27-10-2006, 12:14 PM
|
|
مشرفة سابقة
|
|
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 2,655
معدل تقييم المستوى: 42
|
|
التقاعد أمر حتمي ولكن ماذا سيحدث بعده؟
د.ابراهيم بن حسن الخضير
وقفت وزميل لي نتأمل رجلاً على مقعدٍ متحرك، يمسك بذلك الكرسي عامل يبدو أنه هندي أو من بنغلاديش، وقد أرخى هذا الرجل الذي في المقعد المتحرك شماغه على عينيه، مركزاً نظره نحو قدميه حتى لا يراه أحد أو يتعرف عليه أحد أيضاً...!
كنت في ذلك المستشفى الذي كان قبل سنوات أو ربما أشهر، اذا دخل هذا الرجل، حرك المستشفى من صاحب أكبر منصب إلى أصغر المسؤولين، أما الآن فالوضع مختلف جداً.. إذ لا أحد يلقي له بالاً، فقد ترك المنصب الذي كان من أجله يحرك هذه الجموع أنى حل و ارتحل.. تقاعد، ترك العمل، وذهب الكرسي الذي يجلس عليه إلى غيره، الذي أصبح في المكان الذي كان هذا الرجل القعيد الكرسي المتحرك يشغله..!
ترك العمل خاصة حتى لو ان المنصب بسيط لكن قد يعطي المرء بعض الغرور الداخلي، ويجعله يشعر بأهميته، أما إذا كان المركز الوظيفي من الوظائف الرفيعة ذات الشأن فإن تركها قد يخلق خللاً نفسياً لدى من يترك ذلك المنصب، نعم هناك أشخاص ولكنهم قلة يعرف أن التقاعد أو ترك العمل أمر حتمي لا بد منه طال الزمن أو قصر، لكن لا شعورياً ننسى أو نتناسى ذلك اليوم.
عندما رأينا ذلك المنظر قال لي زميلي: تأمل فلانا قبل فترة زمنية كيف كان يقيم المستشفى اذا وصل، والآن حتى من يتعرفون عليه يتجنبون السلام عليه إما خشية أن يحرجوه أو تجنباً من أن يطلب منهم خدمة لا يستطيعون أن يقوموا بها له بعد أن ترك منصبه، لذا يجب على المرء أن يؤمن مستقبله وينتبه لنفسه أثناء العمل فيعمل لما بعد التقاعد..!
لم أدقق في كلمات زميلي، وأخذتها بحسن النية، لكن أعلم بأن يوماً كهذا اذا امتد بنا العمر سنصل إليه، عندئذ سوف يلحق بنا ما لحق بهذا الرجل فبعد أن كانت الزمالة وطبيعة العمل تسهل لنا أمورا كثيرة، فقد نفتقد من يتذكرنا بكلمات أو باتصال هاتفي للسؤال عن أحوالنا، كما قال لي رجل تقاعد بأن هاتفه شبه توقف عن الرنين بعد أن كان لا يتوقف عن الرنين لمن يطلبون خدمات، وكان يسمي ذلك الرنين إزعاجاً ويتمنى من اللّه متى يتوقف هذا الإزعاج، واستجاب اللّه لدعائه وافتقد الرنين الذي كان يزعجه.
أتذكر مع هذه الاحاديث قصة رواها محمد حسنين هيكل عن الجنرال مونتجمري، القائد البريطاني الشهير الذي قاد حرباً غيرت مجرى الحرب العالمية الثانية، بل ربما تكون غيرت مجرى التاريخ في القرن العشرين.
يقول أن مونتجمري اتصل بمكتب البريد في القرية التي تقاعد فيها، يسأل عن سبب تأخر وصول الشيك الخاص بمرتبه التقاعدي وكان ذلك سنة 1976م، فقال له الرجل بأن عمال البريد مضربون عن العمل، فما كان منه إلا أن لبس بدلة المارشلية وذهب إلى مكتب البريد، وفتح باب المكتب ودخل على الموظف الشاب وقال له
- أيها الشاب اعطني شيك معاشي
فرد عليه الشاب بأن البريد كله في حالة إضراب
فصاح به مونتجمري:
- أيها الشاب إنني دفعت حياتي تقريباً لكي استحق هذا المعاش.. جئني به فوراً فما كان من الشاب إلا أن فتح الدرج وأخرج المظروف وناول الجنرال شيكه. وكانت هذه آخر معركة خاضها الجنرال في حياته، حيث توفي بعدها ببضعة أشهر...!
::::::::::::::::::::::::::::::::
بما أن الجميع على ثقة تامة أنه سوف يأتي اليوم الذي تسلب منه جميع صلاحياته و قوته فلماذا لا نفرض أحترامنا على الناس و ذلك بالمعاملة الطيبة و حسن الخلق...
|