07-03-2011, 06:23 AM
|
|
عضو نشيط
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2011
المشاركات: 153
معدل تقييم المستوى: 23851
|
|
الرجا الدخول
[align=center]
في تحريم الخروج على السلاطين المسلمين
إنه ينبغي على كل مسلم أن يتدبر أحاديث النبي r و التي تنهى عن السعي في الفتنة، أو الدخول فيها، و الخروج على ولاة الأمر المسلمين. فقد كان النبي r يحذر أصحابه من الفتن. و قد ثبت عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: «بينما نحن حول رسول الله r، ذكرو الفتنة أو ذكرت عنده، قال: إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم وخفت أماناتهم و كانو هكذا، و شبك بين أصابعه. قال: فقمت إليه فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: الزم بيتك و أمسك عليك لسانك، و خذ ما تعرف، و دع ما تنكر، و عليك بأمر خاصة نفسك، و دع عنك أمر العامة»[20].
و قال عبادة بن الصامت t: «دعانا النبي r، فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لاننازع الأمر أهله إلا أن ترو كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان»[21]. و في حديث أم سلمة مرفوعا «ستكون أمراء فتعرفون و تنكرون فمن عرف بريء ومن أنكر سلم ولكن من رضي و تابع. قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلو»[22].
و لما كان الخروج على الإمام لا يأتي بخير، فقد جاءت الأحاديث النبوية تعظم و تحذر من الإقدام على مثل هذا العمل، و ذلك لأن النتائج معروفة سلفا. و حتى إن حقق الخارجون بعض ما يريدون، فإن المصائب و المآسي التي ترافق الخروج و النتائج المترتبة عليه بعد ذلك، ستكون حتما أعظم من المصلحة التي قصد من أجلها الخروج. و لهذا قال محمد بن الحنفية رحمه الله: «رحم الله امرأ أغنى نفسه، و كف يده و أمسك لسانه، و جلس في بيته: له ما احتسب و هو مع من أحب»[23].
و الحسن البصري –و هو من هو في العلم و العمل– كان يأمر الناس بعدم الانخراط في فتنة يزيد بن المهلب، و ابن الأشعث. و كان يحث الناس بأن يغلقو عليهم أبوابهم. و كان يقول: «و الله لو أن الناس إذا ابتلو منْ قبل سلطانهم صبرو، ما لبثو أن يرفع الله عز و جل عنهم. و ذلك أنهم يفزعون إلى السيف فيوكلون إليه. و الله ما جاءو بيوم خير قط»[24]. ثم تلا: ]و أورثنا القوم الذين كانو يستضعفون مشارق الأرض و مغاربها التي باركنا فيها. و تمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبرو. و دمرنا ما كان يصنع فرعون و قومه و ما كانو يعرشون[[25]. و كان يقول: «إن الحجاج عذاب الله. فلا تدفعو عذاب الله بأيديكم، و لكن عليكم بالاستكانة و التضرع، فإنه تعالى يقول: ]و لقد أخذناهم بالعذاب فما استكانو لربهم و ما يتضرعون[[26] »[27].
و لم يكن الحسن البصري هو الوحيد الذي يطلب من الناس لزوم الجماعة مهما بلغ ظلم الحاكم، بل كان يشاركه الكثير من أهل العلم و التقوى. فكان الأوزاعي يقول: «خمسة كان عليها الصحابة و التابعون: لزوم الجماعة، و اتباع السُـنة، و عمارة المسجد، و التلاوة، و الجهاد»[28]. و قالت الحكماء: «إمام عادل خير من مطر وابل. و إمام غشوم خير من فتنة تدوم». و قال عبد الله بن عمر t: «إذا كان الإمام عادلا فله الأجر و عليك الشكر. و إذا كان الإمام جائرا فله الوزر و عليك الصبر».
و هذا الإمام أحمد رحمه الله تحمل بنفسه العذاب و الألم الذي أصابه بسبب فتنة خلق القرآن. و لما اجتمع إليه فقهاء بغداد في ولاية الواثق و شاوروه في ترك الرضا بإمرته و سلطانه، قال لهم: «عليكم بالنكرة في قلوبكم، و لا تخلعو يدا من طاعة، و لا تشقو عصى المسلمين، و لا تسفكو دماءكم و دماء المسلمين»[29].
و هذا الذي استقرت عليه عقيدة أهل السنة و الجماعة، و كانت هي العقيدة التي حافظت على كيان المجتمع الإسلامي من الحروب الأهلية و التناحر و الفرقة، التي ربما لو أنها انتشرت في مجتمعات المسلمين لما استطاعت الصمود أمام هجمات أعدائهم عبر القرون الطويلة.
و قد كتب العلامة إبن خلدون في مقدمته فصلا كاملا "في أن الدعوة الدينية من غير عصبية لا تتم"[30]، قال فيه: «في و هذا لما قدمناه من أن كل أمر تحمل عليه الكافة، فلا بد له من العصبية. و في الحديث الصحيح كما مر: "ما بعث الله نبيا إلا في منعة من قومه" و إذا كان هذا في الأنبياء و هُم أولى الناس بخرق العوائد، فما ظنك بغيرهم أن لا تخرق له العادة في الغلب بغير عصبية؟!».
ثم قال: «و من هذا الباب أحوال الثوار القائمين بتغيير المنكر من العامة و الفقهاء. فإن كثيرا من المنتحلين للعبادة و سلوك طرق الدين، يذهبون إلى القيام على أهل الجور من الأمراء، داعين إلى تغيير المنكر و النهي عنه و الأمر بالمعروف رجاء في الثواب عليه من الله. فيكثر أتباعهم و المتلثلثون بهم من الغوغاء و الدهماء. و يعرضون أنفسهم في ذلك للمهالك. و أكثرهم يهلكون في هذا السبيل مأزورين غير مأجورين، لأن الله سبحانه لم يكتب ذلك عليهم. و إنما أمر به حيث تكون القدرة عليه. قال: "منْ رأى منْكُمْ مُنْكرا فلْيُغيرْهُ بيده فإنْ لمْ يسْتطعْ فبلسانه فإنْ لمْ يسْتطعْ فبقلْبه"[31]. و أحوال الملوك و الدول راسخةُ قويةُ لا يزحزحها و يهدم بناءها إلا المطالبة القوية التي من ورائها عصبية القبائل و العشائر كما قدمناه[32]. و هكذا كان حال الأنبياء –عليهم الصلاة و السلام– في دعوتهم إلى الله بالعشائر و العصائب، و هم المؤيدون من الله بالكون كله لو شاء. لكنه إنما أجرى الأمور على مستقر العادة، و الله حكيم عليم. فإذا ذهب أحد من الناس هذا المذهب و كان فيه محقا، قصر به الانفراد عن العصبية، فطاح في هوة الهلاك. و أما إن كان من المتلبسين بذلك في طلب الرئاسة، فأجدر أن تعوقه العوائق و تنقطع به المهالك. لأنه أمر الله، لا يتم إلا برضاه و إعانته و الإخلاص له و النصيحة للمسلمين، و لا يشك في ذلك مسلم و لا يرتاب فيه ذو بصيرة».
ثم ذكر العلامة ابن خلدون أمثلة كثيرة في التاريخ تثبت ما ذهب إليه (و سنذكر بدلا منها أمثلة من الواقع المعاصر)، ثم قال: «ثم اقتدى بهذا العمل بعد، كثير من الموسوسين يأخذون أنفسهم بإقامة الحق و لا يعرفون ما يحتاجون إليه في إقامته من العصبية، و لا يشعرون بمغبة أمرهم و مآل أحوالهم. و الذي يحتاج إليه في أمر هؤلاء: إما المداواة إن كانو من أهل الجنون، و إما التنكيل بالقتل أو الضرب إن أحدثو هرجا، و إما إذاعة السخرية منهم... و أكثر المنتحلين لمثل هذا، تجدهم موسوسين أو مجانين أو ملبسين يطلبون بمثل هذه الدعوة رئاسة امتلأت بها جوانحهم و عجزو عن التوصل إليها بشيء من أسبابها العادية. فيحسبون أن هذا من الأسباب البالغة بهم إلى ما يؤملونه من ذلك، و لا يحسبون ما ينالهم فيه من الهلكة. فيسرع إليهم القتل بما يحدثونه من الفتنة و تسوء عاقبة مكرهم».
ثم ختم ذلك الباب بقوله «و الغلط فيه من الغفلة عن اعتبار العصبية في مثلها. و أما إن كان التلبيس فأحرى أن لا يتم له أمر و أن يبوء بإثمه، و ذلك جزاء الظالمين. و الله سبحانه و تعالى أعلم، و به التوفيق لا رب غيره و لا معبود سواه».
أما عن بن ال***ر t و أصحاب الحرة فقد بيـن إبن تيمية أن السبب في خروجهم هو ظنهم أنه بالقتال تحصل المصلحة المطلوبة. إذ غلب على ظنهم أنه بخروجهم على يزيد سوف تحصل المصلحة المطلوبة التي من أجلها أرادو الخروج، و ترجع الشورى إلى حياة المسلمين و يتولى على البلاد أفضلها. فلم يحصل بالقتال ذلك، بل عظمت المفسدة أكثر مما كانت، فتبين لهم آخر الأمر ما كان الشارع دل عليه من أول الأمر[33]. و انعقد إجماع الفقهاء بعد ذلك على تحريم الخروج على السلطان المُسلم، إلا من يُعرف عنه حب مخالفته و ممن لا يُعتدُ بشذوذه كابن حزم الظاهري الذي وهم أن كل تلك النصوص الصريحة في عدم الخروج على السلطان منسوخة[34]!
و لقد أجاب الإمام الشوكاني على أمثال هؤلاء فقال: «استدلو بعموماتٍ من الكتاب و السنة في وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. و لا شك و لا ريب أن الأحاديث التي ذُكرت في هذا الباب أخصُ من تلك العمومات مطلقا، و هي متواترة بالمعنى كما يعرف ذلك من له أنسة بعلم السنة». و قد نقل الإجماع على ذلك القاضي عياض[35].
فكانو –رحمهم الله– يريدون أن يعملو خيرا، و أن ينكرو منكرا، فوقعو في منكرٍ أعظم مما خرجو لإنكاره، من قتل النفس و أخذ المال و من تعطيل الجهاد و الثغور و غير ذلك من المفاسد. و لهذا فإن المنكر إذا لم يزل إلا بما هو أنكر منه، صارت إزالته على هذا الوجه مُنكرا، و إذا لم يحصل المعروف إلا بمنكرٍ مفسدته أعظم من مصلحة ذلك المعروف، كان تحصيل ذلك المعروف على هذا الوجه منكرا[36].
ثم إن إنكار المنكر فرض كفاية، فإن خاف من ذلك على نفسه أو ماله أو على غيره، سقط الإنكار بيده و وجبت كراهته بقلبه، و هذا ما أجمع عليه العلماء[37]. و هذا بعينه هو الحكمة التي راعاها رسول الله r، في النهي عن الخروج على الأمراء، و ندب إلى ترك القتال في الفتنة، و إن كان الفاعلون لذلك يرون أن مقصودهم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر[38]. و لأن الفساد الناشئ عن القتال في الفتنة أعظم من فساد ظلم ولاة الأمر، فلا يُزال أخف الفسادين بأعظمهما[39].
و في الجملة فإن أهل السنة يجتهدون في طاعة الله و رسوله بحسب الإمكان، كما قال تعالى: ]فاتقو الله ما استطعتم[، و قال النبي r: «إذا أمرتكم بأمر فأتو منه ما استطعتم». و الله تعالى بعث رسوله r بتحصيل المصالح و تكميلها و تعطيل المفاسد و تقليلها. و قل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما يتولد من الشر أعظم مما يتولد من الخير. فأما أهل الحرة و ابن الأشعث و ابن المهلب و غيرهم، فهُزمو و هُزم أصحابهم، فلا أقامو دينا و لا أبقو دينا. و أهل الحرة ليسو بأفضل من علي و عائشة و طلحة و ال***ر و غيرهم، و مع هذا لم يحمدو ما فعلوه من القتال، و هم أعظم قدرا عند الله و أحسن نية من غيرهم[40]. و بعد هذا فإن الذي عليه الأكثر من العلماء أن الصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه، لأن في منازعته و الخروج عليه استبدال الأمن بالخوف و إراقة الدماء و انطلاق أيدي السفهاء و شن الغارات على المسلمين و الفساد في الأرض[41].
__________________________________________________ ______
يامسلمين اتقوا الله ولا يأخذكم هرج ومرج الي يكيدون فيكم والله لو صارت مظاهرات
ماراح يتأذئ إلا حنا الله يديم الأمن والأمان
ويحمي وطنا يارب
[/align]
|