21-02-2011, 02:27 PM
|
عضو جديد
|
|
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 1
معدل تقييم المستوى: 0
|
|
لا يمكنك أن تتجاوز هذا الشعور وأنت تستمع مثلاً لوائل غنيم،
سيظل التاريخ مدينا للثورة المصرية بدروسها وعبرها، وسيظل مديناً لأبطال مصر وشهدائها الذين سطروا صفحة جديدة وأضاؤوا القنديل في آخر النفق.
ولعل أبرز ما أضاءت هذه الثورة هو معنى حب الوطن حباً خالصاً ونقياً. حيث لا يمكنك أن تتجاوز شعور النشوة وأنت تقرأ أو تسمع لأحدهم وهو يتحدث بكل زهو عن مصر التاريخ ومصر الحاضر ومصر المستقبل، يتحدث كما لو كان وطنه أماً له، يخبرها بآماله، بل ويحرص عليها من كل من يتربص بها من الداخل أو الخارج.
لا يمكنك أن تتجاوز هذا الشعور وأنت تستمع مثلاً لوائل غنيم، الذي يسكن بدولة الإمارات في أفضل عيشة وأجمل مركب ومسكن وأروع حياة -يتخيلها أي سعودي- ليعود إلى مصر في وقت عصيب ويساهم في تنظيم الثورة ويُسجن ١٢ يوماً ثم يخرج بعد كل هذا ليقول: “بأحبك أوي يا مصر ، و أنا رح أموت في ميدان التحرير!”
لا يمكنك أن تتجاوز هذا الشعور وأنت تقرأ لعمرو سلامة، حيث يكتب بالعامية الجميلة في صفحته بالفيس بوك بعد الثورة قائلا :
“من الآن دستورك في دماغك، قانونك هو أخلاقك، خططك هي أحلامك، أمنك هو روحانياتك، واجباتك أصبحت مسؤولياتك، أصابع اللوم تحولت لأصابع تقدر تبدع و ترسم و تبني.
من النهاردة خد المبادرة، من النهاردة هتخصص وقت من وقتك لبلدك، مش عشان إنت ملاك، لأ عشان عارف إنه هيرجعلك، من النهاردة هتبقى إيجابي و هتشارك، مش عشان دم الشهداء و الجرحى اللي نزلوا عشانك بس، لأ عشان كمان مستقبلك و مستقبل أولادك، من النهاردة، هيكون النهاردة هو النهاردة، بتعيشه و إنت بتصنعه.”
سألت نفسي، يا ترى لو كنت في مكان أحدهم أملك من متع الحياة الدنيا الشيء الكثير بل وحتى أملك القدر الكافي مما يعينني على أداء واجباتي الدينية ومهماتي الفكرية على أكمل وجه، هل يا ترى سأعود إلى هذا البلد وأضحي بكل هذا، بل وبأغلى ما أملك -روحي- لأجله ؟
ترددت كثيراً في الإجابة ولا أخفيكم. لأني في واقع الأمر، لم أشعر ذات يوم بمسؤولية تجاه وطني -كوطن- حتى يتوارد لدي ذلك الشعور الذي ورد لوائل وعمرو وغيرهم من ملايين الشباب المصري.
السؤال هنا، لماذا لا أشعر بتلك المسؤولية تجاه وطني حتى أحبه؟
ذات مرة، قال الدكتور محمد حامد الأحمري : نحن -في البلدان العربية- مساكنون، لا مواطنون. وكان يقصد بأننا مجرد سكان، أو كائنات بشرية، أبعد ما تكون عن مسمى مواطنين، لأن هذا المسمى يقتضي دلالات أخرى تماماً.
فماهو الوطن إذن؟
الوطن هو المكان الذي يتيح لأفراده أن يقرروا مصيرهم، ويرسموا مستقبل أبنائهم، ويزهون بحاضرهم الذي صنعه آباءهم. الوطن هو المكان الذي يجعل أفراده يتيهون فخراً لأنهم من أبنائه، ولأنه يمنحهم من الكرامة الإنسانية ما يرفع عنهم أي ظلم يقع عليهم، الوطن هو المكان.. بذاكرته التاريخية القديمة، وبآثاره العتيقة، وبحجارته التي تتحدث عن ماضيها، وبمقدساته التي تملأ قلبك هيبة بسكونها. الوطن يعلو على الأشخاص، بما فيهم ملوك وأمراء وعلماء وحكماء وجنود، الوطن يعلو على القبائل، يعلو على الطوائف، يعلو على الأعراق، يعلو على الألوان، يعلو على الأديان. الوطن هو تلك القطعة التي تمسك بذلك الحبل الوثيق الغليظ الذي يربطك مع التاريخ والمستقبل، هو الذي يرفعك عالياً. الوطن هو الذي تشعر بالحنين إليه مهما تنكرت له، هو الذي تشعر تسمع أنينه مهما أعرضت عنه، هو الذي ترى لمعة الأمل في مشرقه مهما كان الفجر مظلماً..
الوطن بكل بساطة، هو مكان تشعر بأنك -كفرد- جزء منه، لك اعتبارك، ولك صوتك، ولك رأيك، بغض النظر عن عمرك وعن جنسك، ولا شرعية تعلو فوق شرعية صوتك لأنك كفرد جزء من الشعب.
هأنا سأبلغ الثانية والعشرين من عمري بعد أشهر، وأنا بعدُ أخاف من أن أبدي رأيي في العلن، وأخاف من الحيطان ذات الآذان الطويلة، وأخاف من الأقلام ذات المسجلات المخفية. أتكلم وأكتب، وعيني على جوازي الأخضر الذي أخشى أن يُسلب مني بسبب رأي، فأُحرم من حق كفلته جميع أديان السماء والأرض. بل أهم من ذلك صورة أمي -حفظها الله- والتي أخشى حرماني من رؤيتها وسماع صوتها في غياهب بعيدة لن يذكرني فيها أحد.
شاب في مثل عمري ببلاد أخرى، يستطيع أن يحاور بحرية في شتى المجالات المعرفية، ويتحدث في سياسات بلده الخارجية، ويبدي صراحة عن توجهاته السياسية، لأن المجتمع يحترمه كفرد له كرامة، وليس كنسخة عقلية مكررة من أسلافه. يستطيع أن ينشيء مؤسسات مدنية مع أصدقائه، يستطيع أن يشتري الكتب التي تروق له من غير حاجة لجسر البحرين، يستطيع أن يعيش بدون خوف من تقرير قد يوقعه (لمجرد تشابه الأسماء) في غياهب السجن أعواما عديدة بلا تهمة ولا محاكمة.
درست في المدارس العامة ابتدائية ومتوسطة وثانوية، وكل ما علموني إياه حول (الوطن) هو مادة سقيمة مليئة بالحشو العقيم، علموني فيها أهمية الدوام على الصلاة، والآثار الإيجابية للمحافظة على النظام، وأسس النظافة الشخصية بمافيها التغذية الجيدة! علموني كذلك تقدير العادات الإيجابية كالكرم والشجاعة والإخلاص واحترام الآخرين! وأخيراً لم ينسوا أن يعرفوني على المنجزات الحضارية لبلادي، بما فيها منجز الجامعات السبعة الكبرى (آنذاك).
لم أتعلم في هذه المادة حرفاً واحداً عن حقوقي كمواطن. ولم تخاطبني المادة بلغة الحقوق أساساً. لا أذكر أني قرأت عن حقي في التعبير، وحقي في إبداء آرائي بحرية، وحقي في العيش بكرامة ، وحقي في تقرير مستقبلي والمشاركة في صناعة القرار وحقي في التنقل، لم أكن أعرف ان هذه حقوق شرعية ومدنية مكفولة لي أصلاً.
الوطن هو قيم من المساواة والعدالة نعيش لأجلها، وتضمن لنا -كأفراد- أن نكون مواطنين على مسافة متساوية من الوطن، دون وجود لمواطنين فوق العادة وآخرون تحتها! ودون شخصنة للوطن -ذاك المعنى العظيم- في صورة بشر ليقال لنا: هم الوطن! فيستقبل الوطن ويودع الوطن ويسافر ويأمر ويمنع! ليتحولوا في الصورة الشعبية إلى أيقونة رمزية للوطنية.. وبقدر ما نكون معهم، يكون لنا نصيبنا من الوطن. بدون شك أن لكل وطن شخصياته لكن أن يتم حصر الوطنية فيها وفي تقاليدها وثقافتها ولبسها، فهذا اختزال للتاريخ
أريد أن أشعر بمسؤوليتي كفرد تجاه وطني عبر مشاركتي في تقرير حاضره ومستقبله، وأريد أن أمشي في شوارعه وأنا أرقص طرباً وزهواً بوطن كهذا، أستطيع أن أرفع صوتي في أي وقت أخاطب فيه جميع مسؤولي البلد : من أين لكم هذا؟ … ولا أريد أن أسير فيه مطاطئ الرأس ذليلاً لأني عاجز عن رفع صوتي بالسؤال عن الأرواح البشرية التي ذهبت ضحايا لكوارث جدة، والتي (بمحض القدر) لم أكن أحدها…
بعد كل هذا، كيف يمكن أن أسمي نفسي مواطناً؟ وكيف يمكن أن يكون لي وطن حقيقي أضحي من أجله ؟
أخيرا.. كم أدرك صعوبة كتابة هذا الكلام على نفسي أمام الملأ.. ولكنه ما زال يحك في صدري من أمد بعيد وينغص علي عيشتي، ليس أنا فقط، بل في صدور كل الشباب والفتيات الحريصين على هذا الوطن وعلى أمنه واستقراره.. كل ما أردت قوله هو أن هناك فرق كبير جداً بين المواطنة والمُساكنة، وهو الفرق الذي أعتقد أنه قد حان الوقت لتداركه لنكون مواطنين حقاً..
فهل حان الوقت لذلك ؟
|