فإن الله عز وجلَّ شرفنا بالإسلام وهو الاستسلام لشرع الله المطهر، والخضوع له، والانقياد لأحكام الشريعة { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران/19].
وقال تعالى: { وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [لقمان/22]
والمسلم لا يحل ولا يحرم من عنده وهواه، بل يستند في ذلك إلا الشريعة { وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [النحل/116]
والمؤمن المطيع لربه، والمحب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه الحكم الشرعي من الكتاب أو السنة إن كان منصوصاً عليه سمع له وأطاع، ورمى رأيه وراءه ظهرياً طاعة وحباً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور/51، 52]
وإن لم يكن الحكم منصوصاً عليه في الكتاب والسنة فإنه يسأل أهل العلم الذين هم أهل العلم بالكتاب والسنة { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل/43، الأنبياء/21]
ويتأكد الرجوع للراسخين في العلم في مسائل النوازل، وإذا كان من الأمور التي قد يترتب عليها الفتنة والاختلاف { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء/83]
وسؤال الراسخين في العلم والرجوع إليهم يَلزم منه أن يطاعوا في فتواهم لا سيما علماء السنة المعروفين بالفقه في الدين، والحرص على لزوم الحق واتباعه وهم علماء الهدى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء/59]
وأولوا الأمر هم العلماء والأمراء، فالأمراء يطاعون في أمر الدنيا، وكذلك فيما أمروا به من طاعة الله، والعلماء يطاعون في أمر الدين.
فالمسلم الحريص على مرضاة الله، والذي يخاف الله والدار الآخرة، والذي لا يبيع دينه لأهل الأهواء والجهالات، والذي يصبر ولا يستعجل، والذي يرجع أمره إلى الله ويتوكل عليه فهو الذي ينجو من الفتن، وهو الذي يسلم من الضلال، وهو الذي يفلح ويفوز.
أما من اتبع هواه، وسلك سبيل أهل النفاق الداعين إلى الفتنة، والمحرضين على ولاة الأمر في بلادنا المملكة العربية السعودية، وقلَّد رقبته لدعاة الشقاق والنفاق فعاقبته إلى الخسران والهلاك، ولا يجني إلا الشوك والحنظل، ولا يكون من أهل السعادة بل من أهل الشقاوة لإعراضه عن شرع الله، واتباعه الهوى ومضلات الفتن.
وفي هذا المقال ننقل فتوى لأحد العلماء الراسخين في العلم، والذين لهم قدم صدق في الأمة، ومعروف بحرصه على هداية الناس وسعادتهم وهو فضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله ورعاه، مع أن جميع العلماء الراسخين في العلم، والمعروفين باتباع السنة، والبعد عن الهوى والتحزب يفتون -وقد أفتوا- بمثل فتواه كسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، والشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين.
وخلاصة فتوى هؤلاء العلماء:
أولاً: تحريم المظاهرات والاعتصامات لأنها وسيلة من وسائل أهل الكفر والزندقة، وليست من أفعال أهل الإسلام، فهي من التشبه المحرَّم.
ثانياً: أن المطالبة بالحقوق تكون عبر الوسائل المشروعة وهي موجودة في بلادنا، فعبر المحاكم الشرعية، وديوان المظالم، ونحوها من مؤسسات الدولة المَعْنِيَّة، وبالدخول على الحاكم والشكاية إليه، وأبواب ولاة الأمر مفتوحة لمن كان له مطلب شرعي.
ثالثاً: أن من ثبت تورطه في أعمال إجرامية أو إرهابية فلا يُخرج إلا بعد توبته، وضبط هذه التوبة، واستيفائه العقوبة الشرعية، إلا إن رأى ولي الأمر العفو عنه فيما هو مما يشرع له فيه العفو.
رابعاً: أن من اتهم بالإرهاب أو أي جريمة من الجرائم ممن وجدت قرائن تشير إلى تورطه لا سيما إذا كان من دعاة الفتن فهذا لا يفرج عنه ولا يطالب بالإفراج عنه إلا بعد ثبوت براءته، وهناك فتوى مطولة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بيان هذا الأمر الذي أشار إليه فضيلة الشيخ صالح الفوزان.
خامساً: أن من يستغل الثورات والفتن المحيطة لأجل الضغط على الدولة لتطبيق الملكية الدستورية الوضعية أو الدعوة إلى حكم الشعب دون حكم الرب جل وعلا فهو من فعل المنافقين، والواجب الحذر منه، وأن يستيقن المؤمن أن العاقبة للمتقين، والنصر لعباد الله الصالحين وهم جماعة المسلمين الذين يكون علماؤهم مع ولاة أمرهم مجتمعين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالجماعة يد الله مع الجماعة)) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (( ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم أبداً : إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة ؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم)) .
وفي لقاء خاص أعد له موقع واحة النصيحة مع فضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله وسئل مانصه:
س: كثرت الكتابات والدعوات للمظاهرات والاعتصامات لإخراج المعتقلين في القضايا الأمنية من السجون، وقد نادى بها دعاة الباطل كالمسعري ونادى بها أهل الفتنة ممن تأثر بأفكارهم عبر وسائل إعلامهم المأجورة، وصوروا الدولة أنها تنتهك أعراض هؤلاء المعتقلين ونساءهم! فما هو الموقف تجاه من يدعو إلى تلك المظاهرات والاعتصامات بهذا الشأن ؟
ج/ لابد من القبض على دعاة الفتنة والقضاء على فتنتهم ، وهذه مهمة ولي الأمر، وإطلاقهم إنما يتم بعد ظهور براءتهم أو تراجعهم عن فعلهم تراجعاً صحيحاً يُضْبَطُ عليهم.
س: ما هو الحكم الشرعي في الاعتصامات التي ينادي بها أهل الضلال لعمال وموظفي الشركات في البلاد الإسلامية وبلادنا خاصة بشأن المطالبة بزيادة الرواتب وما شابه ذلك؟
ج: المطالبة بالحقوق ورفع المظالم لها مراجع يرجع إليها المظلوم من الشكاية إلى الحاكم ومن المحاكم الشرعية ، وديوان المظالم فأبوابها مفتوحة لاستقبال هذه الدعاوى ، ولا تكون المطالبة بالحقوق المشروعة بواسطة المظاهرات والاعتصامات التي هي من وسائل غير المسلمين ممن ليس عندهم شرع إلهي ولا مراجع شرعية.
س: استغل بعض الدعاة الحركيين في داخل المملكة ما تمر به المنطقة من ثورات للضغط على الحكومة السعودية ، حيث يطالبون بالمزيد من الحريات في الصحافة والإعلام ، وزاد بعضهم للمطالبة بما يسمى الدولة الدستورية حيث يكتفى بملك صوري ، بينما الحاكم هو الشعب عبر الانتخابات ؟ فما هو رأيكم في مثل هذا الأمر ؟
ج: لاشك أن المنافقين في المجتمع الإسلامي يظهر نفاقهم عندما تحصل للمسلمين مصيبة أو تنزل بهم نازلة ، ولكن أمرهم يؤول إلى الفشل، وينكشف شرهم، ليكون ذلك سبباً لأخذ الحذر منهم.
وماذا حصل منهم في وقعة الأحزاب في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؟
وماذا حصل منهم قبل ذلك في وقعة بدر
( إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم )
فنصر الله الإسلام وانكشف النفاق.
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء
هذا والله أعلم وأحكم وصلى والله وسلم على نبينا محمد
اللجنة الشرعية بموقع واحة النصيحة