سونغ جونغ - جن .. رحيله إلى أمريكا غير مجرى حياته

العاطل الذي حوَّل التقنية الأحيائية إلى حديث الصناعة



سونغ جونغ – جن في مقر شركته الدوائية «سيلتريون».

على الأرجح أن يكون واحدًا من عدد قليل من أصحاب المليارات ممن صنعوا أنفسهم في كوريا الجنوبية، ولكن قبل عقد مضى، كان سيو جونغ – جن بلا وظيفة.
وجد تنفيذي قطاع السيارات نفسه بلا عمل بعد أن أطاحت الأزمة المالية الآسيوية عامي 1997 – 1998 بشركة دايو موتور في خضم ما اعتبر في ذلك الحين أكبر عملية إفلاس في العالم.
لخشيته من أن يبدو عاجزًا أمام زوجته، ومنسوبيه السابقين، سافر جونغ – جن إلى مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية ليستوحي أفكارًا لمشروع تجاري جديد. وقام بتأسيس شركة تدعى ''نيكسول'' بالاشتراك مع عشرة زملاء سابقين من شركة دايو – حيث كان يتقدم قوة التوسع العالمي لشركة صناعة السيارات بصفته تنفيذي التخطيط الاستراتيجي - ولكن لم تكن لديه فكرة عن نوع العمل الذي يتعين على الشركة الجديدة أن تدخله. ويتذكر قائلاً، في أثناء جلوسه في مكتبه الواسع في سونغدو، الجزيرة التي جرت استعادتها من البحر قبالة الشاطئ الغربي لكوريا الجنوبية، وتم تعيينها كمنطقة للتجارة الحرة: ''أمضيت أيامًا في الفندق، لا أفعل شيئًا، وأعصف ذهني بما ينبغي أن أفعله''.
غيرت إقامته في فندق سان فرانسيسكو، حيث تصل تكلفة الإقامة لليلة واحدة 70 دولارًا، مصيره بعد لقائه مصادفة مجموعة من الأشخاص في بهو الفندق يتحدثون عن ''منتجات شبه أحيائية''. وبدافع الفضول، انضم إلى محادثتهم. ويقول: ''سألتهم فقط ما إذا كان قطاع العمل واعدًا، وبدت توضيحات منطقية للغاية''.
هكذا كان الأمر، ودخل سيو قطاع صناعة المنتجات شبه الأحيائية – نسخ عامة أرخص ثمنًا من أدوية التقنية الأحيائية المعقدة – وذلك قبل فترة طويلة من أن تدرك التكتلات الكبيرة في كوريا، مثل ''سامسونج''، و''هانوها'' فرص وإمكانيات الصناعة، وتجعل التقنية الأحيائية في البلاد الكلمة الجديدة الرنانة.
أما الآن، فتعتبر ''سيلتريون''، شركة التقنية الأحيائية التي أسسها سيو عام 2002 كمشروع استثماري مشترك مع ''فاكس جن''، شركة التقنية الأحيائية الأمريكية، و''كيه تي أتد جي''، شركة إنتاج التبغ والجنسنغ التي تديرها الدولة، لاعب رئيس في صناعة المنتجات شبه الأحيائية العالمية. وحيث إن رسملتها السوقية تبلغ نحو 4,380 مليار وون، فإنها الشركة الأعلى قيمة في سوق كوسداغ الصغيرة للتقنية الثقيلة في كوريا الجنوبية. وفي شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، افتتحت الشركة مصنعها الثاني في سونغدو لزيادة الطاقة التشغيلية لمرافقها المتميزة – وتفاخر فعليًّا بأن لديها أكبر طاقة تشغيل تصنيعية في العالم من حيث إنتاج الأجسام المضادة.
إنجازات رجل الأعمال هذا البالغ من العمر 55 عامًا تثير الإعجاب للغاية في بلد تواجه فيه الشركات الناشئة أجواء استثمارية قاسية، وحيث تهيمن على الاقتصاد تكتلات كبيرة، المعروفة باسم ''شابول'' (مجموعات شبه احتكارية)، وأقطابها من أصحاب المال ممن ورثوا ثروات كبيرة. ويقف خلف صعوده النيزكي هذا، جرأته وحماسه لصناعة المنتجات شبه الأحيائية، حسبما يقول مساعدوه.
لكي يتعلم شيئًا بشأن صناعة كانت في ذلك الحين جديدة كليًّا بالنسبة إليه، قرأ سيو المئات من الكتب الطبية، وسافر إلى شتى أرجاء العالم لمقابلة خبراء بارزين في القطاع. ويقول سيو في هذا الصدد: ''لا يهم تخصص دراستك الرئيس. وحين تدرس شيئًا من أجل البقاء، فإن شدة الحماس تمكنك من أن تهضم أشياء تتعلمها في العادة على مدار أربعة أعوام، في غضون عام واحد فقط. ودرست علم التشريح خلال رحلات العمل المتكررة تلك. وأراهن بأنني رجل الأعمال الوحيد، على الأرجح، الذي رأى خلايا سرطان الثدي أكثر من أي شخص آخر''.
لحسن الحظ، اكتشف أن صناعة المنتجات الدوائية أقل تعقيدًا من قطاع السيارات. ويقول: ''كنت أعتقد أن الأمراض، والأدوية، مجال صعب للغاية، ولكن من الأسهل أن تتعلم بشأن الصناعة مقارنة بصناعة السيارات، وذلك لأن سرعة التغييرات التقنية فيها أبطأ من صناعة السيارات. وتتغير تقنيات السيارات تمامًا في غضون أربع إلى خمس سنوات، ولكن التقنيات الطبية أكثر ثباتًا بكثير. وربما أن السبب هو أن بني البشر لا يملكون العديد من الأعضاء، بينما تتكون السيارة من نحو ثلاثة آلاف قطعة''.
حاول سيو مبدئيًّا إدخال قطاع المنتجات شبه الأحيائية إلى ''شابول'' كبير في البلاد مقابل رسوم استشارية. ولكن، في ذلك الحين، لم يكن أيٌّ منها يدرك إمكانيات القطاع. ويتذكر قائلاً: ''كنت أتساءل لماذا لا يرى الناس الآخرون الأشياء التي بإمكاني أن أراها بوضوح؟.... والطريقة الوحيدة لإثبات ذلك هي المراهنة على ذلك، وإنجاز العمل بنفسي''.
قبل أن يبدأ رهانه الكبير بأن يجدي ثماره، وَجَبَ عليه أن يتغلب على سلسلة من أزمات السيولة، وشكوك المستثمرين إزاء الآفاق المستقبلية للشركة. وتعين على شركة سيلتريون أن تتحمل نفقات أربع سنوات دون أي مبيعات منظورة. وبلغت تكلفة مصنع سونغدو 85 مليون دولار، وتم جمع الأموال من قروض البنوك وشركاء العمل بمن فيهم شركة كيه تي آند جي التي امتلكت مبدئيًّا نسبة 17.4 في المائة من الشركة. وحصلت شركة سيلتريون على التقنية والخبرة من شركة فاكس جن، أكبر مساهم فيها، التي كانت تمتلك مبدئيًّا نسبة 52.2 في المائة.
ازدادت الأحوال المالية لشركة سيلتريون سوءًا في عام 2004، حين فشلت التجارب العيادية للقاحات الإيدز في الولايات المتحدة، التي كان من المفترض إنتاجها لصالح شركة فاكس جن. وتوجب إيقاف المشروع، الأمر الذي اضطر سيو إلى أخد القروض من حيتان القروض، واستخدم أعضاء جسمه كضمانات.
يقول سيو في هذا الصدد: ''كان نشاط عمل كبير لرجل كان يتقاضى راتبًا في السابق لكي يتعامل معه. وما كنت لأدخل قطاع العمل لو أنني عرفت أنه يتطلب مثل تلك الاستثمارات الكبيرة. وفي ذلك الوقت، كان من المؤلم للغاية أن أفتح عيني في الصباح. ويجب عليَّ أن أصارع للبقاء كل يوم على حدة''. في نهاية المطاف، ساعد تدفق من عقود طلبيات التصنيع من شركات أجنبية للمنتجات الدوائية على تحسين المركز المالي للشركة، وأعادت استثمار العوائد التي حصلت عليه من تلك العقود في تطوير منتجات شبه بيولوجية.
يعتقد سيو أن شركته تسبق المنافسين العالميين في مجال المنتجات شبه الأحيائية بنحو أربع سنوات على الأقل؛ لأن إنتاجها يقتضي عملية معقدة. وعلى النقيض من الأدوية الكيماوية، فإن من المستحيل نسخ الأدوية الأحيائية تمامًا، ومن هنا جاءت الحاجة لإجراء تجارب مكثفة.
أتمت شركة سيلتريون بنجاح التجارب العيادية للأدوية العامة الخاصة بها، مثل هيرسبتن، ودواء السرطان، جينيتيك، وريميكاد، دواء الالتهاب المفصلي الوريدي الذي تنتجه شركة جونسون آند جونسون الأمريكية، وتسعى إلى الحصول على الموافقة التنظيمية لبيع المنتجات في نحو 70 بلدًا.
الهدف الأعلى لسيو هو إنتاج أدوية جديدة خاصة بالشركة لجعل ''سيلتريون'' قائدًا عالميًّا في مجال المنتجات الدوائية.
يقول شين جي – ون، المحلل لدى شركة ميراي أسيت سيكيورتيز: ''بالنظر إلى مسارها في قطاع العمل، من كونها شركة صناعة بناء على عقود، إلى شركة لإنتاج المنتجات شبه الأحيائية، فإنني شخصيًّا أعتقد أن بإمكانها تطوير أي أدوية جديدة كذلك. ولكنها سوف تواجه منافسة أشد بوجود المزيد من اللاعبين الذين يدخلون سوق المنتجات شبه الأحيائية''.
على نحو لا يدعو إلى الدهشة، فإن سيو على قناعة تامة بأن المنتجات شبه الأحيائية سوف تولد سوقًا ضخمة حين تبدأ فترة سريان براءات الاختراع الخاصة بالعديد من الأدوية الناجحة بالانتهاء خلال السنوات المقبلة.
تتوقع ''داتا مونيتر''، شركة أبحاث السوق، أن تنتهي فترة سريان براءات الاختراع الخاصة بأكثر من 30 علامة تجارية تتعلق بالأدوية الأحيائية التي تصل مبيعاتها إلى نحو 51 مليار دولار بحلول عام 2015. ومن المتوقع أن تنمو السوق العالمية للمنتجات شبه الأحيائية من نحو 243 مليون دولار عام 2010، إلى نحو 3.7 مليار دولار بحلول عام 2015. يخطط سيو إلى التنحي عن منصب رئيس مجلس إدارة شركة سيلتريون نحو عام 2015 لكي يفصل الملكية عن الإدارة – وهذا أمر غير شائع في قطاع الشركات في كوريا. يتعهد كذلك بعدم تمرير السيطرة على الشركة إلى أبنائه، كما يفعل العديد من أقطاب المال الكوريين. ويوضح قائلاً: ''أنا لست من النخبة المتفوقة. وأنا شخص عادي مثلك تمامًا. ووالدي ليسا ثريين، ولست حاصلاً على شهادة الدكتوراه''.
ويقول: ''أريد أن تعطي قصة نجاحي الأمل إلى العديد من العمال والشباب الذين يتقاضون رواتب في بلادنا. ونحن بحاجة إلى المزيد من الشباب الملهمين، الذين لديهم استعداد للإقدام على المخاطر، والسير في طريق غير ممهد''.

بروفايل

• تاريخ ومكان الولادة: 1957 في تشونغجو، مقاطعة شمال تشونغتشونغ، كوريا الجنوبية.
• التعليم: حاصل على شهادة الهندسة الصناعية عام 1983 من جامعة كونكوك.
• السيرة المهنية: موظف من عام 1983 إلى عام 1986 في ''سامسونغ إلكترو – ميكانيكس''.
• 1986 – 1991، مستشار في مركز كوريا للإنتاج.
•1992 – 1999، مستشار استراتيجي في شركة دايو موتور.
•2002 – حتى الآن الرئيس التنفيذي، ورئيس مجلس الإدارة في شركة سيلتريون.
•2009 – حتى الآن الرئيس التنفيذي، ورئيس مجلس الإدارة في شركة سيلتريون فارما.
الهوايات والعائلة: متزوج، ولديه ولدان، وقال إن العمل هوايته لأن هذا هو ما يجعله يشعر بالسعادة.