رغم اشتراكهم في البؤس وشظف العيش إلاّ ان هناك فرقاً بين الفقير، والمسكين، وصاحب الفاقة، ومتوسط الحال!؟
ففي سورة الكهف كان المساكين يتشاركون في سفينة ممتازة (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر).. أما الفقير فيستحق الزكاة وتجوز عليه الصدقة بسبب بؤسه وفاقته (واطعموا البائس الفقير).. أما متوسط الحال فمثله مثل (عامة الناس) لديه مورد رزق يغنيه عن السؤال - رغم قلته وانقطاعه في آخر الشهر.
ومعظم دول العالم تضع لنفسها (خطاً) للفقر وخطاً للكفاف يتناسبان مع وضعها الاقتصادي والاجتماعي العام.. ويمكن تعريف «خط الفقر» بأنه مستوى الدخل الأدنى الذي يعد كل من ينزل تحته (فقيراً). أما خط الكفاف فهو المستوى الذي يعيش عنده المرء مستوراً كعامة الناس - وعلى أساسه يقرر الحد الأدنى للأجور.
ورغم ان الفقر حالة نسبية بين المجتمعات الغنية والفقيرة (أصلاً) إلاّ ان البنك الدولي يُعرف أكثر الفقراء بؤساً بأنهم «من يعيشون بدولار واحد في اليوم». وعلى هذا الأساس يوجد 60 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر معظمهم في مصر والأردن والمغرب والسودان وسوريا وفلسطين واليمن. أما في جنوب الصحراء الكبرى فتعد سيراليون وتنزانيا وبورندي ومالاوي واثيوبيا من أفقر دول العالم على الاطلاق.. وفي المقابل يصل متوسط دخل الفرد في أستراليا وأمريكا الشمالية وأوروبا الغربية إلى 30 ألف دولار في العام - وتأتي دول مثل لوكسمبورج وأمريكا والنرويج وفنلندا في المراكز الأولى بأكثر من 33 ألف دولار في العام.
وفي معظم الدول المتقدمة يتم تعديل خط الفقر كل عام أو عامين بما يتناسب مع المتغيرات الاقتصادية الجديدة. ففي الولايات المتحدة مثلاً كان خط الفقر يبلغ 12000 دولار لأسرة مكونة من أربعة أشخاص (في عام 1988م) ثم تغير صعوداً وهبوطاً حتى وصل (في عام 2003م) إلى 16,800 دولار.. ولاحظ هنا ان خط الفقر في أمريكا يفوق متوسط الدخل العادي في دول كثيرة (مثل السعودية التي يبلغ متوسط دخل الفرد فيها 11,066 دولاراً في العام).
ومن المؤسف أننا لا نملك أرقاماً رسمية توضح الخط الذي يعد عنده المواطن فقيراً (خصوصاً أننا لم نتفق أصلاً على وضع حد أدنى للأجور).. غير أن هناك دراسة قام بها الدكتور راشد الباز (أستاذ الخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود) تشير إلى ان خط الفقر للمواطن السعودي يبلغ 1120 ريالاً بالشهر - بعد احتساب أجرة المنزل - في حين يبلغ خط الكفاف 1660 ريالاً بالشهر (حسب ما نشر في جريدة الوطن في 12 مايو 2005م).
وما يلفت الانتباه في دراسة الباز ان معاشات الضمان الاجتماعي (التي تبلغ 5400 ريال في العام للفرد و16700 للأسرة المكونة من 7 أفراد) تقل كثيراً عن خط الفقر رغم ضآلته.. كما أوضحت الدراسة ان 40٪ من المتقاعدين لا يملكون سكناً خاصاً بهم وان 58٪ منهم يعيشون في بيوت شعبية أو شقق مستأجرة (وهذا ما يجعلنا نتساءل عن قدرة الشباب على امتلاك منازل خاصة بهم)!!
.. أضف لهذا ان وزارة الاشغال العامة والاسكان قامت قبل خمس سنوات بمسح ميداني شمل ثماني مدن رئيسية (هي مكة المكرمة والمدينة المنورة والرياض وجدة والظهران والخبر وأبها) لدراسة الأحوال المعيشية للأسر السعودية اتضح من خلالها ان 51٪ من الأسر السعودية لا يوجد لديها دخل ثابت، و40٪ لا يزيد دخلها الشهري على 6 آلاف ريال، في حين يرتفع الدخل إلى حدود مفتوحة لدى 9٪ من الأسر السعودية!!
.. أيها السادة؛ النزول عن خط الفقر لا يعني البؤس والحرمان فقط؛ بل والتهميش الاجتماعي وعدم القدرة على الخروج من تحت الاقدام (.. إلاّ.. بحركة عنيفة قد تسقط كل الواقفين)!