وقف ضابط التحقيق في مشعر مزدلفة بعد عام من تخرجه، لا يحمل في ذاكرته طموحا للوصول إلى مراكز متقدمة، كان همه الوحيد إثبات وجوده في المهمة الموكلة له، عشق التحقيق في القضايا وأصبح أكثر ولعا رغم صغر سنه آنذاك، كان يمعن النظر في أنواط الضباط عندما حصد أول ميدالية للتقدير العسكري، دون أن يعلم أنه سيحمل أكثر منها على صدره.
ارتبط الملازم سعيد بن عبدالله القحطاني بالتحقيق وسرعان ما أصبح ذات يوم مدرسا له في معهد الأدلة الجنائية، وأعد المادة العلمية بذلك، أبهر زملاءه من حوله، وازداد ولعه بالتحقيق، وانخرط في العمل الجنائي إلى أن أصبح رئيسا لقسم التحقيق في قضايا النفس في الأمن الجنائي، وانطلق من ذلك العام 1402هـ إلى المشاعر المقدسة قائدا لوحدات التحقيق في عرفات لأربع سنوات، ثم انتقل في نفس الموقع في مشعر منى لسنوات مماثلة.
تغير وضع ذلك الضابط الصغير واختلف طموحه بعد أن مر بمراحل متعددة في السكرتارية والأعمال المكتبية وصولا إلى ما يعشقه من عمل أضاف له منجز الوقوف على سنم التحقيقات الجنائية من الشعبة إلى الإدارة، ونال ثقة من حوله في الأمن العام، وبدأ يتدرج في المواقع القيادية المتعددة وأثبت نجاحات كبيرة في تطوير خطط الأمن الجنائي في الحج.
بعد 28 عاما من تخرجه عين مديرا لشرطة منطقة مكة المكرمة، وكانت بوابته التي عبر من خلالها للوصول إلى هرم القيادة الأمنية، حلم كل رجل أمن مخلص طموح، في أعقاب النجاحات الأمنية الباهرة التي سجلها مع زملائه في الشرطة للتصدي للمحاولات البائسة للزمرة الضالة في زعزعة أمن واستقرار الوطن.
وما أن باشر الفريق سعيد بن عبدالله القحطاني عمله مديرا للأمن العام، حتى شرع في تنفيذ توجيهات رجل الأمن الأول نايف بن عبدالعزيز إلى واقع ملموس بدعم نائب وزير الداخلية وأشراف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، وتطبيق أولوياتهم بإعادة الهيكلة وتحديث الأنظمة، وتطوير القطاعات، وصولا إلى تنفيذ واحد من أهم المشاريع الأمنية والمرورية على مستوى المملكة المعروف باسم ساهر.
ولأن موسم الحج وأمن الحجيج ورعايتهم هو الهم الأبرز لهذه البلاد قيادة وشعبا، فإن الفريق سعيد القحطاني يدرك جيدا حجم المهمة، وعظم الأمانة المؤكلة إليه في تحقيق هذه الأهداف السامية، فأولاها جل اهتمامه وكرس جل خبراته خدمة لضيوف الرحمن وأداء للأمانة، فعلى صعيد المشاعر المقدسة ينسى الجميع رتبهم ومواقعهم ومسؤولياتهم ويتذكرون فقط أنهم جنود مسخرون لخدمة هؤلاء القادمين من كل فج عميق.
وعندما ترى مدير الأمن العام وهو يتنقل بدراجة نارية من موقع إلى آخر داخل المشاعر فذاك من صميم واجبه كما يراه هو وكما أريد لمهمته، فقد عرف عنه أنه مبدع في عمله، يتحلى بروح القيادة وفن التعاملات والعلاقات الإنسانية، وحرصه على العمل في صمت دون ضجيج، فضلا عن أبدعه في التعامل مع الآخرين، وإيمانه بالعمل الجماعي والإنصات لكل ضابط وفرد، متطلعا إلى المستقبل بروح المشاركة، وبث مبدأ العلاقات الإنسانية، مؤمنا بأنه لن ينجح بمفرده، مما حفز وشجع العاملين معه على العمل بكل إخلاص وتفان, وذاك هو سر النجاح.