29-10-2011, 03:00 AM
|
|
|
|
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 8,050
معدل تقييم المستوى: 21474888
|
|
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
سنة الله الكونية
إن أصابتكم -أيها المؤمنون- جراح أو قتل في غزوة "أُحد" فحزنتم لذلك, فقد أصاب المشركين جراح وقتل مثل ذلك في غزوة "بدر". وتلك الأيام يُصَرِّفها الله بين الناس, نصر مرة وهزيمة أخرى, لما في ذلك من الحكمة, حتى يظهر ما علمه الله في الأزل ليميز الله المؤمن الصادق مِن غيره, ويُكْرِمَ أقوامًا منكم بالشهادة. والله لا يحب الذين ظلموا أنفسهم, وقعدوا عن القتال في سبيله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى " في " رسالة في الحسبة " ما نصه :
فَإِنَّ النَّاسَ لَمْ يَتَنَازَعُوا فِي أَنَّ عَاقِبَةَ الظُّلْمِ وَخِيمَةٌ وَعَاقِبَةُ الْعَدْلِ كَرِيمَةٌ وَلِهَذَا يُرْوَى : " اللَّهُ يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً وَلَا يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الظَّالِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُؤْمِنَةً " .
و للنظر إلى التاريخ : سنة قيام وسقوط الأمم
وحقيقةُ الأمر أنه منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا، بل حتى قيام الساعة، اقتضت سُنَّة الله في الأمم والحضارات بصفة عامة أن تقوم ثم تسقط وتزدهر ثم تندثر، فمن سنن الله تعالى أن كانت هناك قوانين اجتماعية وإنسانية عامة تتصل مباشرة بضبط مسيرة الحياة الإنسانية ومسيرة الأمم والشعوب، فإذا ما التزمت الأمم والحضارات بهذه القواعد دامت وكانت في خير وسعادة، وإذا حادت عنها لقيت من السقوط والاندثار ما هي أهل له؛ قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140].
وليست الأمة الإسلامية بمنأى عن هذه السنن الكونية، فمنذ نزول الرسالة على رسول اللهوالدولة الإسلامية تأخذ بأسباب القيام فتقوم، ثم تحيد عنها فيحدث الضعف ثم السقوط.
وأسباب قيام الدولة الإسلامية كثيرة على نحو ما ذكرنا فيما مضى، والتي كان من أهمِّها:
الإيمان بالله والاعتقاد الجازم بنصرته وقدرته.
الأُخوة، والوحدة، والتجمُّع ونبذ الفرقة.
العدل بين الحاكم والمحكوم.
العلم، ونشر الدين بين الشعوب.
إعداد العدة، والأخذ بالأسباب
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}
والأمة الإسلامية تنفرد بأنها أمة لا تموت ودائمًا في قيام، فإذا سقطت أتبع السقوط قيام، أما ألا يُتبَع السقوطَ قيامٌ فهذا ليس من سنن الله مع المسلمين، ولا يحدث إلا مع أمم الأرض الأخرى غير الإسلامية، تلك الأمم التي يغلب عليها سقوط واندثار لا يتبعه رجعة، حتى وإن طال أجل القيام والازدهار، ومن أصدق الأمثلة على ذلك حضارة الفراعنة، واليونان، وإمبراطوريتي فارس والروم، وإمبراطورية إنجلترا التي لا تغرب عنها الشمس.. وهذه السُّنة الكونية يمثلها قوله تعالى: {كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21]. وقوله: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]. ومما يُثبت سُنَّة الله هذه في الدولة الإسلامية قول رسول الله: «إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا»[3].
فمعنى هذا أنه سقوط، ومن بعد السقوط ارتفاع وعلوٌّ، وهذا الارتفاع سيكون على يد مجدِّد أو مجموعة مجدِّدين، وهكذا إلى قيام الساعة.
والتاريخ الإسلامي مليء بمثل هذه الفترات، ففيه الكثير من أحداث الارتفاع والهبوط، ثم الارتفاع والهبوط، ولم يكن هذا خاصًّا بتاريخ الأندلس فقط؛ بل إن صحابة رسول اللهشاهدوا ذلك بأعينهم، فبعد وفاتهمباشرةً حدث سقوط ذريع وانهيار مروِّع، ورِدَّة في كل أطراف جزيرة العرب، التي لم يبق منها على الإسلام سوى مكة والمدينة وقرية صغيرة تسمى هجر (هي الآن في البحرين).
وبعد هذا السقوط يحدث قيام عظيم وفتوحات وانتصارات، كان قد جدَّد أمرها وغرس بذرتها أبو بكر الصديق t بعد أن أجهز على الردَّة، ثم فُتحت الدنيا على المسلمين في عهد سيدنا عثمان بن عفان t، فحدثت الفتنة والانكسارات في الأمة الإسلامية؛ مما أدَّى إلى مقتله t وهو الخليفة الراشد وصاحب رسول الله، وظلَّت هكذا طيلة خلافة سيدنا علي بن أبي طالب t.
ومن جديد يستتبُّ الأمر، وتقوم الدولة الأموية وتستكمل الفتوح، ثم فترة من الزمان ويحدث سقوط آخر حين يفسد أمر بني أمية، وعلى أَثَره يقوم بنو العباس فيُعيدون من جديد المجد والعزّ للإسلام، وكالعادة يحدث الضعف ثم السقوط، وعلى هذا الأمر كانت كل الدول الإسلامية الأخرى التي جاءت من بعدها، مرورًا بالدولة الأيوبية وانتهاءً بالخلافة العثمانية الراشدة، التي فتحت كل شرق أوربا، وكانت أكبر قوة في زمنها.
فهي إذًا سنة من سنن الله تعالى، ولا يجب أن تَفُتَّ في عضد المسلمين، ولا بُدَّ للمسلمين من قيام بعد سقوط، كما كان لهم سقوط بعد قيام، وكما ذكرنا سابقًا فإنه ليس بين الله I وبين أحد من البشر نسب.
د. راغب السرجاني
للإستزادة
و أنتم رأيتم ماذا حدث في مصر و تونس و ما يحصل في اليمن و سوريا
ليبيا
أسأل الله أن يحمينا و يحفظنا من كل شر و فتنة و ظلم و أن يحفظ الإسلام و المسلمين و أن يصر دينه و كتابه و سنة نبيه محمد صلى الله عليه و سلم و أن يعجل بنصر الأقصى ... آمين
|