06-09-2007, 02:03 PM
|
عضو سوبر
|
|
تاريخ التسجيل: Jan 2007
المشاركات: 476
معدل تقييم المستوى: 37
|
|
معونات العاطلين
لست أدري إن كانت الصحافة وكتاب الأعمدة اليومية والأسبوعية قد أولوا عنايتهم لموضوع التصويت الذي جرى في مجلس الشورى في شهر يوليو الماضي حول "التوصية" بصرف مخصصات مالية شهرية للعاطلين أو ما يعرف ببدل البطالة، والذي لم يفز بالأغلبية (76 صوتاً)؟ أم إن سقوط مشروع تلك التوصية مر مرور الكرام دون أن تعيره الصحافة عموماً وأي من كتاب الأعمدة الصحفية أدنى اهتمام، شأنه في ذلك شأن بقية توصيات المجلس، وما أكثرها.
إن متابعتي... والتي لا أدعي أنها تشمل قراءة الصحف اليومية جميعها، لم تكشف لي إذا استثنيت صحيفة "الوطن" أن الصحافة أقامت الدنيا وأقعدتها أسفاً على سقوط تلك التوصية الهامة والخطيرة أو أنها طالبت بإعادة التصويت عليها في ظل حضور معقول لأعضاء المجلس لا في ظل غياب بلغ ثلث أعضائه تقريباً!! أو أن عدداً من كتاب الأعمدة فعل الشيء نفسه.
نعم أعلم بأنها "توصية" قد يقول البعض بأنها "لا طلعت.. ولا نزلت" وأنها ليست في حال فوزها بالأغلبية أو أكثر "قراراً" ملزماً يبهج أولئك العاطلين من الشباب الذين لا يدرون متى ستنتهي بطالتهم وحرمانهم من حقهم الطبيعي في الحياة وبناء مستقبلهم، ويبدد قلق أسرهم وذويهم الذين أرهقهم انتظار تخرج أبنائهم، فوجدوا أنفسهم بعد تخرجهم مطالبين بانتظار من نوع آخر غير محدد، قد يمتد بهم شهوراً في أحسن الأحوال، وقد يمتد بهم سنين في أسوأ الأحوال، ومع ذلك فإن لـ "التوصية" أهميتها في حال خروجها من "المجلس" حتى ولو تهددها طوفان الورق والملفات والأضابير بعد ذلك بالموت بـ "أسفكسيا" الاختناق قبل أن ترى النور وتتحول إلى "قرار" سعيد على أولئك العاطلين وأسرهم، لأن خروج توصية تطالب ببدل بطالة لخريجي الجامعات والكليات والمعاهد، وإنما يعكس واحدة من أفضل الصور وأنبلها وأجملها عن "المجلس" المنتقدة صلاحياته (الأربع) خارجياً بقدر ما هي منتقدة داخلياً ويبعد عن أعضائه تهمة غيابهم عن واقع معاناة مواطنيهم، وشباب الخريجين العاطلين في مقدمتهم، ويؤكد معرفتهم بما يجري في العالم من حولنا في مثل هذه القضايا الحقوقية وليس الإنسانية وفي دول يبلغ تعداد سكانها ما يزيد عن ثلاثة أضعاف سكاننا كفرنسا وألمانيا... مثلاً!
وللحق فإن الذي تقدم بطلب تلك "التوصية" من المجلس بـ "صرف مخصصات مالية شهرية للعاطلين" هو أحد أعضائه: المهندس سالم المري. كما ذكرت صحيفة "الوطن" وقد أيده ثلاثة وعارضه ثلاثة قبل أن يجرى التصويت بين الأعضاء الحاضرين وكان عددهم لا يزيد عن مئة واثنين من الأعضاء.
ويبدو أن المهندس سالم المري، الذي لم أشرف بمعرفته من قبل ولكنني أكبرت فيه تقدمه بطلب تلك "التوصية" كان متابعاً لهذه القضية الحساسة منذ بداياتها وإلى أن انفجرت هي وموضوع الفقر في المملكة عام 1423هـ. وليس كما يحلو لبعض المسؤولين التهوين من شأنها ووضعها في دائرة الالتباس تحت عنوان تعجبي ضخم: "كيف لبلد يستورد أربعة ملايين عامل، ثم أصبحت خمسة ملايين ثم أصبحت ستة ملايين، ثم أصبحت سبعة ملايين عامل، ثم لا يجد مواطنوه عملاً"؟! وعليه فإن "البطالة" أكذوبة من أساسها، أو أنها عند المعتدلين منهم "اختيارية" فهي فقط عند أولئك الذين لا يريدون عملاً إلا في حي العليا بالرياض، أو حي الحمراء في جدة، أو على شاطئ نصف القمر في الخبر!!
ففي عام 1423هـ قدم إلى "المجلس" الدكتور علي النملة وزير العمل والشؤون الاجتماعية آنذاك للرد على أسئلة الأعضاء وملاحظاتهم حول التقرير السنوي عن أداء وزارته، وقد تضمنت ردوده على استفسارات الأعضاء ومناقشاتهم، الإشارة بوضوح وجلاء إلى كثير من قضايا العمل والعمال والشؤون الاجتماعية كـ "توحيد استصدار تأشيرات استقدام العمالة، وأهمية ذلك في متابعة المتاجرة بالتأشيرات"، وكرصد مبلغ مئة مليون ريال لوضع استراتيجية لمكافحة الفقر، و "أنه لا يؤيد آراء للبعض لا تعترف بوجود فقر في المملكة مشيراً إلى زيارة سمو ولي العهد للأحياء الفقيرة في رمضان الماضي أوضحت بجلاء مدى المشكلة" وأن هناك نظاماً جديدا للضمان الاجتماعي تم رفعه للمقام السامي وهو في الطريق إلى مجلس الشورى" و "أن إمكانية صرف مساعدات للعاطلين عن العمل أسوة ببعض الدول، مطروحة".
بعد ذلك تقدم وزير العمل والشؤون الاجتماعية، باقتراح "لمجلس القوى العاملة، حول تعويض العاطلين عن العمل يتمثل في دفع مبلغ ألف ريال للعاطل عن العمل و 1500 للعاطل الذي يعول أشخاصاً" لكن "أمانة مجلس القوى العاملة" أوصت "بعدم ملاءمة أسلوب تعويض العاطلين عن العمل للتطبيق في السعودية لاختلاف ظروف سوق العمل فيها عن الدول التي تأخذ بهذا الأسلوب"!! ولست أدري حقا أين يكمن الاختلاف بيننا وبين الدول الأخرى!
وهكذا مات موضوع صرف معونات مالية للعاطلين أو بدل بطالة كما هو متعارف عليه، أو هكذا لاح لي عبر مسار موضوع هذه "المساعدة" أو هذا "البدل"!!
لكن عند مناقشة نظام العمل والعمال الجديد في الجلسة الرابعة والثلاثين من جلسات المجلس، وبحضور وزير العمل الجديد الدكتور غازي القصيبي (بعد أن أصبحت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وزارتين إحداهما: للعمل برئاسته والأخرى للشؤون الاجتماعية برئاسة الدكتور عبدالمحسن العكاس)، ورغم ملاحظاته الجيدة في عمومها على النظام والتي لا موضوع لمناقشتها في هذا المقال، إلا أن أحداً من الأعضاء (لم تذكر صحيفة "الوطن" اسمه هذه المرة) أعاد إلى أذهان الحاضرين الموضوع الجديد القديم عندما قدم اقتراحاً "حول صرف معونات مالية للعاطلين عن العمل على أن يتم توظيفهم ليقول الدكتور القصيبي في رده على الاقتراح "لو تم ذلك... فسنقضي على آمالنا في السعودة المتوخاة"!!
ولست أدري مرة أخرى كيف يقضي منح هؤلاء الشباب العاطلين عن العمل مبلغ ألف ريال أو 1500 لمن يعول أشخاصاً على "آمالنا في السعودة"؟! لكأن الدكتور غازي وهو الشاعر والمثقف قد نسي في عجلته لقفل الباب أمام هذا الموضوع وتداعياته المؤكدة من قبل أعضاء المجلس الآخرين، قول الإمام "أبي حنيفة": "لا تشاور من لا دقيق في بيته، فإنه موله تائه العقل" أم إننا نريد تدريب وتأهيل هؤلاء المولهين وتائهي العقول؟!.
على أية حال ومع هذا الرد "المسيج" للدكتور غازي... إلا أن الموضوع لم يقفل تماماً، وكانت شجاعة تحمد لعضو المجلس المهندس سالم المري (ومؤيديه... العضوين: محسن آل تميم، والدكتور علي الخضيري) أن يثير موضوع "التوصية" مجدداً وبعد كل الاختلافات في الرأي التي ظهرت على السطح بين الدكتور النملة من جانب وأمانة مجلس القوى العاملة والدكتور القصيبي من الجانب الآخر، عند مناقشة "التقرير السنوي لمؤسسة السكك الحديدية"... وقبل أن ينفض المجلس لإجازته السنوية، حيث جرى "التصويت على تلك التوصية" على عجل بالصورة التي تحدثت عنها في مستهل هذا المقال.
لكأني بالمهندس المري، أراد بإثارته لهذا الموضوع الذي يمس في صميمه حياة آلاف الشباب العاطلين وأسرهم، أن يمنح أعضاء المجلس فرصة أن يكونوا وكأنهم نواب عن الأمة يعيشون آلامها ويتحسسون مشاكلها ويدافعون عن حقوقها ومصالحها، ولكن "التوصية" تعثرت ولم تمض إلى طريق النهاية، ليقول أحد أعضاء المجلس دون ذكر اسمه لـ "الوطن" تمنيت لو نجحت هذه التوصية للإسهام في مساعدة الشباب السعودي الذي لم يجد عملاً في القطاع الخاص وذلك لتعزيز روح المواطنة لديهم ومحاصرة أزمة البطالة التي تمس الاستقرار الاجتماعي والأمن الوطني" فكان بذلك معبراً عن أصوات الناس. الصامتين والبعيدين الذين لا صلة لهم بالمجلس ولا بأعضائه.!!
وبعد...
إن التأهيل بنوعيه: لبعض الخريجين من أصحاب التخصصات التي لا يطلبها سوق العمل أو لغيرهم من حملة الثانوية أو ممن لم يتموها أو ممن تسربوا دراسياً قبل أن يصلوا إلى مرحلة الدراسة الثانوية يحتاج إلى جهود مكثفة متصلة دؤوبة على مختلف الجبهات وصولاً إلى أمل "السعودة" كما يعلم الدكتور غازي، ولكن ربما كان الأهم من ذلك، هو إيجاد الكيفية التي يمكن بها تحويل قناعات المجتمع الراسخة في الوظيفة الحكومية وشبه الحكومية، إلى قناعات جديدة تقبل بالعمل في القطاع الخاص وترحب به فضلاً عن أن تتسابق عليه خاصة إذا علمنا بأن الكثير من مؤسسات القطاع الخاص (باستثناء الكبيرة منها) ما تزال متواضعة، وربما بدائية في الكثير من مكوناتها فهي ليست "سيمنز" الألمانية أو "توتال" الفرنسية أو "جنرال موتورز" الأمريكية.
على أن "التأهيل" وتبديل" قناعات المجتمع... لايتمان بين عشية وضحاها بل هما يحتاجان إلى الكثير من الصبر والوقت، ربما لثلاث وربما لخمس، وربما لعشر سنوات، وليس من العدل حرمان هؤلاء الشباب من حق يعينهم على الحد الأدنى من أسباب الحياة، كل هذا الوقت كل هذا العمر!!
نعم إنه "حق" حتى في بلد غير ضريبي كبلدنا، إلا أنه حق يقوم عند القدرة عليه، ويسقط عند العجز عنه، وأحسب أننا في هذه الظروف الاقتصادية الوفيرة أقدر عليه حتى من الدول الضريبية التي أقرته، فهو تحصين للأمة، ورفع لدرجة مناعتها أمام الانحراف والسقوط والتردي، فـ "التحصين" كما يعلم الجميع، لا يتأتى بالمواعظ والخطب وحدها، كما أن "المواطنة" لا تقوم بحب الأرض والنخلة والبحر... وحدها!!
*كاتب سعودي
مـــــــــــــــــــــــــــــــــنقول
|