16-09-2007, 01:50 PM
|
|
|
تاريخ التسجيل: Mar 2007
المشاركات: 3,650
معدل تقييم المستوى: 367106
|
|
لا وظائف للسعوديات!!!!
لا وظائف للسعوديات!
بقلم دكتور اميرة كشغري
كلما أغرقتنا الأسئلة في متاهات الإجابة، أو في متاهات الهروب من الإجابة، وجدنا أن علينا الرجوع إلى الواقع وفقه الواقع ومتطلبات الواقع كما نحياها لا كما ترسمها لنا ورديات التصريحات أو خضر العيون.
الشكوى تتكرر... البطالة ترتفع.. السعودة تتراجع.
الثانويات تخرج أعداداً مهولة من الطالبات كل عام...
الجامعات والكليات تقذف بالآلاف من الخريجات كل عام في الوقت الذي لا تكاد تستوعب فيه أرتال الطالبات المستجدات...
الوظائف النسائية مقفلة إلى أجل غير مسمى...
هناك بدون شك مشكلة أخذت تتفاقم في السنوات الأخيرة. فهل يعقل ألا تكون هناك وظائف للسعوديات حتى الحاملات منهن لدرجة البكالوريوس؟ هل صحيح أن ديوان الخدمة المدنية لم يعين أي خريجة من كليات التربية للبنات منذ أكثر من خمس سنوات؟ هل يعقل ألا تجد المرأة السعودية عملاً ومدارسنا لا توجد بها حتى عدد (1) فنية في الكهربائيات والتقنيات لإصلاح الأجهزة المتعطلة؟ هل يعقل ألا تجد المرأة السعودية عملاً ومستشفياتنا في طول البلاد وعرضها تستقدم آلاف الممرضات وفنيات المختبرات؟ هل يعقل ألا تجد المرأة السعودية عملاً ونحن نستقدم اختصاصية التغذية واختصاصية التجميل واختصاصية التأهيل واللياقة في مراكزنا الصحية والتجميلية؟
في ظل هذه المتناقضات يبدو أن مشكلة وجود أو عدم وجود وظائف للسعوديات لا يمكن أن تناقش إلا في نطاق أربع دوائر متشابكة. الدائرة الأولى هي دائرة التعليم والتأهيل اللذين توفرهما مؤسسات التعليم المختلفة للمرأة السعودية. الدائرة الثانية هي دائرة سوق العمل أي الفرص الوظيفية المتاحة للمرأة السعودية. أما الدائرة الثالثة فهي دائرة التشريعات والقوانين التي تسنها الدولة لحماية وتعزيز عمل المرأة في مجالات غير تقليدية. ثم الدائرة الأكثر تعقيداً، وهي دائرة العوائق الاجتماعية وتشمل نظرة المجتمع المؤطرة بما يبيحه للمرأة من مجالات عمل واتجاهات المرأة السعودية نحو العمل.
أصبح واضحاً أن التأهيل الذي تقدمه المؤسسات التعليمية للنساء في المملكة لا يتعدى في مجمله التعليم النظري التقليدي في مجالات لا تتناغم مع متغيرات سوق العمل في العصر الحديث. فعلى سبيل المثال فقط، ظلت كليات التربية تخرج طالبات في نفس التخصصات لأكثر من ربع قرن، أي إعداد معلمات للعمل في مجال التعليم في الوقت الذي أشبع فيه هذا المجال من السعوديات ولم تعد هناك وظائف للمعلمات.. لماذا إذن تتواصل هذه الكليات في تخريج طالبات وفي نفس التخصصات؟ والسؤال الأكثر إلحاحاً، لماذا تصر الطالبات على الالتحاق بهذه الكليات وهن على دراية تامة بأنهن لن يجدن وظائف في المجال الذي أمضين فيه أربع سنوات من عمرهن؟
الجامعات بجميع فروعها العلمية والأدبية تسير أيضاً في نفس الاتجاه.. جامعاتنا الحكومية كلها تخرج طالبات بدرجة البكالوريوس بعد أربع سنوات من الدراسة النظرية في مجالي العلوم الطبيعية أو العلوم الإنسانية. وباستعراض مفصّل للتخصصات الدقيقة في هذين المجالين سواء في كليات العلوم أو الآداب أو التربية، نجد الفجوة كبيرة بين المهارات التي يتطلبها سوق العمل وتلك التي تقدمها هذه التخصصات. فخريجة كلية العلوم في تخصص الرياضيات مثلاً لن تكون مهيأة للعمل في مجال التقنية أي لن تستطيع العمل في المصنع أو المختبر. وخريجات العلوم الطبيعية والإنسانية من هذه الجامعات ليس لهن من وظائف إلا اللمم ولمن رضيت بشروط العمل الاجتماعية والاقتصادية. لا عجب إذن أن نرى بعضاً من خريجات الجامعة من السعوديات ممن يعملن في وظائف "بائعات" في محلات تجارية أو "موظفات استقبال" في مستشفيات أو بنوك. هذا ليس تقليلاً من قيمة هذه الوظائف بقدر ما هو أسف على هدر الموارد والطاقات البشرية التي لم تؤهل بشكل مناسب. نحن إذن في حاجة إلى نظرة جديدة بل إلى فلسفة جديدة للتعليم العالي. تجارب العالم من شرقه إلى غربه تقول إن مسارات التعليم الجامعي أصبحت غير مقصورة على دراسة نظرية تنتهي بعد أربع سنوات بشهادة لا تؤهل الخريجة للالتحاق بسوق العمل الذي يتطلب التدريب الجيد والإعداد الفني في مجالات غير تقليدية. هناك مسار الدبلومات السريعة لمدة سنة مثلاً في مجالات حيوية مثل التجميل والسباكة والنجارة والسكرتارية والميكانيكا وغيرها من المجالات المهنية المطلوبة في سوق العمل السعودي. هناك مسار الدبلومات المتخصصة لمدة عامين في مجالات تتطلب دمجاً بين الجانب العملي والنظري مثل برمجة الحاسب، التقنيات المتقدمة، التصميم، التغذية، الضيافة وغيرها. إن تغيير فلسفتنا في الربط بين التعليم العالي واحتياجات سوق العمل كفيل بتغيير الكثير من برامج الجامعات والكليات وتعديلها بحيث تكون أكثر توسعاً ومرونة في تلبية رغبات الطالبات وتأهيلهن لما هو مطلوب في سوق العمل اليوم.
أما دائرة الفرص الوظيفية المتاحة للمرأة السعودية فهي بدون شك أكبر مما نتصور. فمنذ فترة ليست بالبعيدة نشرت الصحف السعودية إعلانًا يقول "مطلوب مدبرة منزل سعودية"، وحينها قامت الدنيا ولم تقعد، واعترض الكثيرون على نشر الإعلان متسائلين: هل وصل الحال بالسعوديات أن يعملن خادمات في البيوت؟ ولكن يبدو لي أنه خلال فترة قريبة ستصبح هذه الإعلانات مألوفة للسعوديين مع تنوع مجالات العمل، كالإعلان عن مطلوب "سباكة" أو "كهربائية" أو مربية أطفال أو أي مهنة أخرى.
هناك وظائف بل الآلاف من الوظائف ولكن هناك أيضاَ عوائق للوصول إلى هذه الوظائف. العوائق هنا تشمل نوعين من الأبعاد: فبالإضافة إلى البعد التأهيلي، أي التدريب والإعداد لنوعيات جديدة من المهن مثل السكرتارية، التمريض، الصناعة، السباكة، السياحة، الفنون، والتقنيات، هناك البعد الاجتماعي، أي فتح الفرص ووضع اللوائح التي لا تقف عقبة أمام المرأة السعودية التي ليس لديها مانع في الانخراط في مثل هذه المهن الجديدة. وهنا ندخل في الدائرة الثالثة وهي دائرة التشريعات والتسهيلات القانونية التي تضعها الدولة لمساندة المرأة التي تدخل مجال المهن الجديدة. ويكفي هنا أن نشير إلى الصعوبات والمعوقات التي تواجه سيدات الأعمال في إصدار التراخيص لبعض الأنشطة، مثل صالونات التجميل والمقاهي والمطاعم والنوادي الصحية النسائية ومراكز الخدمات الخاصة بالسيدات وغيرها من الأنشطة التجارية. هؤلاء السيدات في حاجة إلى قوانين وتشريعات مساندة تطبقها الجهات الحكومية المعنية بدلاً عن المماطلة والتأخير وتثبيط الهمم. قرارات مجلس الوزراء الهادفة إلى تعزيز دور المرأة، وتوسيع مجال عملها لتحسين مشاركتها في تنمية الاقتصاد الوطني في حاجة للتطبيق وليس للسكون داخل الأدراج.
وإذا كانت هذه الدوائر الثلاث متحققة مادياً فإنها لن تكتمل دون أن يكون هناك تغيير في الاتجاهات الاجتماعية لطبيعة عمل المرأة وضرورته، ليس باعتباره ترفاً أو ترفيهاً بل باعتباره حقاً للمرأة الراغبة والمحتاجة والقادرة على القيام به.
إن التحولات الاقتصادية في مجتمعنا تفرض نمطاً جديداً من التفكير فيما يتعلق بمفهوم عمل المرأة السعودية. فما كان ترفاً قبل عقدين من الزمان أصبح اليوم ضرورة وما كان خيالاً أضحى واقعا.ً فكما أنه من المستحيل ألا نعرف للمرأة عملاً سوى التعليم، كذلك فمن السذاجة أن نعتقد أن مجال التعليم سيستوعب كل النساء السعوديات. الكثيرات من النساء السعوديات في وضع اقتصادي صعب يجبرهن على قبول وظائف ومهن لم تكن مقبولة من قبل. هناك الكثير من الفتيات اللاتي ينتمين لطبقات اقتصادية واجتماعية تحتاج إلى معيل ولا يوجد لديهن معيل، فتضطر المرأة إلى خوض مجال العمل حتى تكفل لها ولأسرتها حدّ الكفاف من المعيشة الكريمة. إن هذا التحول الاقتصادي يؤدي حتماً إلى تغير في المواقف الاجتماعية تجاه عمل المرأة من قبل المرأة ذاتها ومن قبل المجتمع بشكل عام.
و إذا لم نتمكن من العمل بمرونة واتخاذ القرارات بشجاعة على مستوى الدوائر الأربع فإننا لن ننجز حلاً لهذه الظواهر الأسئلة، ولن نتقدم كثيراً في مناقشة الداء. ولذلك يكون "مريعاً" تكرار الأسئلة. لكنها ما زالت تتكرر رغماً عن الجميع.
المصدر جريدة الوطن
|