هل لك من ظل ؟
يوم أعلن الصيف حلوله وقدومه ، ارتفعت درجة الحرارة في بعض المناطق إلى 50 و60 درجة مئوية ، هاج الناس وماجوا ، وما استطاع أحد أن يحتمل مثل هذا الحر ، لم تتوقف المكيفات عن العمل ليلاً أو نهاراً ، ويمكنكم أن تدركوا أنه يفصل بيننا وبين الشمس 150 مليون كم فقط ، ويفصل بيننا وبينها طبقة الأوزون وغيره !
ما رأيكم لو قربت الشمس منا حتى ما يصبح بيننا وبينها قدر ميل ؟ في يوم تبدل به الأرض غير الأرض ، والسماوات غير السماوات ، يوم يقف الناس حفاة عراة ، قد نسى كل منهم التفكير في رغبته أو شهوته ، فالموقف عصيب ، والعرض على الله الواحد الجبار ..
في ذلك اليوم ، يقف البشر كلهم في صعيد واحد ، أبيضهم أسودهم فقيرهم غنيهم ، لا فرق ، قد تبدلت الموازين ، فبارت موازين الأرصدة والشيكات ، وحلت محلها موازين الأعمال والحسنات !
أرض الموقف قحلاء جرداء ، ليس فيها شجرة تظل أو حتى حائط يختبئ وراءه ، السماء ليست كالسماء ، ولا الأرض كالأرض ، لا جبال أو سهول ، لا مسطحات خضراء أو أزهار أو ورود ، كل ما في تلك الأرض غريب غريب !
دنت الشمس من الرؤوس ، حتى ما صار بينهن أكثر من ميل ، بلغ العرق من الناس كل مبلغ ، منهم من بلغ به العرق إلى كعبيه ، ومنهم من إلى ركبتيه ، ومنهم من إلى وسطه ، ومنهم من إلى رقبته ، ومنهم من يغطيه العرق ويلجمه إلجاماً !
بينما الناس في تلك الحال ، يرون في ناحية هناك ، أناس مثلهم ، قد أنعم الله عليهم فاستظلوا ، لا يشعرون بحر الشمس ولا يقاسونه ، لا يأتيهم العرق ولا يذوقونه ، يتساءل الناس من أولئك يا ترى ؟ وما الذي أبلغهم تلك المنزلة ؟ وما ذلك الذي يظلهم ؟ فهل تريد أن تعرف من هم ؟
هم أولئك الصفوة الذين وعدهم الله أن يظلهم بظله يوم لا ظل إلا ظله ، يظلهم بظل عرشه العظيم ، من هم أولاء ؟ وأي شيء أوصلهم تلك المنزلة ؟ هل تحب أن تكون منهم ؟
صنفهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى سبعة أصناف ، فقال : ( سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله ) فاختر لنفسك صنفاً واحرص على أن تنضم إليه ، فالظل ظل عرش الرحمن ، والمكان أرض المحشر ، والزمان يوم القيامة !
أولهم ( إمام عادل ) ، قد اتقى الله في رعيته ، فلم يظلمهم ولم يأكل حق أحدهم ، لم يتجبر عليهم أو يطغى فوقهم ، لم يستعمل جيوشه وحشوده لقهرهم وتعذيبهم ، حكم بشرع الله ، وحكم بين رعيته بالعدل والقسط !
( وشاب نشأ في طاعة الله ) ، فمن صباه إلى مراهقته وشبابه هو في طاعة الله ، لم يضل عن الطريق ، ولم يخطأ السبيل ، لم تطأ قدماه أوحال المعاصي ، لم يغتر بشبابه وما طال به الأمل !
( ورجل قلبه معلق في المساجد ) ، لا يسكن قلبه إلا بها ، ولا يجد راحة نفسه إلا فيها ، فهو يصلي الفجر فتتوق نفسه ليصلي الظهر وهكذا ، فحياته هناك ، واتصاله المفضل من هناك إلى الله سبحانه وتعالى ، وما مثله في المسجد إلا مثل السمكة في الماء !
( ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ) ، قد سما حبهما عن كل مصلحة ، وعن كل سبب دنيوي ، فكان حباً في الله ولأجل الله ، لا لأجل منصب أو مصلحة أو مال !
( ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ) ، المرأة جميلة لها منصب يحميها ويحميه ، وهي التي دعته وقالت ( هيت لك ) ، ولكن الرجل بلغت به التقوى والخشية مبلغاً يعصمه من الوقوع في الخطأ والرذيلة ، فتذكر أن الله يراه ، وابتعد عن الفاحشة بالرغم من تهيأ أسبابها ومن توفر الحماية له في الدنيا !
( ورجل تصدق بصدقة أخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) ، بلغ هذا الرجل من التقوى والإخلاص لله ، إلى درجة أنه أخفى الصدقة عن كل أحد حتى عن شماله ، التي لم تعلم ما أنفقته يمينه !
( ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ) ، قد خلا قلبه إلا من الله ، وخلا مجلسه من كل أحد ، فتذكر الله سبحانه وتعالى ، تذكر عظمته وقدرته ، تذكر مغفرته ورحمته ، فرق قلبه وأثر على عينيه ، ففاضت عيناه من دموع الخشية والرغبة !
أولئك السبعة هم الفائزون الرابحون بظل الرحمن ، فهنيئاً لنا إن كنا منهم ، ويا لخيبتنا إن كنا ممن يلجمه العرق !
راقت لي فحبيت انقلها لكم ...
ولكم التحية