سلة المهملات ليست سلة واحدة في أكثر البيوت والمؤسسات الأميركية، بل هي سلات، إحداها للفضلات، والأخريات للمواد القابلة للتدوير مثل الورق والزجاج والبلاستيك والمعادن. حيث يقوم الأميركيون بتدوير ما يقارب 35% من النفايات حالياً، في حين لم تكن هذه النسبة إلا 6% عام 1960 و16% عام 1990، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية.

وتُعد المواد الورقية أكبر مكوّن من مكونات المخلفات الصلبة، إذ يشكل الورق ما بين 31% إلى 38% من مكونات المكبّات في الولايات المتحدة. والورق أيضاً من أكثر المواد التي يتم تدويرها، حيث بلغ نسبة الورق المدوّر في أميركا 50.3% في عام 2003 وفقاً لجمعية الغابات والورق الأميركية. إذ يقوم الأميركيون مثلاً بتدوير 60% من نسخ الجرائد التي يبلغ عددها 62 مليون يومياً، بحسب الجمعية نفسها.

لماذا تدوير الورق؟
يمكن إدراك أهمية تدوير الورق بالنظر إلى ضخامة أعداد الأشجار التي تقطع لصناعته، لكن الأمر لا يتوقف عند ذلك.

يقول جيسون رادتيكي مدير المبيعات الوطنية في شركة رويال المتخصصة في تجميع الورق وشحنه لأغراض التدوير ومقرها مدينة كولومبوس بولاية أوهايو: "يساعد تدوير الورق على المحافظة على مواردنا الطبيعية من أجل مستقبل أفضل. ومن هذه الموارد الأشجار والماء والطاقة ومساحات مكبّات النفايات والنفط، كما يقلل من تلوّث البيئة. علاوة على ذلك، فإن عملية تدوير الورق يخلق وظائف تفوق بخمسة أضعاف عدد الوظائف اللازمة لتصنيع الورق من لب الشجر".

على أن لعملية تدوير الورق مشكلات أهمها عملية تجميع الورق المستهلك، فرغم القرارات الحكومية الرامية إلى تشجيع التدوير والأنظمة والقوانين التي تسنها الولايات والمدن والتعاون بين الحكومات والصناعات المختلفة، ما زالت هناك ضرورة لمزيد من التعاون من قبل المستهلك.
يقول رادتيكي: "ما زالت هناك حاجة لتوعية الناس بشكل أكبر حول موضوع التدوير، فكثير من الناس يجهلون أهميته".

أما المشكلة الأخرى المتعلّقة بتدوير الورق فهي أن الورق المدوّر في الغالب يكون ذا جودة أدنى من الورق المصنوع من لب الشجر الأصلي، لذا يستخدم الورق المدوّر في الغالب لصناعة الورق الخاص بالجرائد أو الكرتون. كما أن المكبّات ومعامل التدوير ليس كلها لديها التكنولوجيا الضرورية لفصل الورق الجيد عن الورق غير الجيد.

صناعة الورق المدوّر
logo تمر عملية تدوير الورق بمراحل أولها الفصل بين الألياف في الماء لتكوين ردغ اللبابات، ثم ينظّف اللباب لفصله عن أي مكوّنات أخرى، ثم يزال الحبر عنه باستخدام هيدركسايد الصوديوم أو كربونات الصوديوم، وقد تتم عملية تبييضه، وأخيراً يتم تصنيع الورق من هذه الألياف بخلطها بألياف لب الشجر الأصلي لتحسين جودتها أو تصنيع الورق كاملاً من ألياف الورق المدوّر.

وقد طوّر باحثون في جامعة فلوريدا أسلوباً جديداً لإزالة الحبر عن الورق يتوقع أن يحسّن من العائدات المالية بتدوير أنواع أكثر من الورق بطرق أقل كلفة من الوسائل المستخدمة حالياً. فالأسلوب الجديد يزيل الحبر والأصباغ عن أنواع الورق المختلفة، مثل الجرائد والمجلات ذات الأوراق اللامعة وحتى الأوراق ذات الأنسجة الرقيقة، ويكون الورق الناتج بنفس جودة الورق الأصلي.

فعملية إزالة الحبر في الطريقة التقليدية تتم بخلط اللباب بمواد كيماوية تسمى مواد خافض للتوتر السطحى surfactants تقوم بامتصاص حبيبات الحبر، وبعد تحويل الخليط إلى آلات للتعويم يتم مزج الخليط ونفث الهواء فيه لخلق فقاعات. وفي بعض الأحيان حين يستخدم الهواء المضغوط تلتصق الحبيبات بالفقاعات وتطفو إلى سطح الحوض، وفي أكثر الأحيان يتم إضافة مواد أخرى خافضة للتوتر السطحي لتحويل الفقاعات إلى زبد. وأخيراً يتم إزالة الزبد الذي يحمل الحبر ويتم تحويل اللُّباب المتبقي إلى ورق.

أسلوب جديد
أما الأسلوب الذي طوّره فريق الباحثين في جامعة فلوريدا وعلى رأسهم الدكتور حسن الشال، فهو يستبدل المواد الخافضة للتوتر السطحي التي تعد عالية الكلفة بمزيج من المواد الكيماوية الأقل كلفة. هذه الكيماويات تمتزج بألياف الورق لتشكل فقاعات هوائية، مما يُلغي الحاجة إلى هواء مضغوط، ويؤدي إلى انفلات الحبر عن الورق وطوفانه على السطح ليتم إزالته.
يقول الدكتور حسن الشال، مدير الأبحاث المشارك في مركز أبحاث هندسة الجسيمات في جامعة فلوريدا: "هذه التكنولوجيا أرخص من الأساليب الحالية المستخدمة بـ25% إلى 40%، كما أنها لا تستخدم الحرارة، فهي تقلّل من تكاليف الطاقة".

ويقوم القسم بالإعداد لمشروع عملي تجريبي قائم على أبحاث التكنولوجيا التي تم تطويرها في جامعة فلوريدا، وقد تم تسجيل براءة اختراع لها. هذا التطبيق العملي سيتم في مصر في مدينة السادس من أكتوبر الصناعية القريبة من القاهرة بالتعاون مع شركة كارمن. يقول الدكتور الشال: "معظم الشركات في مصر تستورد خلطات الألياف من أوروبا وغيرها من أجل صناعة الورق، ويمثّل هذا المشروع فرصة للحصول على مصدر لخلطات الألياف من الورق المدوّر نفسه