى في البلدان التي تفصل المرأة عن الرجل، وتبعدها عن مرمى سهامه، وتحصنها بالحجاب والبيت والولي، فهذه خطر الإنترنت عليها أكبر، وهو إلى الحرمة حينئذ أقرب منه إلى الجواز لعظم المفسدة التي يدور الحكم معها وجودًا وعدمًا.
أما في البلدان التي ذكرنا حالها، فإن الوضع مختلف تمامًا، والرجل هناك غير مضطر إلى أن يدخل هذه الغرف بقصْد التحايل، فالنساء من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، فما الذي يجعله يدفع مبلغًا من المال من أجل الاشتراك في هذه المواقع، وإذا نظرنا إلى قلة التواصل بين الملتزمين في تلك البلدان، فإن هذه المواقع الإسلامية تصبح فرصة للمحافظ منهم ليبحث عن الملتزمة، فالصورة هنا مختلفةٌ والمصلحة متحققة، والفتوى مختلفة أيضًا.
خطوبة حقيقية.. بشروط
هذه الصورة هي صورة خطوبة حقيقية، وله أن يحادثَ هذه المرأة ويسألها عن نفسها وثقافتها ووجهتها في الحياة، ويعرف تاريخها الاجتماعي وتجاربها في الحياة، وله أن يرى صورتَها، مع أنني أقترح وأفضل أن يتولى أولياءُ المرأة النيابة عنها في هذا الأمر، فيكون التواصل في أول الأمر مع الولي، ويكون هو الذي يتحدث بالنيابة عنها.
فيرى الرجل المرأة التي تعجِبُه، ويراسلها على بريد أخيها أو أبيها أو وليها الذي كلفته بهذا الأمر، ووضعت بريده في صفحتها على تلك المواقع، ويكون هو الواجهة الأولى، هذا على سبيل الأفضلية، أما من لم يتيسرْ لها ولي، أو لم يكن وليها من أهل الولاية المعتبرة شرعًا، فإن لها أن تجتهد في اختيار صاحب الدين، وتسأل الله أن يوفقها للخير ويدفع عنها السوء، (ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب).
|