15-07-2012, 12:35 AM
|
|
عضو مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 859
معدل تقييم المستوى: 1157579
|
|
التنمية الفكريّة (أنور ياسين)
تصاب الأفكار بعاهات كما تصاب الأجساد, ولكن الفرق يكمن في أن إصابات الأجساد مقتصرة على أصحابها, أما إصابات الأفكار فالأمر عكس ذلك تماماً. فالأمراض الفكرية الفتاكة كالنمطية, والعشوائية, والسوداوية, والتشاؤم, والاتكالية, والبساطة, والقطعية, وسوء الظن, وهجر الأولويات. كلها أوبئة فكرية سريعة الإنتشار إذا لم نتوخى الحذر في التعامل مع حامليها، ولم نسارع في علاجها بأساليب ومهارات فكرية فعالة.
هذا وقد وهب الله سبحانه وتعالى الإنسان العقل, وكرمه على سائر الخلق, بهذه النعمة ليعمر بها الأرض, ويستخرج من كنوزها مايريد. لذا كان من الأهمية بمكان تنمية المواهب الفكرية ليتمكن بنو الإنسان من خلافة الأرض على أكمل وجه. وليبلغوا بعقولهم من الرقي ما يمكنهم من إنشاء الأسر والمجتمعات والدول الإنسانية قيماً, وواقعاً وعملاً. فحياة الأفكار أطول من حياة البشر, فكم من مفكر مات جسده وخلِدت أفكاره لقرون بعده, وكم من شخص هزل جسمه, ولكنه هز بقوة أفكاره عقول من حوله.
وقبل أن نخوض في طرق التنمية الفكرية, لا بد من الإشارة إلى أن كل ما يتصل بتغيير الفكر والآراء والعقائد, يعد أمراً في غاية الصعوبة, وقد يحتاج من صاحبه جهد سنين لتنمية فكره. ومع ذلك نقول إن ثمرة التنمية الفكرية عظيمة الأثر في حياة من ينجح في الوصول إليها. فتعلم مهارات التفكير وتنميتها يختصران على الإنسان الطرق الشاقة لبلوغ الغايات الكبرى سواءً في نطاق التنمية الشخصية والإجتماعية أو السياسية والإقتصادية. وتحديداً يمكن تلخيص أهمية التنمية الفكرية باختصار من خلال النقاط التالية:
إدراك أهمية التعلم والقراءة المستمرة في الحياة.
احترام وجهات نظر الآخرين.
الدقة في فهم وتقييم الآراء.
البعد عن التبسيط والتسطيح في تحليل القضايا والمشكلات.
فالمتأمل في هذه النقاط يستخلص تعريفاً للتفكير مشتملاً للآتي: “التفكير هو ما يجول في الذهن لفهم وتقييم ما يدرك بالحواس قبل القول والفعل“. فليس بالضرورة فيمن يمتلك مهارة الحديث والخطابة، أن يحسن التفكير والتدبير. والعكس صحيح، أي من لا يحسن الحديث والتعبير، ليس بالضرورة أن لا يكون حسن التفكير والتحليل. فالعبرة بالمضمون وليس بكثرة العبارات المنمقة، ولا الألفاظ المعقدة. وللتفكير السليم مبادئ وأسس تقيه الإنحراف وتضمن له السير ضمن أطر آمنة, منها:
التفكير في حدود المعقول، والبعد عن الخوض في الغيبيات التي تعتبر خارج قدرة العقل الإنساني.
التخطيط طويل الأمد، وعدم استعجال النتائج والثمرات.
الرؤية الشمولية وإدراك العلاقات والتأثيرات، ورفض الثنائيات (معي أم ضدي) (نعم أو لا) (هجوم أم دفاع) (خطأ وصواب)…إلخ.
الالتزام بالقيم والأخلاق النزيهة في السراء والضراء، وضبط النفس والبعد عن الروح الانتقامية.
النقد المستمر للذات وقبول النقد من الآخرين.
التواضع وعدم ادعاء الموضوعية هو عين الموضوعية، فذلك أدعى للمفكر أن يعاود النظر ويصل لنتائج أثمن وأنفس.
التفكير في الأولويات يصون رأس المال – ألا وهو الوقت- من الضياع.
الإبداع يستدعي الخروج عن المألوف والمعهود.
فهذه المبادئ تعد ضرورية للمفكر ليضبط تفكيره وليبصر طريقه ويحفظ وقته من سرقة المجادلين على جوانب الطرقات، ولكل مفكر أن يضيف مبادئ تهمه في المكان والزمان االمحدد.
أما عن مهارات وتقنيات التفكير فهي بمثابة الخطوات العملية لتطوير أساليب التفكير، وقد يحتاج المرء لبعض هذه المهارات بحسب المواقف المختلفة. فالمهارات يستفيد القارئ منها بقدر تطبيقه اليومي لها. وعند البحث لحصر المهارات الفكرية وجدنا أن عددها يزيد على الثلاثين مهارة مما يجعل سردها في مقال كهذا غير مناسب، ولكن.. نعطي إشارات سريعة لما نراه يستحق الذكر والتنويه من هذه المهارات في العناصر التالية:
مهارة حل المشكلات: وهي محاولة حل مشكلة من خلال جمع المعطيات وتحديد الأهداف.
مهارة تحديد الأولويات: وينجح صاحبها في ترتيب الأمور حسب أهميتها.
مهارة تطبيق الإجراءات: أي العمل على إنجاز المهام بدقة عالية.
مهارة التتابع: وتعني العناية الفائقة في ترتيب الأفكار والفقرات والأشياء بحسب الأولويات.
مهارة المرونة: وهي القدرة على فهم الأشياء بطرق مختلفة. وذلك يحتاج إلى الدرابة والممارسة وعصر الذهن للخروج به من التفسير الأحادي للأشياء.
مهارة تحديد العلاقة بين السبب والنتيجة: وهي مهارة ربط الأسباب بالمسببات والنتائج. وفي ذلك تمرساً على التحليل العميق للأحداث.
مهارة تنمية المفاهيم وتطويرها: والوصول إليها يكون عن طريق تحليل الأمثلة المتعلقة بمفهوم معين لإعطاءه مسمىً معين.
مهارة الاستنتاج: ولابد من توافر المعلومات الكافية قبل ذلك ثم التحليل واستخراج النتائج بناء عليها.
مهارة تقييم المعلومات: وتعتمد على التمييز بين المعلومات الهامة وغيرها.
وأود القول إن قوة الأفكار تكمن في توافر ثلاثة معايير ألا وهي (الوضوح, والدقة, والعمق) فكل فكرة افتقدت احدى الأمور الثلاث فلن تجد سبيلها إلى العقول. ولذا كان من الضروري بالإضافة إلى معرفة أهمية التنمية الفكرية، ومبادئها، ثم تطبيق مهاراتها، التأكد من رسوخ هذه المعايير في ثنايا الفكرة التي ندركها.
وختاماً لا ننسى أن التفكير ثمرة لأمانة العقل الموهوب من عند الله سبحانه وتعالى، وما كان للإنسان أن يوظف عقله فيما يضر ولا ينفع، بل ينبغي أن يطلق لعقله العنان فيما ينفع الخلق، وليشيد بفكره حضارة الرحمة والإنسانية التي مازال البشر يبحثون عنها لينعموا في ظلها بالأمن والسلام الدائمين.[1]
|