15-12-2011, 07:58 AM
|
عضو مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 849
معدل تقييم المستوى: 1394300
|
|
بيئة العمل وسحر الشكر
ما من موظف في القطاع العام أو الخاص إلا ويشعر بأهميته، فتقدير الذات، كما يقول علماء التربية هو في قمة هرم الاحتياجات الإنسانية، غير أن هذا التقدير قد يتراكم عليه الصدأ حين يمارس الشعور بعدم اكتراث الآخرين به تأثيره عليه. بل، حتى عند هذا المستوى يظل حواره الداخلي تواقاً لهذا التقدير، وإن غطى عليه باللامبالاة أو المكابرة اللاشعورية.
وحتما تقدير الذات صناعة الفرد نفسه في معظم الأحوال، إنما لبيئة العمل وللتربية من قبل دورهما في تحققه.. وإذا كان دور التربية منوطاً بالتأهيل على مقاعد الدراسة المبكرة والطريقة التي تم فيها إعداد الفرد وبناء شخصيته، ثم دور الأسرة وأسلوب تنشئتها للأبناء، فإن بيئة العمل تلعب دوراً لاحقاً في هذه المسألة، قد تصلح ما أفسده الدهر، سواءً من أخطاء التأهيل في المدرسة أو الأسرة.
لن نذهب بعيداً في الحديث عن دور برامج التدريب على رأس العمل أو لأجله في معاهد داخلية أو خارجية، فتلك قد تصنع المهارات والقدرات العملية فيما لو كانت البرامج كفؤة، وإنما سنقصر الحديث هنا عن إكسير ذهبي كثيراً ما يتعرّّّض للإهمال من قبل المسؤولين والمديرين في بيئات العمل المختلفة، وهو ''كلمة الشكر''؛ إذ إن لها تأثيراً سحرياً على الموظف مهما كان موقعه وعمره ومهما كانت مهامه.. فحين يترك الموظف في صحراء بيئة العمل خلواً من مسؤول أو مدير أو رئيس لا يعير جهده التفاتاً؛ باعتبار أن ما يقوم به واجب وتحصيل حاصل فقد يتسرّب الإحباط الذي يفت بدوره في عضد دورة العمل نفسه من خلال سريان التقاعس عن أداء ما يعتبره المسؤول واجباً وتحصيل حاصل، ذلك أن النفس البشرية بطبعها تواقة للمديح، وكلمة شكر من مسؤول أشبه بحقنة دواء منشطة، بل إن كلمة الشكر التي يبادر بها الرئيس مرؤوسه تفتح الشهية للعمل والإقبال عليه، وربما تدفع الموظف إلى النهوض بمهام إضافية أو مفاجأة المسؤول بقدرات إبداعية لم تخطر له على بال.
نعم.. لكلمة الشكر سحرها المدهش حين لا تُقال على نحو ميكانيكي بارد وإنما بحمولة شعورية يصل دفئها إلى وجدان الموظف. وكلمة الشكر السحرية هذه ليست ''شكراً'' بذاتها وإنما ينبغي أن تأتي مزجاة بإطراء وتقدير للجهد المبذول، خصوصاً حين يؤدي الموظف عملاً مميزاً، أو حين يبادر في إخلاصه للعمل، والحالتان لا يكاد موظف تخلو حياته الوظيفية منهما.. لكن امتناع الشكر وعدم التحلي بقيمته إداريا هما ما يحرم جهات العمل من موظفين كثر من الحصول على أعمال مميزة أو يحد من مثابرة مخلصة، لا ينعكس أثرهما في النهاية على الموظفين فحسب، بل على المؤسسة التي كان بإمكانها أن تكون كياناً يحظى بالاحترام والتقدير، لكن تغييب ''الشكر'' وإهماله، بل إفلاسها منه حرمها هذه المكانة!
الغريب العجيب في الأمر أن هذا القول عن سحر الشكر يلاقي إجماعا حوله، مثلما أن الرئيس يعيش أثره عليه من رئيسه المباشر، غير أن بعض القيادات الإدارية تجد نفسها عاجزة عن شكر غيرها، حيث يجب الشكر لتصور خاطئ وقناعة فاسدة تماما بأن ذلك يقلل من هيبتها.. وكأن الهيبة ليست هي تاج الإنتاج وسحر الشخصية المقرونة دائما باللباقة وتقدير الآخرين فيما افتعالها بالشدة والكبرياء ليست سوى برواز يسجن صورة صاحبها فيه!
|