كانت هند بنت النعمان إحدى نساء العرب المشهورات بالجمال والحكمة والفطنة ،
فقد كانت شاعرة فصيحة وأديبة ، كما يؤكد ذلك ابن قيم الجوزية في كتابه أخبار النساء .
تزوجها الحجاج بن يوسف الثقفي ، وبعد أن ظهر على حقيقته الإجرامية ،
كرهته وتثاقلت منه وابدت له بشكل مباشر عدم انسجامها مع أفكاره وتصرفاته ،
وذات يوم وهي تداعب خيوط شعرها أمام المرآة محدقة في وجهها الجميل وعيونها الأخاذة
وهي حامل في أشهرها الأخيرة،
أخذت تخاطب وليدها وهو مازال في أحشائها
مركزة على مسألة مهمة تتعلق بعائدية الطفل القادم إلى الدنيا
من أبٍ لا يفهم من الحياة شيئاً ،
فانشدت تقول:
وما هند إلا مهرة عربية ..........سليلة أفراسٍ تحللها بغل
فإن ولدت فحلاً فللّه درها ........وإن ولدت بغل فقد جاء به البغل
وقيل إنها قالت :
لله دري مهرةٌ عربيةٌ ......عُمِيت بليل إذ تَفخّذها بغلُ فإنْ ولدت مُهراً فلله درُّها .......وإنْ ولدت بغلا فقد جاد به البغل ُ
وفي هذه الأثناء مر الحجاج وهو يريد الدخول عليها فسمع ما أنشدت فانزعج
وأرسل إليها صداقها مع واحد من خدمه ومقداره مئتا ألف درهم .
فدخل عليها وبلّغها كلام الحجاج
قائلاً : يقول لك سيدي كنت فبنت وهذه المئتا ألف درهم التي كانت لك قبله ،
ففرحت كثيراً وسُرت بالخبر
وقالت للخادم إعلم يا هذا (أنا والله كنا فما حمدنا وبنا فما ندمنا وهذه المئتا ألف درهم التي جئت بها بشارة لك مني لخلاصي من كلب بني ثقيف) .
وهكذا تخلصت هند من قيود الحجاج وعنجهيته وسلوكه القبيح ،
وبالنظر لكون المرأة في تلك الحقبة الزمنية وما قبلها وما بعدها إذا تطلقت أو توفي عنها زوجها
فإن الآخرين لا يتركونها أرملة بل يتزايدون لكسب رضاها والزواج منها
خاصة وأنها أصبحت ذات خبرة اكتسبتها من زواجها السابق
ستوظفها بالتأكيد لصالح زواجها الثاني . سبحان الله
لذلك ولكون هند من النساء اللواتي لهن موقع واثر تقدم لخطبتها الخليفة عبد الملك بن مروان فارسلت له كتاباً مع رسوله إليها قالت فيه ، بعد السلام والثناء :
اعلم يا أمير المؤمنين أن الإناء ولغ فيه الكلب ، فلما قرأ عبد الملك الكتاب ضحك كثيراً
وكتب لها يقول : إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب وحينها يحل الاستعمال .
فلما قرأت كتابه فهمت قصده فكتبت بشرطها إليه ، قائلة : يا أمير المؤمنين ،
والله لا أحل العقد إلا بشرط ، فإن قلت ما هو الشرط
قلت : أن يقود الحجاج محملي إلى بلدك التي أنت فيها ويكون ماشياً بحليته التي كان فيها قبل الإمارة، وفي روايه حافي القدمين
فلما قرا كتابها ضحك كثيراً وأرسل إلى الحجاج يأمره بما طلبت هند ،
وهنا لنا وقفة فالحجاج الذي كان آمراً ناهياً على ابناء العراق وهم له كارهون حين استخدم ضدهم
كل أساليب البطش والهمجية عسى أن يخلق منهم أمة تريده وتخاف منه ،
ذلك الدكتاتوري كان لا شيء لدى الخليفة لا يحترمه ولا يوقره ولا يحسب له أي حساب فهو مجرد أداة طيعة لتحقيق رغبات الخليفة سواء كانت سياسية أم غير سياسية .
المهم ، نفذ الحجاج أمر الخليفة وهو طائع وذليل
حيث أخذ بزمام البعير بعد أن ركبت عليه هند وهي تضحك عليه ،، أحس شعور حلوو
وتتحدث مع دايتها واسمها الهيفاء قائلة : اكشفي لي سجف المحمل (أي غطاء المحمل) فكشفته
فوقع وجهها في وجه الحجاج فضحكت ، فانشد قائلاً :
فإن تضحكي مني فيا طول ليلة ....... تركتك فيها كالقباء المفرج
فأجابته على الفور وهي فخورة بزواجها من الخليفة قائلة :
وما نبالي إذا أرواحنا سلمت........ بما فقدناه من مال ومن نشب
فالمال مكتسب والعز مرتجع ........إذا النفوس وقاها الله من عطب
تقول مصادر التاريخ ، فلم تزل كذلك تضحك إلى أن قربت من دمشق
فرمت بدينار على الأرض بطريقة ذكية ونادت يا جمّال إنه قد سقط منا درهم فارفعه إلينا ،
فنظر الحجاج إلى الأرض فلم يجد إلا ديناراً فقال : إنما هو دينار ،
فقالت : بل هو درهم ، فأجابها لا بل دينار ،
وهنا وقفت وقالت له وعينها في عينيه : الحمد لله لقد سقط منا درهم فعوضنا الله عنه بدينار ،
فعرف الحجاج قصدها فخجل وسكت ولم يرد عليها .
ويقال ان الحجاج من بعد هذه الحادثة مرض مرضا شديدا مات على اثره
أي سؤال أو أستفسار عن الأدب والأشعار ببكون تحت رعاية