11-02-2008, 12:39 AM
|
|
|
تاريخ التسجيل: Sep 2006
الدولة: Eastern Province
المشاركات: 9,471
معدل تقييم المستوى: 694661
|
|
ليتني كنت بنغالياً !!
هذه العبارة صرخ بها مواطن سعودي بعد ان لامست كلماتي جراحه وأدمتها في احد الأسواق الشعبية بالاحساء والتي يجتمع فيها الباعة في حياء وبلدات وقرى الأحساء. وتعتبر هذه الاسواق الشعبية سمة من سمات المجتمع الاحسائي، فهي تكاد تكون واضحة وكثيرة في منطقتي القطيف والإحساء نظرا لقلة الوظائف أو حصرها على ابناء الاوادم واصحاب الواسطات في الدوائر الحكومية والقطاع الخاص أيضا، مما يجعل كثير من الشباب واصحاب العائلات المحتاجة للستر إلى البسطة في تلك الاسواق ليكونوا يوميا أول المستقبلين لجلدات سياط الشمس منذ الفجر إلى الواحدة ظهرا ومن الثالثة مساءا إلى العاشرة ليلا هذا صيفا، واما شتاءا فهم في حال أشد قسوة مع برد لا يرحم العظم دون الجلد، فتراهم قبل ديك الصباح وتحت زخات مطر الشتاء وموجات برده القارس.
كعادتي في كل يوم احد بعد انتهاء عملي اخرج إلى سوق الاحد الشعبي، ولكل يوم من ايام الاسبوع سوق باسمه فتجد سوق الاثنين في مكان معين من الاحساء وسوق الاحد في مكان اخر وسوق الثلثاء في مكان ثالث وهكذا يبقى هذا البائع متجولا يحمل فوق راسه هم بضاعته وتصريفها قبل ان تحرقها الشمس أو يسطو عليها البرد، فتلك المئات من الكيلوغرامات تحتاج إلى سواعد قوية واعصاب متزنه، وحيث ان سوق الاحد يقبع تحت سور مدرسة قريبة من عملي منذ عشرات السنين لأجد في كل يوم أحد نسخة مكررة من الباعة تكاد تتغير بالزيادة لا بالنقصان كلما زادت اوضاع المواطن الاقتصادية في هذه المناطق سوءا، فالمشتري لا يعير حرارة الشمس من اعتباره الكثير لانه يبحث عن السعر الاقل مراعيا وضعه الاقتصادي والبائع اعتاد جسده على تلك السياط بل انه يتجاهلها كلما تذكر أن لديه اسرة والتزامات مادية ترتفع كل يوم بارتفاع البترول الذي يخرج من تحته ومن جوف الارض التي يضع فوقها بضاعته ليبيعها بثمن بخس بينما يبع اخرون بترول اكبر مخزون نفطي في العالم باثنين وثمانين دولار للبرميل ويضخ من الاحساء وحدها اكثر من خمسة ملايين برميل يوميا.
لا أعلم ان كان هذا البائع يعلم بهذه المعلومات أم لا!! أم انه يعلم ولكن قناعته تقول لن يتغير شي للافضل حتى وان وصل البرميل لالف دولار بل انه يحتمل التغيير للأسوأ ولا جدوى من التفكير في سعر البرميل أو كمية الانتاج فهي من اختصاص الاوادم وليس اشباه الاوادم، فان كان لا يعلم فتلك مصيبة وان كان يعلم فالمصيبة أعظم.
وقفت عند أحد باعة الحشايش ( ممنوع بيع الحشيش في السوق وصاحبنا يبيع الحشايش علنا ) وهو يرفع صوته ليجذب زبائنة ويقول حبتين بريال رويد.. فجل.. وبقدونس.. كسبره.. وبربير، اخذت من يده حبتين من البقدونس وقبل ان امد له قيمتهما سمعت صوتا شرق اسيويا مألوفا لديكم جميعا يقول( شيل شيل شيل تلاثه هبات واهد ريال بقدونس جرجير كسبره )، التفت وتمعنت في هذا الصوت وتأكدت انه لبنغالي بعد ان رأيت مصدره وقد لبس ازارا اخضرا وقميصا ازرق ويربط فوق راسه شماغ ويلتف حوله زبائن تقلب في بضاعته وتبادله النقود، في هذه الاثناء رجعت برأسي إلى صاحبنا وقد امتلأ وجهه بالكثير من الكلمات والتعابير التي تحتاج إلى اخراجها، وقلت له هالبنغالي اشطر منك يبيع ثلاث حبات بريال وانت تبيع حبتين بريال فقال لي ليتني كنت انا البنغالي!!
استوقفتني هذه الكلمة واعتصر قلبي لها ألما وذهلنتي امنية هذا المواطن، سألته لأتأكد ان كان قد قال هذه الكلمة وان كان يرغب فعلا في تحقيق هذه الامنية فقال نعم ليتني كنت بنغاليا في هذا السوق وبالتحديد ليتني انا هذا البنغالي نفسه الذي يبيع بجواري. أردت ان افهم سر هذه الامنية فقلت له ولماذا؟ قال اولا هذا البنغالي يتغرب سنه أو اثنتين وحتى خمس سنوات ويعود بعد ذلك ظافرا غانما اموالا تكفيه واسرته ما تبقى من عمره بل ان بعضهم يعود تاجرا ويعيش بقية عمره في بلده تاجرا وقد أمن منزل ومزرعة ومصنع أو متجرا بالاضافة إلى تمتعه بكامل حقوق الحماية هنا في بلدي بل وقد يزيد عليك كمواطن بينما أنا هنا اعمل طيلة عمري لاوفر قوت يوم لي ولابنائي ولاتمكن من دفع الايجار ورسوم الكهرباء والتلفون ومدارس فغربتي في وطني تنتهي بانتهاء حياتي ولا يوجد لها زمن محدد مسبقا مثل العم البنغالي. وثانيا أن هذا البنغالي يكفيه ويصرّفه ان يبيع اربع بريال لانه غير صاحب مسؤولية يكفيه ربع ما نكسب، قلت له ولكن قوانين وزارة التجارة تمنع غير السعوديين من بيع الخضار والفواكه وتشدد على هذا الامر وهناك رقابة صارمة حسب ما اعرف في هذا الشأن فرد بشيء من الحسرة وقال كلامك صحيح ولكن لا يستطيع احد تطبيقه على هذا البائع وثلاثة معه هم اثنين مصريين واثنين بنغلاديشيين في هذا السوق وليس فقط تراهم ضمن باعة الخضار والفواكه، بل الكثير منهم ينافس باعة الملابس والاحذية والالعاب وغيرها!!
أذلهني ما قاله وطلبت ايضاح اكثر فأخبرني بأنهم تقدموا أكثر من مره إلى المسؤولين وكتبوا كباعة سعوديين في السوق اكثر من خطاب ووجهوه إلى امارة الاحساء والى مكتب العمل والى الجوازات والترحيل ولكن دون جدوى فكلما قبض عليهم رجال الجوازات ووضعوهم في سيارات المتخلفين، نراهم بعد يومين فقط يمارسون نفس النشاط بل انه في احيان كثيرة نراهم يعودون بنفس السيارة التي قبضت عليهم، قلت له وما السر في ذلك قال لانهم يعملون في مزارع خاصه بأبو فلان وفلان وياخذون من منتجات مزارعهم على حسابهم الشخصي ليعرضوه هنا ويتحكمون في السوق ونتكبد نحن خسائر كبيره فنحن نشتريه من الحراج الذي يقام يوميا بعد صلاة المغرب من السوق المركزي، اما هم فلا يدفعون شيئا للمزرعة التي يعملون بها ولا أجرة السيارة التي تنقله وان دفعوا فدفعهم رمزي جدا..
شعرت في حديثه بأنني اقف امام رجل منهك ومتعب اتبعه الفساد الذي انتشر في كل هذه البلاد حتى في اسواقها الشعبية البسيطة، اخذت من عنده ما اريد من الحشايش لعلي انسى معه همي وهم وطني الضائع واتجهت وكأنني فاقد للوعي إلى ذلك المصري الذي يقف بجانب البنغالي وقلت له من أي المزارع هذه البضاعه فقال لي من مزارع أسرة آل فلان وهي اسرة معروفة من اسر الاحساء سيطرت على الدوائر الحكومية فابنائها رؤساء لتلك الدوائر ورؤساء اقسام في دوائر اخرى وضباط ومسؤولين لم يرحموا حتى الفقراء في اسواقهم فأدخلوا معهم منافسين من البنغال والمصريين وغيرهم ولم يكفيهم انهم تسلطوا بغير حق على المناصب بل أنهم سلطوا المتخلفين على ابناء البلد الفقراء. فهل سوف تستمر الشمس ويستمر البرد في تعذيب هؤلاء الفقراء بجانب البنغال والأثرياء؟
|