للنســاء فقط " أشواك على الطريق " احذري منها
أخيتي: أهلا وسهلا بك من جديد في رحلتنا إلى الله، عشت خلال تلك الرحلة مع دار القرار، وعرفتي فيها الحقيقة واستشعرتي فيها المصير، وعلمت أن الأمر جد لا هزل فيه، فإنما هو جنة أبدا أو نار أبدا.
ثم توقفتي أمام عظمة الكبير المتعال، المالك المقتدر، جبار السماوات والأرض، فعند هذه المسافة تبرز العقبة الكؤود التي تعوق سيرك إلى الله تعالى،
تلك هي أشواك المعاصي والذنوب التي نثرها الشيطان أمامك، ليقطع بها سيرك إلى ربك، إنها تلك الشهوات البراقة التي يغري بريقها الزائف أكثر الناس، فيعميهم عن حقيقة قبحها، وآثارها المهلكة التي تفسد حياته في الدنيا والآخرة، عالي بنا الآن أصحبك في جولة سريعة لتتعرفي على بعض آثار تلك الأشواك الدامية.
عقوبات الآثام في الدنيا:
يقول الإمام بن القيم رحمه الله: مما ينبغي أن يعلم أن الذنوب والمعاصي تضر، ولا شك أن ضررها في القلوب أشد من ضرر السموم في الأبدان، على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا وسببه الذنوب والمعاصي..؟
فما الذي أخرج الأبوين من الجنة..؟
وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم..؟
وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم..؟
....... إلى آخر كلامه رحمه الله، أما الآن فإليك جولة تفصيلية في آثار الذنوب والمعاصي، لتعلمي أي خسارة تجنيها، وأي غبن يلحقك، عندما تقدمي على مخالفة مولاكي، فإن للمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله.
عقوبات الحياة الدنيا
1- حرمان نور العلم:
فإن العلم بشريعة الله تعالى نور يقذفه الله في القلب والمعصية تطفيء ذلك النور، قال الإمام الشافعي رحمه الله:
شكوت وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال: اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يؤتاه عاص
2- حرمان الرزق:
فكما أن تقوى الله تعالى مجلبة للرزق، فترك التقوى مجلبة للفقر، فما استجلب رزق بمثل ترك المعاصي، كما قال عز وجل:
((ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون))، الأعراف: 96.
3- تعسير أموره عليه:
فلا يتوجه لأمر إلا ويجده مغلقا دونه، أو متعسرا عليه، وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا، فمن عطل التقوى جعل له من أمره عسرا، ويالله العجب.
4- توهن القلب والبدن:
أما وهنها القلب، فأمر ظاهر، بل لا تزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية، وأما وهنها البدن، فإن المؤمن قوته من قلبه وكلما قوي قلبه، قوى بدنه، وأما العاصي فإنه وإن كان قوي البدن فهو أضعف شيء عند الحاجة، وتأملي قوة أبدان الفرس والروم، كيف خانتهم عند أحوج ما كانوا إليها، وهزمهم أهل الإيمان بقوة أبدانهم وقلوبهم.
5- حرمان الطاعة:
فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا إنه يصد عن طاعة تكون بادية، ويقطع طريق طاعة أخرى، فينقطع عليه طريق ثالثة، ثم رابعة، وهلم جرا، لكفى. وهذا كرجل أكل أكلة أوجبت له مرضا طويلا، منعه من عدة أكلات أطيب منها، والله المستعان.
6- الثمار الخبيثة:
المعاصي تزرع أمثالها، وتولد بعضها بعضا، حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها كما قال بعض السلف: "إن من عقوبة السيئة، السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها.
7- وحيل بينهم وبين ما يشتهون:
فالمعاصي تضعف القلب عن إرادته، فتقوى إرادة المعصية وتضعف إرادة التوبة شيئا فشيئا إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية، فلو مات نصفه لما تاب إلى الله.
8- إلف المعصية:
حيث أنه ينسلخ من القلب استقباحها، فتصير له عادة، فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له عليها، وحتى يفتخر أحدهم بالمعصية، وهذا الضرب من الناس لا يعافون، ويسد عليهم طريق التوبة، وتغلق عنهم أبوابها في الغالب، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
((كل أمتي معافى إلا المجاهرين،وإن من الجهار أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله تعالى،فيقول:عملت البارحة كذا وكذا،وقد بات يستره ربه،ويصبح يكشف ستر الله عن))، صحيح.
9- هانوا على الله فعصوه:
فالمعصية سبب لهوان العبد على ربه تعالى، وسقوطه من عينه، قال الحسن البصري رحمه الله: "هانوا عليه فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم"، وإن هان العبد على الله لم يكرمه أحد، يقول تعالى: ((ومن يهن الله فما له من مكرم))، الحج: 18.
حتى وإن عظمهم الناس في الظاهر لحاجتهم إليهم فهم في قلوبهم أحقر شيء وأهونه.
10- ذل المعصية:
فالمعصية تورث الذل ولابد، يقول تعالى: ((من كان يريد العزة فلله العزة جميعا))، فاطر: 10، يقول عبد الله بن المبارك رحمه الله:
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها
11- الاستهانة بالعصيان:
فالعبد لا يزال يرتكب الذنوب حتى يهون عليه الذنب، ويصغر في قلبه وذلك علامة الهلاك وقد ذكر الإمام البخاري في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: ((إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه، فقال به هكذا فطار)).
12- تكاثر فطبع فغفلة فموت:
فالذنوب إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها، فكان من الغافلين كما قال بعض السلف في قوله تعالى: ((كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون))، المطففين: 14.
13- ليذيقهم بعض الذي عملوا:
ومن آثار الذنوب والمعاصي أنها تحدث في الأرض أنواعا من الفساد في المياة، والهواء، والزرع، والمساكن والثمار، يقول تعالى:
((ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون))، الروم: 14.
14- دياثة المعاصي:
فالمعصية تطفئ من القلب نار الغيرة، التي هي لحياته وصلاحه، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أغير الخلق على الأمة، والله سبحانه أشد غيرة منه، كما ثبت في الصحيح عنه أنه قال: " أتعجبون من غيرة سعد؟، لأنا أغير منه والله أغير مني ".
والقصود أنه كلما اشتدت ملابسة العبد للذنوب، أخرجت من قلبه الغيرة على نفسه، وأهله وعموم الناس.
15- ما لكم لا ترجون لله وقارا:
والمعاصي تضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله، وتضعف وقاره في قلب العبد ولابد، شاء أم أبى، ولو تمكن وقار الله وعظمته في قلب العبد، لما تجرأ على معاصيه، وكفى بالمعاصي عقوبة أن يضمحل من قلبه تعظيم الله جل جلاله، وتعظيم حرماته، ويهون عليه حقه.
16- نسوا الله فأنساهم أنفسهم:
والمعاصي تستدعي نسيان الله لعبده، وتركه، وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه، وهنالك الهلاك الذي ليس معه نجاة.
قال تعالى: ((يأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون – ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون)) الحشر:18-19.
17- قيود الذل:
فالمعاصي تأسر القلب، وتقيده، ومن ثم تضعف من سير القلب إلى الله والدار الآخرة، أو تعوقه وتوقفه، و عن السير، فلا تدعه يخطو إلى الله خطوة، هذا إن لم ترده عن وجهته إلى وراءه.
18- زوال النعم وحلول النقم:
فما زالت عن العبد نعمة إلا بسبب ذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة)، قال تعالى:
((وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)، الشورى:30.
19- جبن وخور وخوف:
ومن آثارها القبيحة ما يلقيه الله تعالى من الرعب والخوف في قلب العاصي، فلا تراه إلا خائفا مرعوبا.
20- عيش الستوحشين مر:
فيجد المذنب نفسه مستوحشا، قد وقعت الوحشة بينه وبين ربه وبين الخلق وبين نفسه، فلو نظر العاقل ووازن بين لذة المعصية، وما توقعه من الخوف والوحشة لعلم سوء حاله وعظيم غبته.
فإن كنت قد أوحشتك الذنوب فدعها إن شئت واستأنس
21- سوء الخاتمة:
وإذا نظرت إلى حال كثير من المحتضرين، وجدتيهن يحال بينهن وبين حسن الخاتمة، عقوبة لهم على أعمالهم السيئة.
فربما تعذر عليه النطق بالشهادة كما شاهدنا كثيرا من المحتضرين أصابهم ذلك حتى قيل لبعضهم: قل لا إله إلا الله، فجعل يهذي بالغناء، ويقول: تتا تننا تننا..... حتى قضى.. وغيره الكثير من سوء الخاتمة.
وإذا كان العبد في حال حضور لذهنه، وإرادته وكمال إدراكه، قد تمكن منه الشيطان واستعمله بما يريده من معاصي الله، وقد أغفل قلبه عن ذكر الله تعالى، وعطل لسانه عن ذكره، وجوارحه عن طاعته، فكيف الظن به حين سقوط قواه، واشتغال قلبه ونفسه بما هو فيه من ألم النزع، وقد جمع الشيطان له كل قوته وهمته وحشده عليه بجميع ما يقدر عليه، لينال منه فرصته؟!
فإن ذلك آخر العمل، فأقوى ما يكون عليه شيطانه ذلك الوقت، وأضعف ما يكون هو في تلك الحالة، فمن ترى يسلم من ذلك؟! فهناك:
((يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء)) إبراهيم: 27.
فكيف يوفق لحسن الخاتمة من أغفل الله سبحانه وتعالى قلبه عن ذكره، واتبع هواه، وكان أمره فرطا؟؟!
من إختياري
وننتظر تعليقاتكم
__________________