10-08-2011, 05:32 AM
|
|
عضو متواصل
|
|
تاريخ التسجيل: May 2011
الدولة: مكه
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 57663
|
|
من علامات الصوم المقبول
الحمد لله الذي كتب علينا الصيام، وجعله من أركان الإسلام، والصلاة والسلام على خير من عبَد ربه فصلّى وصام وقام، وبعدُ:
خائف عليك
خائف عليك من أن تأتي يوم القيامة وأنت فَرِح بما قدمت من أعمال صالحة من صيام وقيام، و... فتجد أن الله عز وجل لم يقبل عبادتك أي لا ثواب لك، وأصبح رصيدك من هذه العبادات صفرًا، وعاقبك الله تعالى على ذلك، قال الله تعالى: « وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا » [الفرقان:23].
وفي تفسير القاسمي: « وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ » أي: مما كانوا يراءون به؛ ابتغاءَ السمعة والشهرة، ويرونه من مكارمهم، «فجعلناه هباءً منثورًا» أي: مثل الغبار المنثور في الجوّ، في حقارته وعدم نفعه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رُبّ صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر». [صحيح الجامع: 3488].
«رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع». قال بعض العلماء: قيل: هو الذي يفطر على حرام، أو من يفطر على لحوم الناس بالغيبة، أو من لا يحفظ جوارحه عن الآثام، «ورب قائم» أي: متهجد في الأسحار «ليس له من قيامه إلا السهر» كالصلاة في الدار المغصوبة، وأداها بغير جماعة لغير عذر، فإنها تُسقِط القضاء ولا يترتب عليها الثواب. ذكره الطيبي «فيض القدير».
فقبل أن تصل إلى هذه الدرجة من الضياع والإفلاس والحزن والحسرة؛ لا بد أيها العاقل وأنت في الدنيا، أن تبحث عن شروط العمل الصالح المقبول، وتقوم بها؛ حتى تفرح وتسعد بالصيام وكل الأعمال الصالحة في الدنيا والآخرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للصائم فرحتان: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه». [البخاري: 1904، ومسلم: 2700].
والفرح يوم القيامة عندما تجد أن الله عز وجل جسّد لك ثواب الصيام في صورة محامٍ قوي الحجة يُدافع عنك أمام الملك سبحانه وتعالى، فيقبل الله تعالى شفاعة الصيام وتدخل الجنة من باب الريان بإذن الرحمن بسلام، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان». [صحيح الترغيب: 984].
من علامات الصوم المقبول
هيا بنا نبحث عن علامات قبول الصيام، والتي منها:
1- إخلاص العبادة لله وحده:
قال الله تعالى في سورة البينة: « وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ » [البينة:5]، وقال تعالى في سورة الأنعام: « قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ » [الأنعام:162].
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا، وابتُغِيَ به وجهُه». [صحيح الجامع: 1856].
معنى ذلك أن كل الأعمال الصالحة مقبولة عند الله عز وجل بشرط أن تكون خالصةً له وحده لا شريك له، وما دون ذلك فهي مردودة وغير مقبولة، وقد تُدخِل صاحبها في دائرة الرياء (الشرك الخفي)، نسأل الله العافية.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله: إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به، يدع الطعام من أجلي، ويدع الشراب من أجلي، ويدع لذته من أجلي، ويدع زوجته من أجلي». [البخاري: 1894، ومسلم: 1151].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه». [البخاري: 1901، ومسلم: 759].
أيها المسلم:
اجعل شعارك دائمًا قبل كل عبادة: «إيمانًا واحتسابًا» أي: يا رب هذا العمل خالصًا لوجهك الكريم، وطلبًا لثوابك فتقبَّلْه مني.
2- تقوى الله تعالى في السر والعلن:
قال الله تعالى: «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ» [المائدة:27].
إن الله عز وجل شرع لنا الصوم لنتدرب ونتربى على مراقبة الله تعالى وخشيته في كل الأقوال والأفعال، والإكثار من الطاعات والبعد عن المعاصي والزلات، أي: تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك، فهذه هي خلاصة التقوى.
ولعظم التقوى ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم في أكثر من مائتين وخمسين آية. [المعجم المفهرس لألفاظ القرآن].
قال الله تعالى في أول آية من آيات الصيام من سورة «البقرة»: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» [البقرة:183]، وأكد الله تعالى على التقوى في آخر آيات الصيام من سورة البقرة: «كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» [البقرة:187].
3- صوم الأعضاء والجوارح عن ارتكاب المعاصي:
إذا لم يتدرب المسلم وهو صائم على ضبط جوارحه من ارتكاب المعاصي فما فائدة الصيام؟!
فمثلاً: العين لا تنظر إلى الحرام، وكذلك البطن، والفرْج، كل الأعضاء تجتهد حتى لا تقع في الحرام وتبتعد عن كل معصية.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» [البخاري 1903]. المراد بقول «الزور»: الكذب، والعمل به: أي بمقتضاه.
قال ابن المنيّر في الحاشية: بل هو كناية عن عدم القبول كما يقول المغضب لمن رد عليه شيئًا طلبه منه فلم يقم به: لا حاجة لي بكذا، فالمراد رد الصوم المتلبس بالزور وقبول السالم منه، وقريب من هذا قوله تعالى: «لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ» [الحج:37]، فإن معناه: لن يصيب رضاه الذي ينشأ عنه القبول.
وقال ابن العربي: مقتضى هذا الحديث أن من فعل ما ذُكر لا يُثاب على صيامه، ومعناه: أن ثواب الصيام لا يقوم في الموازنة بإثم الزور وما ذكر معه.
وقال البيضاوي: ليس المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع والعطش، بل ما يتبعه من كسر الشهوات وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة، فإذا لم يحصل ذلك لا ينظر الله إليه نظر القبول، فقوله: «ليس لله حاجة» مجاز عن عدم القبول، فنفى السبب وأراد المسبب، والله أعلم. [فتح الباري: 4/140].
وإياك أن تظن أن الصيام هو تجويع البطن عن الطعام والفرج عن الشهوة، هذا خطأ، والصواب أن الصوم المقبول: ضبط الجوارح مع الله تعالى ومع الناس.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابّك أحد أو جهل عليك، فقل: إني صائم، إني صائم». [صحيح الجامع: 1082].
4- الدعاء بقبول العبادات:
شهر رمضان شهر إجابة الدعاء كما بشّرنا الله عز وجل، حيث قال: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ» [البقرة:185].
وبشرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن شهر رمضان شهر إجابة الدعاء، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة – يعني في رمضان – وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة». [صحيح الترغيب والترهيب: 1002].
ماذا تريد بعد ذلك؟! فعليك أن تكثر من الدعاء وأنت صائم، بل في جميع أوقاتك، وخاصة بالأدعية الجامعة والتي منها هذا الدعاء الجامع من سورة الأحقاف: «حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ» [الأحقاف:15].
وقد سأل قتادة أنسًا رضي الله عنه: أي دعوة كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم أكثر؟ قال: كان أكثر دعوة يدعو بها يقول: اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. [البخاري: 4522، ومسلم: 2690].
فهذه الدعوة جمعت ما تحبه وتتمناه في الدنيا والآخرة.
وكان السلف الصالح يدعون الله سبحانه وتعالى ستة أشهر أن يبلّغهم شهر رمضان، ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم. [لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي: ص298].
معنى ذلك أن السلف الصالح لا ينسون رمضان طوال العالم، وذلك بدعاء الملك العلام بقبول الصيام وكل الأعمال الصالحة.
5- المداومة على العمل الصالح بعد رمضان:
شهر رمضان شهر الصيام والقيام وقراءة القرآن وصلة الأرحام، هذه الأعمال الصالحة أصبحت حجةً عليك، فمن علامة قبولها المداومة على هذه الطاعات بعد شهر رمضان، يقول ابن رجب رحمه الله تعالى: من عمل طاعة من الطاعات وفرغ منها، فعلامة قبولها أن يصلها بطاعة أخرى، وعلامة ردها أن يُعقِب تلك الطاعة بمعصية، ما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحوها، وأقبح السيئة بعد الحسنة تمحقها وتعفوها.
إن معاودة الصيام بعد رمضان علامةٌ على قبول صوم رمضان، فإن الله إذا تقبل عمل عبدٍ وفَّقه لعملٍ صالح بعده.
سلوا الله الثبات على الطاعات إلى الممات، وتعوذوا به من تقلب القلوب، وما أوحش ذل المعصية بعد عز الطاعة. [لطائف المعارف: ص316].
نسأل الله القبول والثبات إلى الممات.
|