اعرف حدودك
هل سمعت من قبل من يقول لك الزم حدودك ،أو اعرف حدودك ، أو انك تجاوزت حدودك ، أو انك تجاوزت الخطوط الحمراء…وغيرها من كلمات تفيد بأن المتكلم متضايق منك.
ونفس المنطق ينطبق على علاقات الدول في التعامل مع مسألة الحدود برا وبحرا وجوا ، فيقال أن الدولة اخترقت الحدود أو اخترقت المجال الجوي لجارتها .
ويحق لنا أن نتساءل عن ماهية هذه الحدود ؟ ومن يحددها ؟ ومن يلتزم بها ؟ ومن هو المسموح له بتجاوزها ؟
إذا تكلمنا بداية عن الحدود الإقليمية للدول فممكن أن نفهم تحديدها بحدود طبيعية واضحة مثل الجبال والبحار والأنهار مثلا ولكن لا نفهم كيف يتم تحديدها جوا وبحرا…لعدم وضوح الملامح الطبيعية التي تسمح للآخرين عدم تجاوزها ، كونها خطوط وهمية .
والصعوبة اكبر إذا تحدثنا عن الحدود الإنسانية .
فإذا تحدثنا عن الحدود الإنسانية التي ترسم العلاقات بين البشر على اختلاف درجاتهم ، في القرب أو البعد عن الإنسان ، فهي حدود وهمية و غير واضحة ، تتسع وتضيق حسب مكانة الشخص وزمانه .
وتختلف من فرد إلى آخر ، بمعنى أن الإنسان الفقير لا يضع عادة لنفسه حدودا ، ويسمح للكل بتجاوزه في القول والفعل ، ويتجرأ عليه الآخرون حتى في اخص خصوصياته ، بينما الأشخاص المهمين يرسمون عادة لأنفسهم حدودا لا يسمحون لأحد بتجاوزها قولا أو فعلا أو حتى تلميحا…
وقد أشارت دراسة نفسية قام بها البروفيسور( بيتر مارش ( أستاذ علم النفس بجامعة كامبريدج إلى أن لكل إنسان ( مياه إقليمية ) و ( حدودا ) تماما مثل الدول ،،
و إن كلا منا يجلس في منتصف ثلاث دوائر غير مرئية تحيط به لا تسمح باختراقها إلا لمن نحبهم فقط , وننزعج إذا اقتحم علينا حياتنا أو دوائرنا أشخاص غير مرغوب فيهم.
الدائرة الأولى :
وتبعد حوالي نصف متر عن جسد الإنسان وهذه الدائرة تحدد ما يطلق عليه العلماء ( المنطقة الحميمة ( وهي تحيط بأجسادنا مباشرة و لا نسمح بدخولها لغير الأحباب واقرب الأقرباء.
الدائرة الثانية:
وهي تبعد حوالي متر وربع عن أجسادنا .
وهذه الدائرة تحدد إطار الصداقة مع الذين نتعامل معهم من الأصدقاء والجيران وزملاء العمل او كل من نتعامل معه بشكل غير رسمي .
في هذه المنطقة أو الدائرة تسمح المسافة بالمصافحة واللمس البعيد والمخاطبة والرؤية الشاملة .
الدائرة الثالثة :
تبعد عن الجسم حوالي أربع أمتار وهذه الدائرة تمثل المنطقة الاجتماعية التي تشمل من يحيطون بنا في حفل صغير مثلا ونتعامل فيها مع الغرباء.
وخارج الدائرة الثالثة يقع ما يسمى ( المنطقة العامة ) التي يتواجد فيها الناس حولنا في الشارع أو الأسواق بدون أن يثيروا أدنى اهتمام.
ولهذه المناطق صفات هي :
1 – مسافات وخطوط وهمية يضعها كل شخص لنفسه ، وهى تشبه الأسوار التي نضعها لحماية ممتلكاتنا الخاصة من الأراضي .
2 – تختلف أبعادها من شخص لآخر ، فالفقير عادة حدوده صغيرة وقد يسمح للآخرين بتجاوزها ، بينما الأشخاص المهمين حدودهم واسعة ، ولا يسمحون لمن هو دونهم مكانة بتجاوزها ، كما يضعون حراس لحماية هذه الحدود من المتطفلين .
3 – تختلف هذه الحدود حسب الزمان والمكان للشخص نفسه ، فذلك الشخص المهم ، قد يتنازل عن جزء كبير من حدوده إذا تواجد في أماكن لا يعرفه فيها احد ، أو أماكن قد تكون درجة أهميته فيها اقل ، وكذلك قد يتنازل عن هذه الحدود والمسافات في أزمان معينة ، مثل حالة مرضه على سبيل المثال قد تضطره للتعامل مع من هم اقل منه مكانة من أفراد الأسرة التمريضية ، ويتطاولون على خصوصياته الجسدية دون اعتراض منه.
4 – التعدي على الحدود والمسافات عادة يتم من القوي تجاه الضعيف ،دون تجريم أو عقوبة ، بينما تعدي الضعيف على القوى يشكل جريمة لا تغتفر ( بما فيها الحدود بين الدول ).
5 – الحدود الغير قابلة للتجاوز وتشكل جريمة للكبير والصغير على حد سواء هي الحدود الشرعية وقد رسم الله تعالى لنا حدودا شرعية واضحة ، بهدف حماية المصالح لبني الإنسان ” وتلك حدود الله فلا تعتدوها “
6 – هذه الحدود والحواجز الغير مرئية قد نحولها إلى حدود مادية واضحة عند تواجدنا مع الآخرين في المنتزهات أو البر مثلا ، حيث تقوم كل أسرة بتسوير منطقتها الخاصة بسياج طيلة فترة تواجدها في المنتزه .
وكذلك قد نستخدم الأيدي لإبعاد الآخرين عنا في المسجد مثلا لمنع من يريد المرور إمامنا إثناء الصلاة , ولا نسمح للآخرين بالالتصاق بنا في أماكن الازدحام أو في وسائل النقل فنضع حواجز صناعية لهذا الغرض مثل الحقائب أو الكتب والجرائد والملابس ….الخ
7 – من يحاول اقتحام الحدود عنوة قد يواجه بالعنف المضاد.
8 – لتهديد الآخرين وإزعاجهم يتم تجاوز تلك الحدود الوهمية ، كما يتم في تحقيقات الأجهزة الأمنية مثلا ، حيث تشكل هذه العملية إزعاجا كبيرا لمن يتم التحقيق معهم لإجبارهم على الإدلاء بالمعلومات المطلوبة .
9 – هناك دائرة رابعة تحيط بنا لا نسمح أبدا لمن كان بتجاوزها مهما كانت قرابت او محبته عندنا ، و هي مركز الدوائر الثلاث السابقة ، وهى دائرة الذات وهى تنظم علاقتنا مع ذاتنا فقط ، على سبيل المثال هناك أفكار وعادات يمارسها الفرد ولا يسمح للآخرين بالاطلاع عليها أو حتى السؤال عنها ، لان معرفة الآخرين بها تشكل خطرا عليه وتهدد كيانه.
ولكن أين هي دائرة الأمان للإنسان حسب وصف ( بيتر مارش )…
بلا شك أن منطقه الأمان عند الإنسان حسب اعتقادي ، هي المنطقة التي يحددها لنفسه ، وهي التي يرتاح فيها دون إزعاج أو مضايقة من الآخرين ، والتي لا يشاركه فيها احد ، وهى دائرة الذات والتي من صفاتها أنها كلما اتسعت ، كلما أصبحت أكثر خطورة على كيان الإنسان وحياته .
أما باقي الدوائر فكلما اتسعت ، كلما فقد الإنسان جزء من حريته ولكنها في الغالب لا تهدد كيانه وبقاءه .
لذا نصيحة لكل من يتعامل مع البشر أن يعرف حدودهم ويحترمها ، لان هذا الاحترام هو الذي يبقي ديمومة العلاقات الإنسانية فى إطارها الطبيعي
في النهايه
أعترف إني اليوم اكتسبت درس في
معرفه حدودي وحدود غيري وحبيت الكل يستفيد معايا